"كلما ازدادت هشاشة الفكرة , زاد عنف المدافعين عنها "

 ميشيل فوكو

سليمان شفيق

تابعت طوال الاسبوع الماضي القضايا التي تثار علي "السوشيال ميديا"، ووجدت ان اغلبها كان عن الكمساري والبائع الذي اجبر علي القفز من القطار هو وزميلة واصيب احدهما ومات الاخر ، ثم النائبة التي اثير عنها تقديمها لمشروع قانون عن حشمة النساء ، واخيرا الفتاة التي وصفت الشيخ الشعراوي بالتطرف .

في كل تلك القضايا انقسم الراي العام بطريقة تثير الدهشة ، وقف كثيرين من الموالين للحكومة ضد الباعة ووصفوهم بابشع الاتهامات وكأن واعتبروا ان الدفاع عن الكمساري يمثل موقف وطني وكأن الكمساري نائب رئيس الوزراء ؟!! ولكن الامر انتهي بذهاب الوزير كامل وزيري للعزاء والاعتذار لاسرة البائع ، وقامت النيابة العامة بحبس الكمساري ، فأسرعت جبهة الموالاة بالاشادة بالوزير كامل وزيري ، ولا يفوتني ان الاعلام الفضائي الموجه دخل في الموضوع وراينا الاخوة احمد موسي يهاجم الوزير وزيري ويطالبة بالاستقالة ؟!!

هكذا كان الامر مثيرا للدهشة والريبة من الكتائب الالكترونية الامنية او من الامنية الفضائية مما تعكس صراعات وتربيطات وكراهية للفقراء ، ولم نجد اي مسئول او مثقف يحدثنا عن اشكاليات الباعة الجائلين والسكك الحديدية ، عددهم؟الاشياء التي يبيعونها؟ امكانية حل مشاكلهم الخ ، لان الحكومة استطاعت ان تحل مشاكل اغلب الباعة الجائلين في القاهرة وخصصت لهم اماكن مثل الترجمان وغيرها ، فهل من الممكن عقد ندوة من نقابة الباعة الجائلين ، او اي منظمة حقوق انسان يقترب مجال عملها من هذا الاطار ويتم فيها تبني تلك الفئة المحرومة من المشروعية او الاحترام ؟

انتقل الراي العام من البائع المغدور به الي نائبة ادعت انها تقدمت بمشروع قانون للحشمة ، وقالت ان القانون سوف يفرض غرامة علي غير المحتشمة  وقدرها خمسة الاف جنية ؟!!

اثار الامر الكثير من السخرية كون هذة النائبة تعودت علي "الهذيان البرلماني" مما دعا نواب محترمين مثل  النائب دعماد جاد والنائب محمد ابو حامد يصرحان بأن البرلمان لم يتلقي مثل هذا المشروع ، الا ان الاعلام الغربي كتب وبث حول تلك القضية .

الحقيقة الامر يستدعي التوقف لانه ليس تلك النائبة فقط بل يوجد نائب اخر تعود علي اهانة اي احد بلا عقاب ، واخرين خارجين عن المنطق ، ولذلك ووفق الاليات التي سار عليها المرشحين للمجلس النيابي السابق خاصة "الكشف الطبي " اتمني ان يكون هناك "فحص نفسي" ، وتقريرنفسي حتي لا يتسني لامثال هؤلاء اختراق السلطة التشريعية ، واعتقد ان القوات المسلحة والشرطة تقوم بعمل كشف طبي وكشف هيئة ، واعتقد ان السلطة التشريعية لاتقل اهمية عن القوات المسلحة والشرطة ومن ثم لابد ان يكون هناك كشف هيئة للمرشحين جنبا الي جنب مع الكشف الطبي والحالة النفسية ، حتي لا ندخل في مهاترات في الراي العام المصري والاقليمي والدولي .

نصل الي قضية وصف فتاة للشيخ الشعراوي بالتطرف ، واندهشت من رد الفعل القاسي والمخيف ضد الفتاة الصغيرة مما ارعبها وادي بها ان تعتذر في احدي البرامج التليفزيونية الموجهة ، كما ان احد النواب اثار هذة القضية امام البرلمان ؟!!

المدهش انني عاصرت ضرب صورة البابا شنودة بالحذاء من السلفيين ، وسب وقذف المسيحيين من "اللي ما يسواش" من علي المنابر بل واتهامهم بالكفر وعدم تهنئتهم في الاعياد مثال "برهامي" ، ولم يقدم احد للمحاكمة بتهمة ازدراء الاديان ؟

بالطبع الشيخ الشعراوي وغيره من رجال الدين ليسوا انبياء معصومين من الخطأ ، وبصفتهم شخصيات عامة فهم قابلين للنقد والتقييم ، كما ان ما يثير الدهشة ان العربية السعودية بدأت تقلص من هيمنة الوهابيين في الحياة العامة وتقيد لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكننا في مصر نترك لهم العنان حتي يصل الي اهانة ملايين من المواطنين المصريين الاقباط وعدم تحية العلم وعد الوقوف دقيقة حداد علي ارواح الشهداء الخ ، كل ذلك دون اي عقاب ؟!!

الغريب ان الراي العام الموحة وغير الموجة ، الفضائي او الالكتروني لم يهتم بمثل تلك القضايا مثلما اهتم بما يحدث في العراق ولبنان والجزائر ؟ او اي اهتمام بقضايا المواطنين المدنيين من غير الاخوان او الارهابيين والذين خلف الاسوار.

اننا امام "هوس وهواجس " من اغلب الراي العام ، وارتياح من الحكومة لانشغال الراي العام بتلك الامور الساذجة وكأن الحكومة تري ان اهتمام الراي العام بتلك الامور افضل من اهتمامهم بمحاسبتها علي ما هو اكبر.

هنا اتذكر مقولة ميشيل فوكو "كلما ازدادت هشاشة الفكرة , زاد عنف المدافعين عنها "

ربي لا اسألك رد القضاء بل اسألك اللطف فية .