الأب أثناسيوس حنين
أتخيل سيادة المطران جورج خضر البيروتى ’ وقد تجاوز التسعين ربيعا (مولود فى طرابلس 1923 )’جالسا أمام شاشة التليفزيون يتابع عن كثب ما يحدث فى ساحات وشوارع ومدن لبنان من أحداث سبق وحلل اسبابها وأستقرأ تبعاتها وتنباء بحلول لها جذرية لانقاذ البلاد والعباد من براثن الميليشيات وأنياب القوات وظلم الاقطاعيات وتسلط الديانات وتكتل العائلات .و نرجوا الله مع سيدنا جورج أن تكون النهاية "ثورة قلوب كبيرة تصنع التاريخ".وكأن الدنيا تقول بأنها لا تدوم للمفسدين فى الأرض ولا لمن أمتهنوا مهنة اذلال الناس وتجويعهم وهم يشبعون والاستهانة بقوتهم وطاقاتهم الكامنة ’ ولكنها تدوم لأهلها من الصادقين والمبدعين والذين يخاطبهم سيدنا "الى جانب الصحوة الروحية الكبرى ’ يجب أن تعرفوا كثيرا ’ أن تقرأوا كثيرا ’ فلا يسحركم شئ زائل ولا تأسركم لذة عابرة.لبنان يطلب منكم كدا كبيرا ". قال سيدنا جورج كل شئ عن لبنان واللبنانيين وبل خرج بهم الى أرجاء المسكونة من خلال اطلالاته الاسبوعية فى جريدة النهار والتى تم تجميعها فى كتاب "لبنانيات " اصدار دار النهار- بيروت 1997 . يتخيل الكثيرون ممن أعتادوا على الكتابات "الدليفرى" بأن المطران حالم !صعب المنال ’ يحلق فى أفاق ليس للأرض وهمومها فيها نصيب ’ بينما هو لاهوتى "...كما فى السماء ’ كذلك على الأرض ". المقالات والتى شغلت عشرة سنوات 1987 -1997’ كتب عنها غسان توينى فى مقدمته للكتاب "هى مقالات "فيض " من الروح والعقل يعملهما فى السياسة والواقع ’ موضوعها العام كلمة واحدة "السياسة"والتى هى كما يعرفها سيدنا "تفعيل الابداع الروحى والعقلى فى نسيج التاريخ ". يحتوى الكتاب على "432" مقال تتوزع على أبواب ثلاثة وهى نحو مسيحية جديدة ’ فى لبنان واللبنانيون ’ وأفتداء الأزمنة . المطران كان يهذى ’ خلال مقالاته ’

بما يحدث الأن فى لبنان ’ ومن خلاله فى الشرق والعالم . قال فى مقال يعود لعام 1987 "أن البلد الذى يعيش بقضبين اقتصاديين ’ أحدهما تتعظم ثروته ’ والأخر يعظم عوزه صار الى التهلكة ". لعلها ولأول مرة فى تاريخ لبنان ينهدم برج بابل وتهب رياح العنصرعلى لبنانى الساحات الذى يشعر بأنه متروك وأن هوة عميقة تفصله عن الطبقة الحاكمة . قال مرة فى مقال بعنوان "نفسى حزينة" اللبنانى قد قرر ترك الخوف الذى ورثه من العهد العثمانى ’ الشئ الذى يدعو الى التفاؤل هو أن هذه البلد يتمتع بصحافة حرة وستبقى حرة فى زمن العهر السياسى لأنه حيث المال فهناك العهر . فسيان أن نكتب أو لا نكتب فالكلمة فى هذا البلد لا تصير جسدا ! ليست المصيبة الكبرى أن لا يتأثر الحكم بالكلام الذى يقال عنه فى البلد ’ علنا أو همسا !

الأمر لا يهمه لأن الحكم عندنا نخبوى بمعنى أنه ينزل من فوق (نوع من النظام الملكى الجماعى الذى لا يتنافى ووجود برلمان ).كل مظاهر النظام البرلمانى قائمة ولكن الحوار الحقيقى غير قائم لأن اللون الواحد يسود المجلس" .ومع هذا كله "لا ابداع فى القنوط ولا تعزية فى الضجر ’ ولا يقدر احد أن يثيرك اذا حل فيك هدوء الله " . ولقد جاوب المطران عن سؤال يتداوله اللبنانيون اليوم فى الساحات والشوارع والمهاجر "هذا البلد فيه نخب كثيرة قادرة على قيادة حسنة مسؤولة ولكن لم يكتب لها أن تظهر حتى يأتى من عند ربك الفرج ". لقد قررت السماء والأرض أن تكرم المطران الرائى لأن ما سبق وقاله ’ قد صار جسدا ’ وهو فى ملء قامة الكلمة ويستعد أن يدخل الى فرح سيده . وربما لم يقرأ الكثيرون ممن فى الساحات المطران ومن قرأؤؤه لم يتعبوا أنفسهم لفهمه لأنها بدون رغبة فى التغيير ستعود فارغة من حيث أتت .يضع المطران رجائه فى الألسنة النارية وتعزيات الروح القدس حتى يقوم الانسان بالحق لأن الذين صارو الى وجه الرب وسط اوجاع يصير الله وحدهم كونهم ويتمنى أن يعرف "نصاراى" هذا الذوق الالهى . اذن لغلبوا انفسهم التى كانت ظالمتهم وأنعتقوا توا من وطأة الزمان .المسيحيون ’ وفق تعليمهم ’ فى حاجة الى قيادات كشبعة بروح الانجيل لا مرتبطة رئيسيا بكتلوية مسيحية عقيمة .أما عن المسلمين فيقول " ...أنهم لم يأتوا حتى الأن بنظرية فى الفلسفة السياسية تزكى معايشة حرة تطمئن لها القلوب وذلك انطلاقا من الفكر الاسلامى . لقد خالف الشعب اللبنانى ما قاله المطران مرة عن الثورة "الثورة غير ممكنة فى بلد ذهنيته قائمة على الفردانية الجشعة وعلى فردانية الفقير الذى أرتضى أن الله قضى له بؤسا وقدر له أن يكون ’ نحن متحضرون زائفون ما لم نق بهذه النقلة النوعية من سوق عكاظ الى مائدة المحبة ’ لأن هناك شعوب تعيش على الطبل والزمر وهذا يقيها متاعب التأمل الفكرى ويحل لها العقد الفرويدية .. وفى مقال له عن " الاحباط المسيحى " يقول " لقد استراح المسيحيون الى انفسهم لا الى المسيح ’ أما أن لنا أن نفهم أن بدويا سكب الله تحت أرضه نفطا يساوى فى نظر سلاطين الدنيا كل الأناقة المسيحية فى لبنان ؟".

الواقعية تدل على أن المسيحيين ان لك يتبنوا أنفسهم ويعلوا فى ثقافتهم وينضجوا فى القرأة السياسية كأصحاب حلول ومبادرات خلاقة انما يعرض عنهم التاريخ وهو لا يرحم ".وكأن سيدنا يضع أنه على نبض الشارع اللبنانى اليوم فنسمعه يكتب فى مقال "أزمة لبنان " "لم يجمع اللبنانيون على وحدة بلدهم كما أجمعوا فى هذا الزمان الردئ فليس مثل المريض من يجيد الكلام فى الصحة .نحن الأن "كتبها عام 1992 " نتوق بلدا شاهذا فى تمزق الشرق ’ بلدا يرى نفسه مساهما حتى الريادة فى نهضة للعرب جديدة ’ يعقل التوازنات ويفهمها ولكنه يلح على قيامة ومواجهة فى الابداع . وعن دور اللاهوت فى هذا كله وعلاقة الكنيسة بالسياسة يقول " المشكلة ليست فى ان الاذى (خلط الدين بالسياسة )يأتى من أهل اللاهوت أن الهموا العمل الزمنى .المشكلة الحقيقية انهم كثيرا ما كانوا دنيويين فيختلط عندهم اللاهوت والناسوت وأفادوا من سلطانهم ليملوا على المؤمنين ما ليس فى السياسة من الايمان والمحبة .هم مارسوه اساليب السياسة وما لهم احترافها فأنهم فى السياسة دون رجالها علما حتى اذا تعشقوها يصبحون منها ومن شهواتهم فهم فيها ليسوا رجال دين بل رجال سياسة ". كيف يرى سيدنا المجتمع لاهوتيا ؟ يقول فى "الوطن جسد وكلمة " "لا أسعى الى نظام ثيؤقراطى يديره القيصر الممسوح من الله أو تديره خلافة تظن أنها تستوحيه ولكنها فى الواقع تستوحى أيضا نفسها وتخضع لشهواتها . أقبل حكما (وهذا هو ما يسعى اليه اللبنانيون اليوم ) يحتشد فيه القوم كما هم فى انتظام المدينة ولكنه قائم على الاخلاق الالهية ’ حكما صورته مدنية ولكن حقيقته الهية .وهذا ممكن فى ديمقراطية يتربى عليها الناس طوال حياتهم لانهم ينشأون على قبول الأخر من حيث أنه أخر . أقبل ديمقراطية جوهرها روحى وثقافى وابداعى وشركة وانسانها فى سعى الى الله .