محمد حسين يونس
بعد أن إستعرضت ما قدمة لنا (سلامة موسي) في كتابه فن الحب و الحياة عن مسيو (دوبريه).. لرؤيته عن من سيكون مثقفا .. و مقارنته بما حصلناه بالمدرسة و الجامعه .. ندرك أن نظم التعليم في بلدنا المبنية علي الحفظ و الإسترجاع .. تمثل عاهه و عقبة أمام أن يصبح أى منا مثقفا .. و أن الخروج من الكهف يتطلب بذل جهد و عمل .. قد يستغرق سنين ..من التثقيف الذاتي .. و لكنها ستكون سنين ممتعة .. لو تحول الأمر من مهمة وواجب .. إلي هواية و حب إستطلاع.. من ..(تاسك) علينا تحقيقة .. إلي ..حياة نعيشها في نور المعرفة .
 
من أين نبدأ ؟
لغة الأم هي تلك التي تتحدث بها لطفلها فيلتقطها منها .. لتصبح لغته الأصلية التي يتواصل بها مع الأخرين و يتعلم بها و يكتب و يفكر بواسطتها
في بلدنا لغة الأم شكلتها العوامل الجغرافية و التاريخية .. فرغم أن أساسها لغة عربية اللهجة اليمنية القادمة مع القبائل التي إحتلت مصر بعد الغزو العربي .. إلا أنها مطعمة بالمصرية القديمة ( القبطية ) و بلغات شعوب عدة مثل الفارسية و التركية و اليونانية و الرومانية (الإيطالية ) و الفرنسية و الإنجليزية .
 
تستطيع أن تجد علي شبكة التواصل العديد من الأمثلة لذلك.
 
اللغة المصرية ليست واحدة .. إن ما نسمعة في السينما و المسلسلات و ما نقرأة في الجرائد هو لهجة أهل القاهرة و هناك لهجات أخرى حسب المناطق الجغرافية بدأ بأهل أسوان و الأقصر .. مرورا علي الأسايطة و المنياوية .. و إنتهاء باللهجة الأسكندراني أو البورسعيدى
 
اللغة المصرية (التي هي بالتأكيد ليست عربية خالصة ) لغة شفاهية .. لها قواعدها .. التي تختلف عن العربي الذى نتعلمة في المدرسة ...نحن نقول الراجل اللي .. و مراتة اللي .. و أولادهم اللي .. و بنتينهم اللي ..و نعمل (باى باص ) علي كل قواعد النحو العربي . الراجل بتاع الخضار .. و الست بتاعة الفلافل .. و الولدين بتوع فريق الكرة .. و البنات بتوع الكورال ..
 
و ننفي بكلمة واحد (مش عايز)..( مش رايح)..( مش واخد بالك ).. (مش حتتعشوا) ..
 
كتاب كثيرون جالوا و صالوا في إختلاف اللغة المصرية عن اللغة العربية بحيث يمكن إعتبارها (أى العربية ) لغة أجنبية .. عكس لغة الأم .. كتاب (بيومي قنديل ) بهذا الخصوص (( حاضر الثقافة في مصر )) يستحق القراءة .
 
اللغة المصرية لغة تعامل يومي .. و لكنها تبعد كثيرا عن الفلسفة و العلوم و المنطق .. لقد توارثها الأبناء عن الأجداد .. أضافوا لها .. و جنبوا بعض الألفاظ طبقا لمتطلبات العصر .. و لكن عندما يتحدثون عن منتجات العالم الخارجي يستخدمون نفس المصطلحات .. النت .. ست أب ( صطبه ) التليفون .. الجيم .. اللاب توب .. الكومبيوتر .
 
لذلك فإن أول مهام بدء الطريق نحو عالم الثقافة سيكون تقوية و تمكين لغة الأم من الفلسفة و الرياضيات و المصطلحات العلمية .... ثم تحويل اللغة المنطوقة لاخرى مكتوبة ذات قواعد و إسلوب كتابة بحيث يتطابق المنطوق مع المكتوب .. و بالطبع لا أقصد تلك الموضة التي سارت بين المراهقين .. بكتابة ما يريدون بحروف لاتينية .
 
تحويل اللغة المصرية (الدارجة ) إلي لغة علوم و فنون .. و فلسفة سيحميها من تلك التشوهات التي نسمعها متداولة بين الشباب و تعبر عن كبتهم الجنسي .. أو قلب المعني فلن نسمع الأنسة جاسمين و أمها يعبران عن إعجابهما بتعبير ( الأكل فظيع ) بمعني فائق الإتقان ..(الملابس فظيعة عجبتني قوى ) بمعني أنها شديدة الجمال .
 
اللغة العربية التي من الواضح أنها ليست لغة الأم .. يتعثر الطلاب في إستيعابها .. فهو علية أن يترجم ( مش عايز ) إلي ( لا أريد ) .. و تحويل (البنتين اللي في الشارع) إلي ( الفتاتين اللتين تقفان علي ناصية الطريق ) مع إضطراب شديد في إستخدام النحو .. يا ترى هي .. (قادمون) و لا (قادمين )
 
ضعف اللغة المصرية أدى إلي ضعف التعبير بها و حشر العديد من الألفاظ الأجنبية للتوضيح ..و إلي تشويش .. و عدم إتزان وفقد القدرة علي التواصل مع العلوم بلغة الأم . بحيث أن محاولة تعريب العلوم أثبت فشلة .. فحتي العربية التي لا تمتلك مرونه و حيوية التعبير عن كثير من المعاني و المصطلحات ..أعتبرت أجنبية .. بمعني تحويل المعني من أجنبي لأجنبي أخر .
 
نحن لا نبدع لأننا نفكر بلغة الأم و نكتب بلغة عربية غريبة عنا .. و كلاهما قاصرة عن إستيعاب المفردات العلمية المعاصرة .
 
يقودنا هذا إلي أن علي المثقف لكي يطلع علي مفردات العصر و علومه أن يتعلم و يتقن لغة حية ( إنجليزى / فرنسي / الماني )..
 
خطوتنا الأولي .. للسير علي درب الثقافة .. تحسين أدوات تفكيرنا أى اللغة و توسيع مداها .. مع إتقان لغتين أجنبيتين علي الاقل العربية و إحدى اللغات الحية . ( نكمل حديثنا باكر )