محمد حسين يونس
عام 1923 شهد بداية التحول من أسر العثمانية إلي براح المعاصرة .. ففي هذا العام تولي مصطفي كمال أتاتورك رئاسة تركيا علي أنقاض الخلافة .. و في نفس العام صدر أول دستور مصرى معاصر بضغط من الإنجليز علي الملك فؤاد....و خلعت هدى شعراوى و سيزا النبراوى و نبوية موسى البرقع لتفاجيء مستقبليها بوجه مكشوف بعد عودتهم من روما إثر حضور مؤتمر الإتحاد الدولي... وفي نفس السنة تأسس أول إتحاد نسائي مصرى برئاستها .

المراة حتي هذه اللحظة كان يمكن بيعها و شراءها في سوق النخاسة ...فمصر لم توقف شراء الجوارى رسميا إلا بعد ثلاث سنوات حين وقعت الحكومة علي إتفاقية إلغاء الرق و العبودية في جنيف.

لقد كانت الغالبية العظمي من المصريات من الأميات أى يجهلن القراءة و الكتابة .. يعشن في الارياف و الأحياء الشعبية بعادات توارثنها عبر الاف السنين عن الجدات لم تتغير .. و كانت الطبقة الوسطي بكل شرائحها يتعلم فيها النساء حتي مستوى فك الخط .. و من كانت حظها جيدا تصل حتي الكفاءة ( تشبة الإعدادية ) أوتلتحق بالمدارس النسوية و المعلمات يستوى في ذلك اليهوديات و المسيحيات و المسلمات و يمكن البهائيات .. و كانت الأرستقراطيات (بنات الطبقة العليوى ) أغلبهن من الأتراك.. منعزلات لا يتقن اللهجة المصرية ( منهن هدى شعراوى ) ..و يهتممن بدروس اللغات والبيانو و الكورشية و الإتيكيت و يلبسن طرح و برقع أبيض ..

أما من كن يعملن في الأورنس الإنجليزى فهن بنات الأجانب و بعض العائلات الأكثر تحررا من السكان المحليين في القاهرة و الأسكندرية ..أما في المستشفيات و الملاجيء .. فنجد الراهبات .. بزيهن المعروف ..

ما الذى أخرج المارد من القمقم؟؟
(( ولدت الحركة (النسويّة) التي كانت (هدى شعراوي ) رائدتها، من رحم النضال الشعبي الذي شاركت فيه المرأة المصرية ضد الاحتلال الانكليزي خلال ثورة 1919؛ وقد تحولت تلك الحركة إلى تيار قوي قادر على أن يحشد نساء الطبقة البرجوازية تحت شعاراته ومبادئه.))

(( صاحت نساء القاهرة المحجبات في الشوارع بشعارات الحرية والاستقلال عن الاستعمار الغربي. ونظمن إضرابات ومظاهرات، ومقاطعات للبضائع البريطانية، وكتبن عرائض تستنكر الأفعال البريطانية في مصر))

(( ويُنظر لتلك المظاهرات على أنها أولى مراحل تكون النسوية المصرية. ففي 16 مارس 1919، خرجت ثلاثمائة امرأة في مسيرة إلي (بيت الأمة) للمطالبة بالاستقلال الوطني وحرية المرأة في نفس الوقت)) .

((ومع مرور الوقت، ونتيجة قمع جنود الاحتلال، ازدادت حدة المظاهرات، وخرجت النساء من جميع طبقات المجتمع. خلال تلك المظاهرات، سقطت أول شهيدة مصرية برصاص الاحتلال تسمي (شفيقة محمد). وتحولت جنازتها إلى مظاهرة كبرى، اشترك فيها الآلاف من النساء، سقط خلالها أربع شهيدات أخريات هن: (عائشة عمر) و (فهيمة رياض) و (حمدية خليل) و ( نجية إسماعيل).

في عشرينيات القرن كانت تداعيات ثورة 1919 لا زالت قائمة .. و كان المجتمع بعد سقوط الخلافة يخلع ثوب العثمانية و يتخلص من نظام الحريم و التضييق علي نشاط النساء و كانت رياح التغيير فيما بعد الحرب العالمية الاولي تهب عاصفة من أوروبا لتبدأ الطبقة الوسطي عهدا جديدا تخلع فيه المصرية البرقع و تواجه العالم بإبتسامتها صارخة أنها لا تقل عن نساء العالمين حيوية و مقدرة .

تميزت رائدات هذا التيار بمستوى تعليم عالٍ وإتقان لعدة لغات تعلمنها على أيدي مربياتهن الأجنبيات أومن من خلال المدارس التبشيرية فتعرفن على ثقافات تحترم إستقلالية المرأة .

كرس الاتحاد النسوي المصري نفسه لخدمة قضايا التعليم، والإتزان الاجتماعي، وإحداث تغييرات في القانون تهدف إلي توفير مساواة بين الرجال والنساء

((واعتبر الاتحاد أن المشاكل الاجتماعية في مصر، كالفقر، والدعارة، والأمية، والحالة الصحية المتردية، ليست ناتجة عن خلل اجتماعي اقتصادي بعينه، ولكن بسبب إهمال الدولة لمسؤولياتها تجاه شعبها.))

بدا ذلك واضحًا في مجلة LEgyptienne (المصرية) ، والتي أصدرها الاتحاد. فقد كانت تُكتب وتُنشر باللغة الفرنسية، وكانت الجريدة متاحة للمصريين المتحدثين بهذه اللغة ، والذين كانوا في الأغلب من الطبقات العليا.

رغم ذلك، فقد كانت القضايا التي تُناقش في المجلة تشير إلي الإصلاحات التركية تجاه المرأة، والتي أثرت على النساء المصريات المسلمات حيث كتبت محررة المجلة سيزا نبراوي عام 1927 ((أننا النسويات المصريات، نحترم ديننا بشكل عميق. وهدفنا أن نراه يُمارس بروحه الحقيقية)).

وهكذا رغم أن الدستور 1923 قد غير بعضًا من أوضاع المرأة، مثل رفع سن الزواج لـ 16 عامًا، إلا أن مسألة حقوق المرأة السياسية تم تجاهلها ، وكذلك الحق في الطلاق وإلغاء تعدد الزوجات.

((في عام 1935، حاضرت هدي الشعراوي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حول وضع النساء، ونادت بإلغاء تعدد الزوجات وقوبل خطابها بمعارضة شيخين من الأزهر. ولكن رغم ذلك الاعتراض، قابل الجمهور ذلك الخطاب بالترحاب، وأخذ صفها ، مما مَثَل موقفًا رمزيًا للتغير الحاصل في الرأي المتعلم.))

و مع ذلك فلقد إنحصر التغيير في المدن .. بل في الطبقة العليا و شريح أو شريحتين من الطبقة المتوسطة .. و ظل الريف علي حالة هو و المناطق الشعبية .. لم يغير عاداته و لا إسلوب حياته و لا ملابسة .. بل كان يعجب من التطورات التي يشهدها في الأحياء الراقية و المتوسطة . .. و هو أمر طبيعي في مجتمع العشرينيات و الثلاثينيات الذى إعتبر السياسة حكر علي النخبة المتعلمة .

في نفس الوقت شن حسن البنّا هجوماً على حركة تحرير المرأة، ودعا المرأة إلى القيام بأدوارها التقليديةّ

لكن سرعان ما أدرك أن تحديد دور ((الأخوات المسلمات)) بالدعوة لن يحقق الغرض المطلوب منه في محاربة نموذج المرأة التحررية المتعلمة التي تتبنى في نظرهم المُثُل الغربية في تيار هدى شعراوي والذي بدأت نساؤه بالعمل والمشاركة السياسية وخوض تجارب اجتماعية.

لذلك تم توسيع مهام "الأخوات المسلمات" وتعليمهن وسُمِح لهن بالعمل والمشاركة بهدف طرح نموذج مشابه للمرأة التحررية في أدائه، لكن بشكل إسلامي يراعي حجاب المرأة ومتطلبات دينها

لم تكن كل الانتقادات لفكرة تحرير المرأة مماثلة لطرح حسن البنا ..فعلى سبيل المثال كتب أحدهم مطمئنا القراء (( بالرغم من الأحداث العاصفة بأوروبا التي سعت فيها النساء للمطالبة بالحقوق الفردية و منافسة الرجال في السياسة..إلا أنه لحسن الحظ هذه ليست قضيتنا... فنساؤنا، بارك الله فيهن، لا يطالبن بمثل تلك المطالب، والتي ستؤدي للإخلال بالسلم العام...هن يطالبن فقط بالتعليم والإرشاد))...

وكان منحهن حق التعلم، كافيا لإرضاء الطبقات العليا والوسطى في ذلك الزمن .. (( نكمل حديثنا غدا )) .