بقلم: نسيم عبيد عوض
نشكر ربنا أن مجلس الدولة أعلن أنه يمكن للكنيسة أن تناقض في حكم المحكمة الإدارية العليا بخصوص الزواج الثاني للمطلق, وهذا هو عين العقل والحكمة لأن هذا الحكم والتعنت في قراره كان سيشعل البلد نارًا لا تطفئ وبداية عصر استشهاد جديد,  فنحن المسيحيين لن نوافق مطلقا لأي جهة ولو قضائية أن تتدخل في شرع السيد المسيح وكنيسته.

وفي خلال الأيام الماضية قد أثيرت استفسارات ومناقشات من الأقباط أنفسهم حول الطلاق والزواج الثاني, وقد وصلني على البريد الإلكتروني رسالة من صديق على أثر قرائته لمقالي (الحكم طبقا لشريعتهم) وهو نص القانون الذي شرعته الدولة في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين, وكتب رسالته يقول فيها إن قداسة البابا كيرلس السادس كان يوافق على الطلاق والزواج الثاني بموجب لائحة 1938, واسمحوا لي هذا كلام خاطئ وتجني على قداسته, ولذلك لزم على أن أتعرض للائحة 1938 و وعلاقة قداسة البابا كيرلس بها:

أولاً: قوانين لائحة 1938: وهي لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في 9 مايو عام 1938 والتي بدأ العمل بها من 8 يولية في نفس السنة, ومن المعلوم أن محاكم مصر تطبقها حتى وقتنا هذا في قضايا الأحوال الشخصية, وهناك حكم مشهور لمحكمة النقض في الطعن رقم 4 لسنة 42 قضائية أحوال شخصية بجلسة 6/6/1973, يقضي بأن أحكام هذه اللأئحة هى الواجبة دون غيرها.

وهذه اللائحة تتضمن 179 مادة شملت كل شئون الأحوال الشخصية للمسيحي الأرثوذكسي, واشتملت اللائحة على 8 أبواب, وما يهمنا أن نتعرض له هو النصوص المتعلقة بموضوعنا الراهن.

حق الطلاق المنصوص عليه في لائحة 1938 وقد ورد في المواد التالية:

مادة 50- يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق لعلة الزنا.

مادة 51- إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وانقطع الأمل من رجوعه إليه جاز الطلاق بناء على طلب الزوج الآخر.

مادة 52- إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يعلم مقره ولا تعلم حياته من وفاته وصدر حكم بإثبات غيبته جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق.

مادة 53- الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوغ للزوج الآخر طلب الطلاق.

مادة 54- إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معدٍ يُخشى منه على سلامة الآخر يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضى ثلاث سنوات على الجنون أو المرض ويثبت أنه غير قابل للشفاء.

ويجوز أيضًا للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته ثلاث سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء وكانت الزوجه في سن يُخشى عليها من الفتنة.

مادة 55- إذا أعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر أو اعتاد إيذاءه جسميًا بما يعرض صحته للخطر جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق.

مادة 56- إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وانغمس في حمأة الرزيلة ولم يجد في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق.

مادة 57- يجوز أيضًا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيمًا مما أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما واستمرت الفرقة ثلاث سنوات متوالية.

مادة 58- كذلك يجوز الطلاق إذا ترهبن الزوجان أوترهبن أحدهما برضاء الآخر.

وعلى أثر صدور القانون 462 لسنة 1955 الذي ألغى المجالس الملية ونقل اختصاصها إلى المحاكم المدنية العادية, اجتمع المجلس الملي العام في نفس السنة وقدم لوزارة العدل موادًا لإصدارها كقانون يتم تطبيقة على الأقباط الأرثوذكس ( وفي غالبها نفس مواد الطلاق في لائحة 1938 السالف الذكر) ولكن لم يوافق عليها ورفضت محكمة النقض الأخذ بها, وأصبحت لائحة سنة 1938 هي المعمول بها فقط أمام المحاكم وحتى الآن.

 وقد وافقت الكنيسة على المواد 50-51- 52 على أنها توافق ماورد بنص الكتاب المقدس( مت 5: 32 و 19: 9 ) – لو16: 18) بالنسبة للمادة 51 عن الخروج عن الدين المسيحي حسب نص الكتاب في ( رو7: 1-3) و 2كو ^: 14-16) وحتى في ما ورد بالمادة 52 تؤخذ بحذر شديد مع التأكد من صدور حكم نهائي يفيد موت الغائب حكمًا. ولكنها لم توافق على باقي المواد من 53 – 57 لعدم ورود نص في الكتاب المقدس يسندها وبالتالي لا تعتد بالأحكام المدنية الصادرة بموجبها.

ثانيًا: قرارات المجمع المقدس في أساب الطلاق: اجتمع المجمع المقدس مرتين في عام 1958 الأول في أول مارس والثاني 21 مايو وأصدروا قرارًا هذا نصه: (1- حيث إن الزواج في المسيحية سر من أسرار الكنيسة السبعة ولا يتم إلا بمعرفة الكنيسة بما لها من سلطان ديني يخول الكاهن الشرعي مباشرة إتمامه فلا يجوز فسخة إلا بمعرفة الكنيسة بنفس السلطان الديني, وبناء على ذلك لا يمكن اعتبار أحكام الطلاق الصادرة من غير السلطان الديني الكنسي أحكامًا تقرها الشريعة المسيحية. وليس للقضاء المدنى إطلاقا أن يحكم في الشئون الدينية لأنها أمور لا شأن له بها.

ثالثا: مذكرة قداسة البابا كيرلس السادس للسيد وزير العدل:  وفي 22 أكتوبر عام 1962 أرسل قداسة البابا إلى السيد وزير العدل مذكرة مطولة ومحددة يطالبه فيها عند وضع تشريع للأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين والمزمع إصداره مراعاة قصر التطليق على العلة للعودة لما يتفق مع نصوص الكتاب المقدس كما أضحت المذكرة النقاط المهمة التالية:

- أن أحوال الأقباط الشخصية تتصل بصميم العقيدة وتعاليم الدين المسيحي التي وضعها السيد المسيح له المجد ورسله الأطهار, مع عدم الالتفات إلى قانون أو مشروع أو اقتراح يتعارض معها على أن يأتي القانون الجديد موافقا لمبادئ الدين وتعاليم الكنيسةالأرثوذكسية.

- والمذكرة تتضمن 8 بنود مطولة ويهمنا هنا عرض ماورد بها فيما يخص الموضوع: وهو ماورد في –سادسًا- الطلاق.. والتطليق موضوع الطلاق بالذات قد وضع السيد المسيح بنفسه تشريعًَا خاصًا به, كرره بوضوح في أكثر من موضع ولا يجوز لأ حد أن يغير فيه وإلا كان هذا التغيير منافيًا لتعاليم السيد المسيح وآيات الكتاب المقدس.

أما هذا التشريع فيتلخص في النقاط التالية:

1- لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنى وفي ذلك يقول السيد المسيح "وأما أنا فأقول لكم أن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني" ( 5: 32 و 19: 9)
2- لا يجوز زواج المطلقه ووصايا السيد المسيح في هذا الأمر واضحة تحكم بالزنى على الزوج وعلى المرأة في مثل هذا الزواج والنص: (من يتزوج مطلقة فإنه يزني – مت 5: 32) والذى يتزوج بمطلقة يزني" مت19: 9 ) وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني لو 6: 19).
 
3- لا زواج للرجل الذي طلق امرأته بغير علة الزنا, وهذا هو قول السيد المسيح (كل من يطلق امرأته ويتزوج بأخرى يزني) والسبب في هذا أن المسيحية ترى أن الرجل مرتبط بزوجته وأن طلاقه منها بغير علة الزنا هو طلاق باطل لا يفصم عري الزوجية ولذلك إذا تزوج بأخرى يعتبر زانيًا إذ المسيحية لا تسمح له بالجمع بين زوجتين في وقت واحد..

3- تحيل أقلام الكتاب قضايا الطلاق بمجرد تقديمها إلى الرئاسة الدينية الكائنة المحكمة في دائرتها على أن تعيد الرئاسة الدينية الأوراق مشفوعة برأيها إلى المحكمة في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.

مذكرة قداسة البابا كيرلس السادس كانت في منتهى القوة والوضوح والتحديد وأما من يدعون بخلاف ذلك فهذا أمر لا يخصنا.. وأما ما قدمه قداسة البابا شنودة الثالث في أمر الأحوال الشخصية وفور جلوسه على الكرس المرقسي, فهذا موضوع يطول شرحه.

ولا ننسى قول معلمنا بولس الرسول "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها. (أف5: 25) ولذلك فإن جوهر سر الزيجة هو هذه الرابطة المقدسة.