كتب – روماني صبري 
أن أجمل ما يميزنا كمصريين، حبنا للفن وتمسكنا به، رغم دعوات الكثير من المشايخ بمقاطعته أرضاء لله، كما يزعمون فيعقدون العديد من الندوات ويتحدثون إمام المؤمنين بهم قائلين : احذروا الفن وأهله"..  وقصدت بقولي المصريين هؤلاء الذين يتكبدون العناء حتى نعود لمصريتنا ودولتنا القديمة التي أمنت بالفن والجمال و"إذا انفك الفنان عن الفن .. لن يبارح الفن تاريخه"، ومؤخرا ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشور في حب الفنانة الجميلة الراحلة مديحة كامل يقول :" الفنانة الراحلة مديحة كامل كانت ترتدي سلسلة لا تغييرها من لحظة دخولها التمثيل حتى وفاتها .. السلسلة دى ليها قصة وهي أنها قبل ما تدخل التمثيل كانت بتحب شاب جارهم ..قصة حب دامت لسنين من وهما أطفال ..قبل دخوله الجيش بأيام قابلها وقالها إنه بقى بيعد الأيام والليالي اللي هيبقوا فيها مع بعض.. وطلع السلسلة دي من جيبه ولبسهالها، وقالها أوعي تقلعيها حتى لو مت .. خليكي لابساها على الأقل تفتكريني .. ولو استشهدت أتجوزي .. بس لو ينفع متقلعيش السلسلة دي نهائي، عاوز ابقي معاكي حتى بعد ما أموت، قالتله بعد الشر عليك ومتقولش كده وهترجعلي يا حبيبي بالسلامة .. وهتبقى أنت والسلسلة معايا .. باس أيديها وودعها ودخل الجيش، عدت شهور وجالها خبر استشهاده في حرب الاستنزاف .. عاشت أسوأ أيام حياتها من بعده، لدرجة إن جالها جلطة في القلب بعد الموضوع ده بفترة واللي كان سبب وفاتها فيما بعد بضعف عضلة القلب .. ويقال إن ده كان بسبب الحزن عليه اللي عمره ما فارقها ..هو غاب لكنها فضلت لابسة السلسة سنين وسنين .. بتظهر بيها في كل أعمالها .. وهي بتاكل وبتشرب .. وهي نايمة وهي صاحية .. حتى لما أتجوزت رفضت تقلعها وكانت بتصارح جوزها قبل الزواج أنها مش هتقلعها .. وان ده عهد مستحيل تخل بيه ." 
الحقيقة 
وكشف شخص كان مقرب من مديحة، في تصريحات نقلتها جريدة الوفد، ردا على ما أثير :" السلسلة صنعت في إيران وكان معاها خاتم على نفس الشكل .. وكانت اشترتهم مديحة وحبتهم جدا بسبب رقتهم وجمالهم الدافئ، فقررت متخلعش السلسلة أبدا حتى وهي بتمثل وفضلت تتبارك بيها طوال حياتها" 
الفنانة تجسد كل الأدوار 
انتقدت مديحة الكيفية الروتينية التي كانت تحكم اختيار النجمة السينمائية - ربما خفت وطأتها حالي-، لاهتمام صناع  الأفلام في الماضي وتسابقهم على اختيار الفتاة الأجمل حتى تناسب بطل السينما شديد الجمال .. وكشفت مديحة عن استيائها هذا بعدما غدت في صدارة نجمات السينما بمصر .. كانت ترى أنها فنانة عليها أن تجسد كل الأدوار ولا يجب حصرها في دور البطلة الجميلة العاشقة، لتنفك عن هذه النوعية من الأفلام وتقدم عددا من الأفلام الهامة ومنها "عيون لا تنام" مع الفنانين الراحلين احمد زكي وفريد شوقي، إخراج رأفت الميهي، والذي يعد واحدا من أهم الأفلام الواقعية في مصر في حقبة الثمانينات .. والفيلم كما قلت في مقال سابق مأخوذ عن المسرحية الأمريكية رغبة تحت شجرة الدردار لأوجين أونيل، كتب الميهي له السيناريو والحوار وكان تجربته الأولى في عالم الإخراج، فشاركته مديحة بدور محاسن في فضح هشاشة المجتمع وصعوبة الحياة وسط الصدأ المجتمعي والفقر والإحباط والأنانية والازدحام، حيث من السهل التنبؤ باستحالة رؤية حبيبين يتسكعان داخل شوارعه بعد عشر سنوات وتوقع نهايات مشؤومة لأطفاله مثل ابن إسماعيل ومحاسن، الطفل الذي ولد فوجد أباه مقتولا وأمه فارقت الحياة وعمه أصابه الجنون.
 
وبسبب رقتها وبراءة وجهها وصوتها برعت مديحة في تجسيد شخصية محاسن، فتاة مريضة بالفقر، يعرقل جمالها وفقرها الأسطى إبراهيم العجوز صاحب ورشة السيارات فيتزوجها لأن فقرها جعلها صيدا ثمينا له.. تقع محاسن في صراع مع أخوته الذين يرفضون تلك الزيجة ظنا منهم بأن محاسن سوف تشاركهم بعد زمن في الأرض والورشة، يقرر إبراهيم شراء نصيب أخوته بثمن بخس حتى يذهبون بعيدا عنه، يرفض إسماعيل الأخ الأصغر غير الشقيق لإبراهيم ويقرر البقاء حتى يحصل على حقه كاملا.. يكن كل من إسماعيل ومحاسن الكراهية بعضهما لبعض، فينصب إسماعيل لمحاسن فخا فيعتدي عليها إبراهيم بالضرب .. بعد تلك الواقعة تجتاح إسماعيل مشاعر طيبة تجاه محاسن، يدرك أنها مثله تشاركه ذلك الظمأ الداخلي الذي تسبب فيه اللامعقول والخيبة والضعف الذي يحيط بهما معا أمام السطوة البشرية المتمثلة في إبراهيم، وأن حربه مع إبراهيم وليست معها، فيقرر الاعتراف لإبراهيم بفعلته، فيطرده الأخير من الورشة والمنزل.. أصبح إسماعيل لا يكف عن النظر إلى محاسن.. يوقع الحب إسماعيل ومحاسن في شباكه، فيدركان لأول مرة ذلك الشيء العظيم الذي ساعدهما على نسيان الماضي، والبعيد عن فكرة جسد يشتهي جسدا وهذا ما سوف تؤكده نهاية الفيلم.
تحمل محاسن من إسماعيل، فيطلب منها أن تخبر إبراهيم بأنها حبلت منه لأنه يعلم كم يحتاج أخوه إلى ذكر يرثه وبذلك يضمن أن يعود له حقه.. تستسلم محاسن في النهاية بعد أن توبخ إسماعيل... وفي يوم الولادة يخبر الطبيب إبراهيم بأنه يجب عليه أن يختار بين الأم أو الجنين فيختار إبراهيم الجنين فيدرك إسماعيل أن محاسن بالنسبة لإبراهيم مثلها مثل الوعاء، فينتصر عليه حبه لمحاسن ويبعده عن خطته فيحاول إقناع إبراهيم بالرجوع عن قراره، لكن الأخير يرفض، إنه في حاجة إلى وريث وسوف يضحي بالمئات من محاسن من أجل ذلك الهدف الذي باركه وقدسه المجتمع للذكر، يتملك الغضب إسماعيل فيقتل إبراهيم ويصاب بالجنون.. تموت محاسن في النهاية مثلها مثل كل إنسان ضعيف لا يستطيع حماية نفسه من الواصيين عليه.
ابنة الإسكندرية 
ولدت مديحة في 3 أغسطس عام 1948 في الإسكندرية، وغيبها الموت عن العالم في 13 يناير عام 1997، اثر تعرضها لهبوط في الدورة الدموية حيث عرفها مرض القلب مبكرا، وكان احتفل محرك البحث "جوجل" بذكرى ميلادها العام السابق، ونشر صورة مرسومة لها بمناسبة عيد ميلادها الثالثة والسبعين .. تخرجت مديحة من كلية الآداب جامعة عين الشمس وعملت في مجال الأزياء قبل أن تخطو أولى تجاربها السينمائية في فيلم "فتاة شاذة"، وكانت ترى الراحلة أن فيلم"30 يوم في السجن" كان انطلاقتها الحقيقية في عالم السينما، علاوة على دورها في فيلم "الصعود إلى الهاوية"، والذي دفع باسمها إلى واجهة المشهد الفني في مصر، فلقبت بقطة السينما وأميرتها وملاكها.
 
الاعتزال وارتداء الحجاب 
خلال تصوير فيلمها الأخير "بوابة إبليس"، قررت مديحة ترك المجال الفني وارتداء الحجاب وعدم الظهور في اللقاءات التليفزيونية لكشف أسباب اعتزالها، وقتها ألح عليها منتج الفيلم بالعودة لاستكمال باقي مشاهدها، لكن في النهاية باءت كل محاولاته بالفشل، فرفع عليها دعوى قضائية، حتى استسلم واستعان بدوبليرة.. وتقول ابنتها الوحيدة "ميرهام الريس" أن والدتها تغيرت كثيرا بعد أصابه جدتها بنزيف في المخ، فزهدت بعدها الفن والشهرة وتفرغت لعبادة الله حتى أنها طالبتها بارتداء الحجاب هي الأخرى، ما عكس أن مرض والدة مديحة جعلها ترى أن الموت قريب جدا كذلك المرض الذي افسد جمال والدتها ... وختاما علينا احترام كل قرارات الإنسان حتى إذا اختلفنا معها .. رحم الله الجميلة مديحة كامل .