تجلس مطيعة مصطفى محمود، صاحبة الـ47 عاماً، فى غرفتها رقم 424 فى مستشفى دار الشفاء بالعباسية، الغرفة واسعة ونظيفة، يستقر بها سريران، واحد لها وآخر متروك للمرافقة الخاصة بها، ترتدى «مطيعة» عباءة وطرحة كبيرة ملونة، تعيد ضبطها من وقت لآخر أثناء حديثها، استقبلتنا بابتسامة، كانت تخفت قليلاً أثناء حديثها كلما تطرقت إلى معاناتها السابقة.

فشلت فى مقابلة أى محافظ لأسوان منذ عام 2001 ولم أصدق أننى بالفعل أقف أمام رئيس الجمهورية

تقول «مطيعة» إنها بدأت إجراءات الكشف من الساعة السابعة صباحاً، بمجرد وصولها للمستشفى، حيث استقبلها طاقم طبى كامل، وأجروا لها كافة الفحوصات والتحاليل والأشعة، وأن رحلة وصولها للقاهرة اختلفت تماماً عن نفس الرحلة التى قطعتها منذ 7 سنوات تقريباً من أجل إجراء جراحة، موضحة: «أنا لما جيت أعمل عملية فى القاهرة من 7 سنين، دخلتها باسم مستعار، علشان كنت شاكية المسئولين فى معهد أورام أسوان، وكنت خايفة منهم يؤذونى».

تضيف «مطيعة»: «خضت حرباً شرسة، لإثبات فساد بعض الموظفين فى معهد أورام أسوان، وأنهم كانوا يصرفون علاجاً وفواتير باسمى، وبأسماء عدد كبير من المرضى، الذين عجزوا عن تلقى العلاج، منهم فاتورة بـ1500 جنيه من أجل علاج كيماوى لورم بالمخ، تم صرفها باسمى، ولا أعانى من أى ورم فى المخ، ولم أتلق أى علاج كيماوى فى الأصل، وذهبت إلى النيابة الإدارية، وأدليت بأقوالى، وقدمت التقارير الطبية الخاصة بى، وشهدت ضد الموظفين الذين قاموا بسرقة علاج على نفقة الدولة».

خضت حرباً شرسة لإثبات حقى.. وربنا أنصفنى

تواصل «مطيعة»: «اليوم ربنا نصفنى، تلقيت مكالمة من وزير الصحة بأنه فى انتظارى، وبأن الرئيس عبدالفتاح السيسى، أوصاه بمتابعة حالتى الطبية، وتم نقلى إلى مطار أسوان فى عربة إسعاف، وبمجرد وصول الطائرة إلى أرض المطار فى القاهرة، وجدت سيارة إسعاف، تحت سلم الطائرة فى انتظارى، أخذتنى إلى خارج المطار، لأجد سيارة إسعاف أخرى قامت بنقلى إلى مستشفى دار الشفاء».

بنبرة حزينة تحكى «مطيعة» عن معاناتها طوال 18 عاماً، حيث اكتشفت إصابتها بأورام ليفية فى الصدر الأيمن والأيسر، بالإضافة إلى ورم آخر فى الساعد الأيمن، تقول «مطيعة»: «إحنا فى أسوان منسيين، الدكاترة بينجحوا بالرشاوى، بالبلح والكركدية، مش بنتعالج هناك، وكنت خايفة جداً تكون حالتى متدهورة وأنى أتعالج بالكيماوى، بس الدكاترة النهارده طمنونى».

وعن بعض الأقاويل التى تزعم بأن لقاءها بالرئيس كان مدبراً، تقول «مطيعة»: «الرئيس نفسه ماكانش حاطط فى خطته أنه هيروح محطة كيما 1 و2، إلا لما الشاب علاء قام فى المؤتمر وأحرج محافظ أسوان»، وتضيف: «المنطقة التى توجد بها المحطة هناك، تسمى عزبة النهضة، وتعتبر منطقة خطر، معدومة الخدمات، وتأمينها صعب، وبالرغم من ذلك أصر الرئيس السيسى على زيارة المنطقة، بعد ما قاله الشاب علاء، ليتأكد بنفسه أن المحطة تضخ مياهاً فاسدة، تضر بصحة الأهالى».

وعن رحلة وصولها لموكب الرئيس تقول «مطيعة»: «أول يوم فى المؤتمر، وقفت أمام الحراس، وسلمت لهم كافة الأوراق الطبية وشكوى كتبتها لما عانيته من تجاهل وحرب أثناء رحلتى للعلاج، ولم أعرف إن كانت الشكوى وصلت للرئيس أم لا، وعدت للبيت متعبة بعد وقوفى لساعات طويلة، وفى يوم السبت الماضى، أخبرتنى ابنتى الصغرى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، سيزور محطة كيما، التى تعتبر قريبة من بيتنا، توجهت إلى هناك، وحاولت التوسل للحرس، حتى يسمحوا لى بلقاء الرئيس، تعامل معى الحرس بتعاطف كبير، ولكنهم طالبونى بالابتعاد عن الطريق، وبأنه غير مسموح لأى شخص مهما كان باقتحام الموكب».

تضيف «مطيعة»: «كنت على يقين بأننى إذا وصلت للرئيس، سيسمح لى بالتحدث معه، وحتى إن كانت الإجراءات الأمنية ملزمة لإصابة أى من يعترض الموكب، أو إطلاق النار عليه، لم أكن مهتمة بذلك، لأننى عشت فى ذل وألم لا يحتمله أحد طوال 18 سنة، كنت أموت بالبطىء، وخضت حرباً شرسة وتعرضت لتشويه سمعتى بعدما تقدمت بشكاوى ضد مدير إدارة القومسيون الطبى، واضطررت لعدم الخروج من بيتى لسنوات طويلة خوفاً من التهديدات». وتكمل «مطيعة» حديثها، قائلة إنها لجأت للأهالى الموجودين لمساعدتها ودعمها، قائلة: «قلت لهم إحنا صعايدة، والصعايدة مالهمش غير شرفهم، وأنا ست وبتحامى فيكم عايزة أقابل الرئيس، ساعدونى أكلمه، أنا عيانة وبموت»، توضح «مطيعة» أن الأهالى ساعدوها بالفعل، حيث صاح أحد الرجال الواقفين هناك، وأحضروا كرسياً، ووضعوا عليه وسائد، وأجلسوها عليها.

«أول لما الرئيس عبدالفتاح السيسى عدا من قدامنا، قعدت أصرخ بأعلى صوتى أنا عايزة أكلمك يا ريس، عايزة أتعالج، دول اتهمونى فى شرفى»، تقول «مطيعة»، قبل أن تضيف: «ماعرفش إزاى وصلت له والله، أول لما الرئيس سمع كلمة شرفى يا ريس، لقيتنى قدامه».

تضيف «مطيعة»: «بمجرد وصولى أمام الرئيس السيسى، لم أستطع الكلام، شعرت بأن حلقى جاف تماماً، بسبب صراخى المتواصل، ووقوفى فى انتظاره، ولذلك سقانى الرئيس بيده، وسمعنى، أخبرته أننى حاولت الوصول له من اليوم الأول فى المؤتمر، وأننى قدمت أوراق الشكوى الخاصة بى، وتقاريرى الطبية للحرس الوطنى الخاص به، وبأن هناك موظفين فى معهد الأورام، صرفوا أدوية كيماوى باسمى وسرقوها».

تقول «مطيعة» إن الرئيس أشفق عليها مما قالته، وجاء رده بعبارة واحدة: «حقك عندى»، وطالبها بأن تعطيه صورة البطاقة الشخصية الخاصة بها، فقالت معى الأصل، فأخبرها «أعطيها للضابط من فضلك».

تضيف «مطيعة»: «سِبت بطاقتى للظابط وروّحت البيت، وأنا مش مصدقة اللى حصل»، مؤكدة أنها عجزت عن لقاء محافظ أسوان منذ عام 2001، وكلما تغير المحافظ، كانت تقف أمام المحافظة لمحاولة الوصول له، وفشلت فى الوصول إلى نائب مجلس الشعب المسئول عن دائرتها، ولم تتمكن من تقديم شكواها إلى مسئولى وزارة الصحة، فلم تصدق أنها تمكنت من لقاء رئيس الجمهورية، ووعدها بحل مشكلتها.

«مطيعة»، هى أم لـ4 أطفال، أصغرهم توأمان لا يتجاوز عمرهما الـ15 عاماً، وزوجة لأحد العمال الذى اضطر للخروج على المعاش، بسبب ضعف قرنية عينه، تقول إن الأسرة كلها عاشت مأساة وألماً بسبب مرضها، خاصة أن المعهد أصدر تقريراً طبياً يوضح وجود ورم آخر فى ساعدها الأيمن، قد يتطلب بتره: «وأنا رايحة أركب الطيارة علشان أتعالج، بعد أمر الرئيس، ولادى كانوا بيعيطوا جامد جداً، وقالوا لى هيقطعوا دراعك يا ماما»، توضح «مطيعة» أنه بعد إجرائها للأشعة والتحاليل الأولية، أكد لها الأطباء أن الورم فى ذراعها، سببه التهاب فى الأوردة، وذلك بسبب حقنها لسنوات طويلة بحقن عضل فى الوريد، مما تسبب عنه تلك الالتهابات.

تقول «مطيعة» إنها فى انتظار شقيقتها التى من المفترض أن تكون مرافقة لها فى رحلة العلاج، وستصل بعدها لأنها ستركب قطاراً من أسوان إلى القاهرة على نفقتها الخاصة». تختم «مطيعة» حديثها قائلة: «قبل ما أسافر من قريتى للعلاج فى القاهرة، قلت لجيرانى: مش قلت لكم الراجل ده محترم، وفعلاً عايز يعمل خير».

«مطيعة» خلال حديثها مع «الوطن»