بقلم : سوزان قسطندي
ذات يوم طلب منى أحد الآباء الكهنة أن أذهب معه لأتفقد الحالة الصحية لوالده المسن.. وعلى سبيل الخدمة ذهبت معه..
وصلنا إلى البيت الذى كان يقيم فيه والده ووالدته المسنين بمفردهما.. سلمت عليهما.. وجلست لأؤدى المهمة التى حضرت من أجلها..
ولكنى حزنت كثيراً.. ليس بسبب سوء الحالة الصحية للشيخ، ولكن بسبب تدنى مستوى الخدمة المقدمة للوالدين فى مثل هذا العمر..
فقد كان البيت كئيباً.. متسخاً.. إضاءته خافته.. رائحته كريهه.. تهويته رديئة.. يكاد يكون لا تدخله أشعة الشمس.. والقمامة ملقاه ومبعثرة على باب البيت.. ومحتويات البيت لم يتم عمل صيانة لها منذ سنوات طويلة.. وبدا لى أن أحداً لا يزورهما ويخدمهما منذ أن بلغا من العمر أرذله وتملك الضعف والمرض من أجسادهما.. وهذا ما فسر لى صمتهما المطبق وملامح الوجوم والحزن العميق المحفورة على وجوههما..

حزنت كثيراً.. وتساءلت فى نفسى.. أين أولادهما ؟!
أليس للوالدين حق الرعاية على أولادهما عند الكبر- تماماً كما كان للأولاد حق الرعاية على والديهم عند الصغر ؟! 
إنه دين واجب الدفع ؟!
أم أن أنانية الأخذ تعيق العطاء ؟!
ولكن هوذا الإنجيل يدعونا: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع 20: 35)

حزنت كثيراً.. لماذا لم يرسل لهما إبنهما خادم بيت الرب من يقوم بخدمتهما ويدفع  أجرته ؟!
لماذا لم يرسل زوجته أو إبنته لتقوم برعايتهما ؟!
لماذا لم يخلع عباءته الكهنوتيه ويتزر بمنشفة ويجلس عند قدميهما ويغسل أرجلهما- تمثلاً بسيده المسيح (يو 13: 4، 5) ؟!
هوذا الرحمة أفضل من الذبيحة (هو 6: 6)
ألم يحذرنا المسيح ويوبخ قساوة قلوبنا على والدينا حينما قال "لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم، فإن الله أوصى قائلاً أكرم أباك وأمك ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً، وأما أنتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذى تنتفع به منى-فلا يكرم أباه أو أمه، فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم، يا مراؤون حسناً تنبأ عنكم أشعياء قائلاً يقترب إلىّ هذا الشعب بفمه ويكرمنى بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنى بعيداً وباطلاً يعبدوننى وهم يعلمون تعاليم هى وصايا الناس" (مت 15: 3- 9)

حزنت كثيراً.. فإن لم يكن الراعى مؤتمناً على رعاية والديه- من أنجباه إلى الحياه، فكيف يكون مؤتمناً على رعاية شعب ؟!
ولكن كما قال أحد التائبين: قضيت عمرى كله أخدم بيت الرب، فمتى أخدم رب البيت ؟!