صوت مجلس النواب الأمريكي الذي يقوده الديمقراطيون، لصالح عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، على خلفية اتهامات بـ«استغلال سلطته»، بممارسته ضغوط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -خلال مكالمة هاتفية تم تسريبها- من أجل التحقيق مع جو بايدن، منافسه السياسي في الانتخابات الرئاسية 2020، فضلا عن اتهام لترامب بـ«عرقلة عمل الكونجرس» في التحقيق في هذا الأمر

 
قضية عزل ترامب ومحاكمته أعادت للأذهان أكبر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية «فضيحة ووترجيت»، التى اتهم فيها الرئيس الأمريكى الجمهوري ريتشارد نيكسون بـ«إساءة استخدام سلطاته الرئاسية» بعد اثبات تورطه في قضية تأمر وسطو وتجسس على مقرات الحزب الديمقراطي في مبنى «ووترجيت» بواشنطن، فضلا عن اتهامات بـ «عدم الامتثال للاستدعاءات القضائية» و«إعاقة العدالة» وجهت له فيما بعد.
 
الاتهامات أدت إلى البدء في إجراءات محاكمة نيكسون، قبل أن يسرع بتقديم استقالته، قبيل التصويت على قرار عزله الذي كان مؤكدا حينها.
 
«الشروق» تلقي الضوء في التقرير التالي على قضيتي عزل ترامب واستقالة نيكسون، بالتركيز على أوجه الشبه والاختلاف بينهما، ومعرفة كيف كان موقف الديمقراطيون والجمهوريون من قضية عزل الرئيسين، وكيف تعامل الرئيسين مع أزمة عزلهما، بالإضافة إلى مدى تأثر شعبية الرئيسين وطريقة تعاملهما مع وسائل الإعلام.
 
-موقف الديمقراطيين والجمهورين
بالرغم من تشابه موقف أعضاء مجلس النواب الأمريكي الديمقراطيين في محاكمة ترامب ونيكسون، الذين صوتوا بالإجماع لصالح العزل، إلا أن موقف الجمهوريين شهد اختلافا كبيرا، ففي محاكمة نيكسون تخلى الجمهوريين عن دعمه، بل وبذل بعضهم جهودا للعمل مع الديموقراطيين، معترفين بأن تحقيق العدل أهم من الولاء للرئيس الذي ينتمي لحزبهم.
 
ففي عام 1974، صادق الجمهوريون -في لجنة التحقيق مع نيكسون- على طلبات الديموقراطيين بعقد جلسات استماع وبتسليم البيت الأبيض وثائق مهمة، بينها أدلة قاطعة مثل التسجيلات السرية، وفقا لما ذكره كيفين ماتسون، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة أوهايو، في حديثه لإذاعة «مونت كارلو الدولية» بفرنسا.
 
أما في قضية عزل ترامب فقد قدم الجمهوريون دعما مطلقا للرئيس الأمريكي، إذ صوتوا جميعا على عدم عزله، وهو ما أكده ترامب قائلا: "النواب الديمقراطيون لم يتمكنوا من الحصول على صوت جمهوري واحد في حيلة العزل، الجمهوريون لم يسبق لهم الاتحاد هكذا"، وفقا لشبكة «سي إن إن» الأمريكية.
 
-تعامل الرئيسين مع الأزمة
نظرا لاختلاف موقف الجمهوريين في قضيتي عزل نيكسون وترامب، فقد اختلف تعامل الرئيسين مع الأزمة فمع دعم الجمهوريين الذي كان شبه منعدم في قضية عزل نيكسون، لم ينتظر الرئيس الأمريكي الأسبق نتيجة تصويت الكونجرس على عزله، عندما أيقن أن الأغلبية الديمقراطية تستطيع تمرير قرار عزله، مع صعوبة دفاع الجمهوريين عنه في مجلس الشيوخ، ليستقيل في عام 1974 في ذروة فضيحة "ووترجيت".
أما الرئيس ترامب فقد رفع شعار الاستمرار وعدم الاستسلام -بل وهاجم التحقيق معه- متكئا على دعم الجمهوريين القوي له، فبالرغم من تصويت الكونجرس ذو الأغلبية الديمقراطية على قرار عزله، إلا أن تمرير القرار في مجلس الشيوخ -الذي يسيطر عليه الجمهوريين- سيجد صعوبة كبيرة، نظرا لأن قرار عزل وإدانة ترامب يحتاح إلى تصويت ثلثي أعضاء المجلس، الأمر الذي لن يكون سهلا، في ظل دعم الجمهوريين الكامل الذي يتمتع به ترامب.
 
-تصويت الكونجرس ومجلس الشيوخ
في الوقت الذي تشابه فيه موقف الكونجرس الأمريكي في التعامل مع قضيتي عزل ترامب ونيكسون -فمع نيكسون كان من المؤكد تمرير قرار عزله، لولا سبقه بتقديم استقالته، ومع ترامب قد مرروا قرار العزل بالفعل- إلا أن موقف مجلس الشيوخ قد يختلف كثيرا ففي قضية عزل نيكسون كان من المرجح عدم تصويت الجمهوريين لصالح عدم عزله، ولكن مع ترامب فمن المتوقع ألا يصوت مجلس الشيوخ لصالح عزل ترامب بالمرة.
 
-شعبية الرئيسين
مع انتشار فضيحة "وترجيت" ضعفت وانهارت شعبية الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون، الذي وصفه البعض باستغلال سلطته أسوأ استغلال، بعد استخدامه موظفين من وكالة الاستخبارات الأمريكية للتجسس على مقرات الحزب المنافس وتسجيلهم 64 مكالمة بين قيادات الحزب، وفقا لما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأمريكية.
أما شعبية ترامب فلم تتأثر كثيرا، فبالرغم من تصويت الكونجرس لصالح قرار العزل، أظهر استطلاع للرأي أجرته ‬وكالة «رويترز» البريطانية، مساء الخميس الماضي، أن أقل من نصف الأمريكيين يقولون إنه ينبغي عزل الرئيس دونالد ترامب من منصبه، بعدما وجه مجلس النواب اتهامات له، الأمر الذي مثل تحديا للديمقراطيين، الذين سيسعون للإطاحة به في محاكمة بمجلس الشيوخ، وفقا لما ذكرته شبكة «سكاي نيوز» البريطانية.
 
-التعامل مع وسائل الإعلام
بالرغم من شغل «فضيحة ووترجيت» الرأي العام الدولي، وتصدرها أخبار الصحف المحلية والعالمية، وكانت مادة ثرية لصناعة السينما، لفترة طويلة جدا، إلا أن الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون فضل عدم التعقيب أو التعليق على الحادثة التي بدأت تداعياتها في عام 1972، حتى بعد تقديم استقالته بثلاث أعوام، حينما خرج في مقابلته التلفزيونية في عام 1977، مع الصحفي البريطاني ديفيد فورست، التي انتهت بإعتذاره للشعب الأمريكي.
أما الرئيس دونالد ترامب فمنذ اندلاع أزمة عزله في سبتمبر الماضي، لم يتوقف عن الظهور والتعليق والتعقيب على الأحداث سواء في المناسبات والحملات الانتخابية أو عبر حسابه الخاص في موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، بل والهجوم على الديمقراطيين ومن يؤيدون عزله، واصفهم بأنهم يتحركون لأغراض سياسية، وفقا لما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأمريكية.