في مثل هذا اليوم 3 ديسمبر1956م..
بدء انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية من مصر وذلك بعد فشل ما عرف باسم العدوان الثلاثي والذي شنته الدولتين مع إسرائيل.

العدوان الثلاثي أو حرب 1956 كما تعرف في مصر والدول العربية أو أزمة السويس أو حرب السويس كما تعرف في الدول الغربية أو حرب سيناء أو حملة سيناء أو العملية قادش كما تعرف في إسرائيل، هي حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956، وهي ثاني الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948، وتعد واحدة من أهم الأحداث العالمية التي ساهمت في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت حاسمة في أفول نجم القوى الاستعمارية التقليدية، وتألق نجوم جديدة على الساحة الدولية. بدأت جذور أزمة السويس في الظهور عقب توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 بعد مفاوضات مصرية بريطانية رافقتها مقاومة شعبية شرسة للقوات الإنجليزية بالقناة.

بدت علاقة عبد الناصر مع الدول الغربية في تلك الفترة في صورة جيدة خاصة مع موافقة البنك الدولي بدعم أمريكي بريطاني على منح مصر قرضاً لتمويل مشروع السد العالي الذي كان يطمح به عبد الناصر أن يحقق طفرة زراعية وصناعية في البلاد. في تلك الفترة كانت المناوشات الحدودية مستمرة بشكل متقطع بين الدول العربية وإسرائيل منذ حرب 1948، وأعلن عبد الناصر صراحة عداءه لإسرائيل، وضيّق الخناق على سفنها في قناة السويس وخليج العقبة، ما شجع الأخيرة ووجدت فيه مبرراً لتدعيم ترسانتها العسكرية عن طريق عقد صفقة أسلحة مع فرنسا، فقرر عبد الناصر طلب السلاح من الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أنهما ماطلا في التسليم ورفضاه في النهاية معللين ذلك بوضع حد لسباق التسليح بالشرق الأوسط، لم يجد عبد الناصر بديلاً إلا أن يطلب السلاح من الاتحاد السوفيتي وهو ما قابله الأخير بالترحيب لتدعيم موقفه بالمنطقة؛ فقررت كلاً بريطانيا والولايات المتحدة الرد على الخطوة المصرية بجانب رفض عبد الناصر الدخول في سياسة الأحلاف، ورفضه الصلح مع إسرائيل طبقاً لشروط الغرب كما أقرتها الخطة "ألفا" وذلك بوضع خطة جديدة أُطلق عليها "أوميجا" هدفت إلى تحجيم نظام عبد الناصر عبر فرض عقوبات على مصر بحظر المساعدات العسكرية، ومحاولة الوقيعة بينها وبين أصدقائها العرب، وتقليص تمويل السد الذي تم إلغاؤه بالكامل في وقت لاحق.

رأى عبد الناصر في تأميم قناة السويس فرصته الوحيدة للحصول على التمويل اللازم لبناء السد العالي، وبالفعل أعلن في 26 يوليو 1956 قرار التأميم، ومع فشل الضغط الدبلوماسي على مصر للعدول عن قرارها، قررت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وضع خطة لاستخدام القوة العسكرية ضد مصر أُطلق عليها بروتوكول سيفرز، آملين بذلك تحقيق مصالحهم من تلك الضربة، فعلى الصعيد البريطاني كان الهدف التخلص من عبد الناصر الذي هدد النفوذ البريطاني بتحقيق الجلاء وتحالف مع السوفيت وأمم القناة التي تمر منها المصالح البريطانية، وعلى الصعيد الفرنسي كانت فرصة للانتقام من عبد الناصر الذي ساند ثورة الجزائر وأمم القناة التي كانت تحت إدارة فرنسية، في حين وجدت إسرائيل فرصتها لفك الخناق المحكم على سفنها في قناة السويس وخليج العقبة، وتدمير القوات المصرية في سيناء التي كانت تشكل تهديداً صريحاً لها.

مع فداحة الخسائر المصرية في الأرواح والممتلكات نتيجة العدوان، إلا أن مصر خرجت من المحنة أكثر تماسكاً، خاصة في ظل التضامن العربي والدولي مع موقفها، فضلاً عن تألق نجم عبد الناصر على مستوى السياسة الدولية بوقوفه في وجه الدول المعتدية. وتمثلت المكاسب في انفراد مصر بملكية وحق إدارة قناة السويس بلا منازع، وإلغاء معاهدة الصداقة والتحالف بينها وبين بريطانيا وما تبع ذلك من استيلاء مصر على القاعدة البريطانية العسكرية في منطقة قناة السويس بكل ما تحويه من أسلحة وذخائر وعتاد، كذلك تقرر فرض الحراسة على أموال ومؤسسات وشركات وممتلكات الإنجليز والفرنسيين المقيمين في مصر، والتي قدرت قيمتها وقتها بـ30 مليون جنيه مصري.

الأطراف المعتدية:
فقدت بريطانيا مكانتها في المنطقة وممتلكاتها وقاعدتها في مصر، وانتهى الأمر بأنتوني إيدن إلى الاعتكاف ثم الاستقالة من منصب رئيس الوزراء. خسرت كذلك فرنسا أموالها وممتلكاتها في مصر وفقدت نفوذها السياسي والثقافي في المنطقة. أما إسرائيل فخرجت ببعض المكاسب وهي تأمين مرور سفنها بخليج العقبة وقناة السويس.

انعكاسات الحرب على التوازن الدولي:
حسمت حرب السويس ما أسفرت عنه الحرب العالمية الثانية من نتائج، وأرست دعائم النظام الذي برز في أعقاب الحرب، فأفل نجم بريطانيا وفرنسا كقوى استعمارية تقليدية بنمطها الذي مارسته على مدار عقود، وفقدت تباعاً قواعدها ودورها كقوى عظمى بالشرق الأوسط، وحلت محلها الولايات المتحدة كلاعب منفرد على الساحة الدولية لدور حارس المصالح الغربية بالشرق الأوسط، فقبلت باستقلال دول المنطقة وبحياد نسبي لكن مع إصرارها على ربطهم بعجلة الغرب.!!