خليل فاضل

 عندما فاجأ العالمَ طوفانُ الهواتف الذكية في حوالى 2007، كانت قد بدأت فكرته في 1995، فأصبح الإنسان يتصل بالإنترنت وهو خارج بيته، أو وهو سائر أو مسافر أو على فراشه يستعد للنوم.. كلنا يدرك أنها سلاح ذو حدين، له ميزاته التي لا حصر لها، لكنه في أيدى الكثيرين أداة مدمرة للحياة الشخصية، للتواصل الإنسانى، ولأمور أخرى أكثر حساسية.

 
في البيت، نجد كلا من أفراد الأسرة، حتى الأطفال، يغرق وجهه في شاشة الموبايل، ويدفن إنسانيته في وسائل التواصل الاجتماعى، وإذا كان كل منهم جالسًا أو نائمًا في غرفته فإنهم للأسف يتواصلون عبر الرسائل النصية من داخل أماكنهم ولا يكلفون أنفسهم عناء فتح الباب والحديث وجهًا لوجه، مما يعزز العزلة والسلوك غير الاجتماعى وانعدام الحميمية.
 
أما إذا خرجت الأسرة، فإنهم يلتفون حول مائدة واحدة في مطعم ما، لكنهم فرادى، يكون كل منهم مع آخرين على موبايله، يصبح كل منهم جزيرة منفردة، لا متماسكة وتتفكك الأواصر.
 
لا توجد إحصائيات محددة في مصر والدول العربية، لكن ندرك أنها بالملايين، وفى ازدياد، إنه نوع من الإدمان، شئنا أم أبينا، ونستطيع أن نثبت ذلك بتحديد ما إذا كنا نعانى واحدًا أو أكثر من أربعة أعراض تؤهلنا- للأسف- لكى نكون مدمنى الهواتف الذكية،هي: الحاجة إلى استخدام الموبايل أكثر وأكثر للحصول على حالة معينة من الراحة، الانشغال الهوسى بالموبايل، محاولات فاشلة نتيجة أخطاء فنية تتعلق بالموبايل أو بالإنترنت، إذا غاب عنك الموبايل لسبب أو آخر لنفاد بطاريته مثلًا، تصاب بالتوتر والقلق والاكتئاب.
 
إن الاستخدام المفرط يؤدى إلى فقدان الإحساس بمرور الوقت، كما أن الاستخدام غير العادى للموبايل يؤدى إلى تخريب العلاقات العاطفية والزواج، أو فقدانك وظيفتك، وإلى عدم التشبع أو الرضا بما معك، دائما ما تريد أحدث صيحة من موبايل آخر ما، رغم الفروق البسيطة بينهما، فقط لتشبع نفسك بأنك تملك الأكثر تطورًا، يصل الأمر إلى أن يصبح موبايلك أهم من القريبين إليك، إذا فقدته غضبت، تحبه حبًا جما، تأخذه معك حتى إلى الحمام، تعوّدت أذنك سماع رنّة تدل على وصول إشارة أو رسالة، كذلك تحس بخواء ما إذا لم يرن لفترة طويلة.
 
كذلك فإن هناك علامات وأعراضا عضوية لذلك الإدمان العجيب: شدّ في عضلات العينين، إحساس بالحرقان والحكة فيهما، تشوش في الرؤية، آلام وشدّ في الرقبة، وهو ما يسمى (الرقبة النصية Text Neck)، نتيجة أنك تنظر لأسفل وتكتب، ترد برسائل نصية أو تدخل إلى وسائل التواصل الاجتماعى لمدد طويلة ورأسك وعنقك متدليان إلى أسفل، مما يخلق وضعًا غير صحى يؤدى إلى آلام شديدة، ناهيك عن التعرض لحوادث السير والقيادة، التأثير السلبى على النوم، الإصابة باضطراب الوسواس القهرى في تملك الموبايل والتحقق من محتوياته.
 
إذا كنت مدمنًا هاتفك الذكى فهو ليس نهاية العالم، ضع قواعد لنفسك، نظّم وقت استخدام موبايلك، حدد لنفسك نشاطات مثل الجيم وغيره لا يكون معك فيها الموبايل خاصة أثناء تناول الطعام، افطم نفسك مرةً واحدة من الاستخدام الكثيف للموبايل، اقصره على الاطلاع على أخبار بعينها، أو أمور تتعلق بعملك، فلتجرب تمرينات التنفس، بأخذ نفس عميق من البطن من الفم وإخراجه من الأنف ببطء مع الاسترخاء الذهنى والجسدى، من شعر رأسك حتى إخمص قدميك، حاول أن تلتقى بمن تحب وتصادق وجها لوجه، استخدم التليفون الأرضى، اذهب إلى مكان طبيعى كالنيل أو الحدائق العامة وليكن موبايلك مغلقًا وليس صامتًا، تعوّد قضاء أوقاتٍ كثيرة بدونه.