مبنى مهجور مكون من طابق أرضى ودورين علويين، تحيط به بعض الجدران المتهالكة يعلوها سقف خشبى، يعرفه أهالى الإسكندرية باسم «محكمة النسوان»، أو المحكمة الشرعية، أصبح هذا المبنى، الذى يرجع تاريخ إنشائه إلى أكثر من 5 قرون، مثاراً للجدل بين أبناء المدينة الساحلية فى الفترة الأخيرة، بعد تساقط أجزاء من الطابق العلوى للمبنى الكائن بشارع الشهيد مصطفى حافظ، بدائرة قسم الجمرك، مما تسبب فى حالة من القلق بين عدد كبير من الأهالى.

 
مثار القلق لم يكن بسبب ما يمكن أن يشكله المبنى من تهديد لأرواح المارة فى حالة إذا ما تعرض للانهيار، وإنما بسبب الخطر الذى يهدد المبنى الذى تم إدراجه ضمن قوائم «مجلد التراث»، إلى أن كشف بعض الأهالى عن «مفاجأة»، تمثلت فى أن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع، انتهت إلى إلزام مجلس الوزراء بعدم استمرار إدراج مبنى محكمة الإسكندرية الشرعية، ضمن مجلد حصر العقارات والمبانى المحظور هدمها بمحافظة الإسكندرية.
 
ترجع بداية القصة إلى نزاع نشب بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقارى، ومجلس الوزراء، بخصوص إلزام الأخير بإلغاء القرار رقم 278 لسنة 2008، فيما تضمنه من إدراج العقار رقم 195 شارع الشهيد مصطفى حافظ، محكمة الإسكندرية الشرعية، ضمن مجلد العقارات والمبانى المحظور هدمها، إلا أن جمعية الفتوى والتشريع انتهت إلى أن وزارة العدل، ممثلة فى الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم والشهر العقارى، تمتلك العقار محل النزاع، وفى غضون عام 1999 أدرج العقار ضمن كشوف حصر القصور والفيلات المحظور هدمها، وبتاريخ 27 أكتوبر 2004 صدر قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط رقم 116 لسنة 2004 بهدم العقار حتى سطح الأرض، لسوء حالته وعدم جدوى ترميمه، وبالفعل وافق رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 1 يوليو 2005 على رفع العقار من كشوف حصر القصور والفيلات المحظور هدمها، بناءً على تقرير المجموعة الوزارية للخدمات.
 
إلا أن الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم والشهر العقارى فوجئت بصدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 278 لسنة 2008، بإدراج مبنى «محكمة النسوان» ضمن مجلد العقارات والمبانى المحظور هدمها بالإسكندرية، استناداً إلى أحكام القانون رقم 144 لسنة 2009، لكن جرى التظلم من هذا القرار إلى لجنة التظلمات المشكلة طبقاً لأحكام القانون المذكور، إلا أنه تم رفض التظلم وتأييد القرار، الأمر الذى دفع الهيئة إلى إقامة دعوی أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، حملت رقم 2190 لسنة 64 قضائية، بطلب وقف تنفيذ القرار محل النزاع، وقضت المحكمة بجلسة 24 يناير 2013 بعدم اختصاصها بنظر الدعوی.
 
وانتهى طرفا النزاع إلى تأليف لجنة من أساتذة متخصصين بكلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، تضم ممثلين من كلا الطرفين، تكون مهمتها بعد الاطلاع على جميع أوراق النزاع، معاينة العقار، وانتهت اللجنة إلى التوصية بعدم استمرار إدراج مبنى المحكمة محل النزاع ضمن قائمة المبانى ذات التراث المعمارى، كما أن المبنى بوضعه وحالته الراهنة ليس له قيمة تراثية معمارية مميزة، وغير مستحق لاستمرار الإدراج، حسبما وصفت.
 
الأهالي: المبني تحول إلى "وكر" للخارجين على القانون
«الوطن» رصدت تداعيات الشروع فى بدء هدم المبنى على الأهالى، الذين أوضح عدد كبير منهم أن المبنى انهارت أجزاء منه بالفعل وبحسب الأهالى، أن المبنى أصبح يمثل «وكراً» يؤوى بعض الخارجين على القانون، فيما أكد مصدر مسئول بحى «الجمرك»، لـ«الوطن»، أنه جرى وضع حواجز حديدية حول المبنى، لما يعانيه من إهمال.
 
أستاذ تراث يطلب منع هدمه وتحويله إلى "مركز ثقافي"
أما الدكتور إسلام عاصم، أستاذ التراث فى المعهد العالى للسياحة، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، فقد حكى أن مبنى «محكمة النسوان» غير تابع لوزارة الآثار، ولا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، وطالب «عاصم»، بإعادة النظر فى قرار هدم مبنى المحكمة، واختتم تصريحاته لـ«الوطن»، بقوله إن «كل نظريات الترميم تنص على الحفاظ على أى مكان باستخدامه، وليس بغلقه، وعلى الدولة أن تعيد استخدامه، أو تحويله إلى مركز ثقافى».