سحر الجعارة
(فى العالم المملوءِ أخطاء..

مطالبٌ وحدكَ ألا تخطِئا

لأن جسمكَ النحيلْ..

لو مَرة أسرعَ أو أبطأَ..

هوى، وغطى الأرضَ أشلاءَ)..

عادة ما أتذكر هذه الأبيات من رائعة الشاعر «أحمد عبدالمعطى حجازى»، «مرثية لاعب سيرك»، حين أكتب عن قضايا المرأة.

نعم، أعلم أننى أسير على حبل مكهرب بفتاوى التكفير ولعنات «حراس الفضيلة»، وأننى فى أى لحظة يمكن أن أقع فى قبضة كتائب الحسبة: (فى أىِّ ليلةٍ ترى يقبع ذلك الخطأ؟).

أشعر أننى فعلاً فى «سيرك» من محترفى «الخطابة والشعارات الحنجورية»، والعمائم المتحرشة بالأنوثة، وكأنهم «كهنة المعبد» مهمتهم اصطياد الفريسة، وتقديمها لصاحب العمامة الكبرى!.. لكننى أوقن أن للحرية ضريبة، وأن للعدالة والمساواة ضحايا، وأن «القلم سيف مسنون» يطيح بأكبر رأس يبطش بالنساء، ويفرض عليهن القهر والظلم والوأد.. ويذيقهن طعم الموت يوماً بعد يوم.. ويشوه أعضاء المرأة التناسلية، ويرميها فى خندق الجهل والأمية.. ويصمها بالعار ليمتلئ «كرشه» بحقوق المرأة وميراثها، ويستولى على أحقيتها فى تولى مراكز القيادة العليا.. وأحياناً يقتلها ليُرضى نهمه لشرف لم ينله، لأنه ربما يكون فاسداً أو مرتشياً أو مزوراً لدين الله أو مزيفاً لوعى الناس!.

فيا أصحاب المناصب العُليا والملابس الرسمية: هأنذا أسقط ورقة التوت عن ألاعيبكم، وأعرّيكم وأكشف سقوطكم الأخلاقى والإنسانى.. فماذا أنتم فاعلون؟.

استمراراً لفعاليات 16 يوماً من النضال.. التى أطلقتها هيئة الأمم المتحدة، فى اليوم الدولى للقضاء على العنف ضد المرأة، تحت شعار: «لوّن العالم برتقالياً: جيل المساواة ضد جرائم الاغتصاب».. سأتحدث عن الخصوصية «الثقافية والدينية» للمجتمع المصرى.. انطلاقاً من تعريف الأمم المتحدة للعنف بأنه: (أى فعل عنيف مدفوع بعصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما فى ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفى من الحرية، سواء حدث ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة).

نبدأ من أين؟.. من فتوى الدكتور «عبدالحميد الأطرش» مثلاً، بأن (ختان الإناث يجوز فى حالة إذا كان البظر كبيراً، يصبح من الضرورى تهذيبه، بينما إذا كان صغيراً فهو لا يحتاج إلى ختان)، وتأكيده أن (ختان البظر الكبير يخفض من الشهوة الزائدة للمرأة ويحميها من الوقوع فى المعاصى).. وهو بمثابة حكم على نساء مصر بالسكتة الجنسية، ليُعيد «الأطرش» به حزام العفة من العصور الوسطى، ويحكم إغلاقه.. وينصب نفسه «مسرور السياف» لقطع شرايين الإشباع الجنسى «الأورجازم» عن المرأة، ويغلق عليها متاريس العيب، ويقيدها بأغلال الخطيئة!.

هذه هى «الطفلة» فى ثقافتنا الدينية المشوهة، إنها نفس الطفلة «جانا» التى اشتهرت باسم «طفلة البامبرز» بعد أن تم اغتصابها «عقب صلاة الجمعة»، بإصبع دنس لشاب لم يسمع إلا الطرشان والعميان، وسار خلفهم ليرتكب جريمته فى خرس، بينما الطفلة تودع بالصراخ عرضها المسروق وطفولتها الضائعة!.

هى الطفلة نفسها التى أفتى عضو لجنة الفتوى فى الأزهر سابقاً، «الشيخ سعيد نعمان»، بأنه يجوز تزويج البنت «وهى ما زالت جنيناً فى بطن أمه».. بينما أجّل «ياسر برهامى» ذبحها قرباناً لمرضى «البيدوفيليا» (pedophilia)، أى التمتّع الجنسى بالأطفال، إلى أن تُتم الثالثة من عمرها.. وهو نفس مصير «ريتاج» التى اقتحم موطن عفتها «الشيخ وعمل لها واوا».. فنحن ننفرد بفتاوى تقديم الإناث قرباناً لشيطان الرغبة.. فلدينا عصابة من «فقهاء الجنس» تكسب قوتها من دمنا ولحم أطفالنا النيئ!.

فإذا كبرت وأصبحت «فتاة»، خرج المحامى الأشهر «نبيه الوحش»، ليُحرّض على هتك أعراض النساء ويقول إن «التحرش بالنساء واجب وطنى»، وهو متحصّن بعباءة «عالم كبير» أفتى بأن «المرأة إذا خرجت بلا حجاب تكون أسقطت رخصتها، ويجوز النظر إليها أو التحرش بها».. ومن بعده خرج «صبيانه وتلاميذه»، وأولهم داعية التكفير «عبدالله رشدى» يُكرّرون نظرية «المال السايب يعلم السرقة والحلوى المكشوفة تجذب الذباب»!.

لقد حكموا على البنت بالسجن الانفرادى خلف النقاب، وخرج علامة عصره «خالد الجندى»، ليؤكد أن النقاب «فرض».. بخلاف ما أكده الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، من أن «النقاب ليس فرضاً ولا سنة وليس مستحباً، بل هو أمر مباح).. أى يدخل فى باب «الزينة»!.

الفتاة نفسها (لا ترث فى بعض القرى وفى صعيد مصر)، لأن «الأعراف والتقاليد» أقوى من القانون، وهكذا تعيش المرأة وتُدفن حية فى أرض بور مسجّلة باسم شقيقها!

نحن أصحاب أقدم حضارة إنسانية، لكننا الآن نتمسّك بموقعنا «فى الحضيض»، بعدما أخرج لنا الفقهاء أسوأ ما فى التراث، ليتحول المجتمع إلى غابة موبوءة بـ«إرضاع الكبير، ونكاح الزوجة المتوفاة، وزواج الرجل لابنته من الزنا» على مذهب الشافعية والمالكية، وأكل جزء من المرأة حين الجوع القاتل، وتركها للمغتصبين، مخافة هلاك زوجها، وحرمة تهنئة الزوجة الكتابية واعتبار العلاقة الزوجية اغتصاباً».. بالإضافة إلى كل فتاوى تحليل «سبى النساء» من «أبوإسحاق الحوينى»، وصولاً إلى الدكتورة «سعاد صالح»!.

يسألونك عن العنف ضد النساء: قل إنه «جرائم» تفرقت فيها دماء المرأة بين السالف ذكر أسمائهم.. وما أوتيت من القهر إلا قليلاً!.

«لوّن العالم برتقالياً»
نقلا عن الوطن