برودة قاسية لم تعد تجدى معها طبقات الملابس المتعددة، ولا البطاطين الثقيلة، ولا حتى المشروبات الساخنة، وكان البديل دفاية كهربائية، يُقبل المواطنون على شرائها من محلات الأجهزة الكهربائية، علّها تساعدهم فى القضاء على إحساسهم الذى لا ينقطع بالبرودة، غير أن الدفايات التى يراها البعض حلاً سهلاً للتدفئة، يهرب منها البعض الآخر، نظراً لما تسببه من كوارث وحرائق فى المنازل، كان آخرها الحريق الذى نشب فى منزل المطرب إيهاب توفيق، وراح ضحيته والده، جرّاء استخدام الدفاية فى المنزل.. وكانت نتيجة ذلك الحادث، وغيره من الحوادث الأخرى، أن حالة من الركود بدأت تضرب «سوق الدفايات» فى «شارع عبدالعزيز»، بعد إحجام كثير من المواطنين عن شرائها، فى حين دافع عدد من مستخدميها عنها، موضحين أن الاستخدام الجيد والصيانة الدورية لها تحميهم من وقوع أى حادث.

وفيات واختناقات وحرائق يومية.. أدت لكساد مبيعاتها
فى المقابل، حذر عدد من خبراء السلامة المهنية من شراء دفايات «مجهولة المصدر»، أو استخدامها فى غرف مغلقة، مع وجود كبار السن أو الأطفال، الذين قد لا يحتملون الهواء الساخن المنبعث منها، حتى فى أشد الأوقات برودة.

من "الفقي" إلى والد "توفيق".. تاريخ مدمر لـ"الدفاية" بسبب سوء الاستخدام
تكثر فى فصل الشتاء، خاصة مع اشتداد موجات الصقيع، حوادث الحرائق والاختناقات بسبب سوء استخدام الدفايات، وأسفرت تلك الحوادث عن خسائر فى الأرواح، إضافة للخسائر المادية بسبب الحرائق، وكان من أبرز ضحايا هذا النوع من الحوادث الدكتور إبراهيم الفقى، خبير التنمية البشرية، وأحمد توفيق، والد الفنان إيهاب توفيق، إضافة إلى تفحم شقة الفنانة نادية سلامة.

تاريخ حرائق الدفايات طويل وممتد، لكن أشهرها وقعت على فترات متفاوتة، ففى 10 فبراير عام 2012 تلقى اللواء ممدوح عبدالقادر، مدير إدارة الحماية المدنية بالقاهرة، إخطاراً من غرفة العمليات يفيد بنشوب حريق فى فيلا بمدينة نصر، وجرى الدفع بـ4 سيارات إطفاء وتبين نشوب حريق بفيلا فى شارع عبدالله بن طاهر المتفرع من شارع أبوداود الظاهرى، وهى فيلا مكونة من 3 طوابق، يتضمن الطابق الأول مكاتب إدارية، أما الطابق الثانى فهو عبارة عن قاعتين يلقى فيهما الدكتور إبراهيم محاضراته فى مجال التنمية البشرية، أما الطابق الثالث فهو المسكن الذى يعيش فيه الدكتور إبراهيم، وتمكنت القوات من السيطرة على النيران وإخمادها، وبتفقد الفيلا تبين العثور على جثامين كل من الدكتور إبراهيم الفقى وشقيقته وأحد أقاربه والمربية، وانتقل فريق من الأدلة الجنائية وتبين أن الوفاة حدثت نتيجة الاختناقات بسبب عطل فى الدفاية، وهو ما أدى إلى نشوب حريق فى الفيلا نتج عنه دخان كثيف أسفر عن مصرعهم جميعاً.


وفى 5 يناير الجارى تلقت إدارة الحماية المدنية بالجيزة إخطاراً من شرطة النجدة بنشوب حريق فى مدينة 6 أكتوبر، وبالانتقال والفحص تبين أنها شقة الفنانة نادية سلامة، وتمكنت 3 سيارات إطفاء من السيطرة على النيران وإخمادها، وأسفر الحريق عن تفحم محتويات الشقة بأكملها، وبانتقال رجال المعمل الجنائى تبين أن سبب الحريق هو عطل فى الدفاية.

وفى 9 يناير الجارى استيقظ سكان مدينة نصر على نشوب حريق فى فيلا الفنان إيهاب توفيق، وتم الدفع بـ6 سيارات إطفاء وتبين نشوب الحريق فى فيلا مكونة من طابقين بدائرة قسم شرطة مدينة نصر أول، وتمكنت القوات من السيطرة على الحريق، وأسفر الحريق عن مصرع الحاج أحمد توفيق والد الفنان إيهاب توفيق، بالإضافة إلى تفحم الفيلا، وبانتقال رجال المعمل الجنائى تبين أن سبب الحريق عطل فى الدفاية أدى إلى الاختناق واحتراق نباتات زينة بلاستيك نتج عنها كمية دخان كبيرة.

مدير "الحماية المدنية" السابق: التى تعمل بالزيت أكثر أماناً إذا ابتعدت عن أماكن الاشتعال
وقال اللواء ممدوح عبدالقادر، مدير إدارة الحماية المدنية بالقاهرة الأسبق، إن الدفايات التى تعمل بالزيت أكثر أماناً، كونها تسحب البرودة من الجو، أما دفاية الشمعة فهى تطلق حرارة للجو وتتسبب فى الحرائق والاختناقات بسبب سوء استخدامها، إضافة إلى ضرورة عمل صيانة دورية للدفايات، وبصفة خاصة عند بدء الاستخدام فى فصل الشتاء، حيث إنها تظل أكثر من 8 أشهر بدون تشغيل، وهو ما يؤدى إلى ضعف الأسلاك وتآكلها، وعند تشغيلها دون صيانة ينتج عنها الحرائق بسبب ضعف الأسلاك الموصلة إلى مفتاح الكهرباء، لافتاً إلى ضرورة إبعاد الدفايات عن الستائر وجعلها فى مكان آمن وبعيدة عن الأماكن القابلة للاشتعال مثل الستائر والملايات، مشدداً على ضرورة التأكد من أن مفتاح الكهرباء ملائم لأحمال الدفاية وليس به عيوب حتى يتحمل تشغيل الدفاية دون حدوث كوارث، ناصحاً بضرورة غلق الدفاية أثناء النوم، حيث إنها تسحب الأكسجين من الغرفة ولذلك تكثر حالات الاختناقات، بالإضافة إلى الحرائق التى تنتج عنها بسبب شدة الحرارة التى تخرج منها وتؤدى إلى الحريق.

وذكر الدكتور مجدى صليب، خبير فى السلامة والصحة المهنية، مجموعة من النصائح لضمان «الاستخدام الآمن» للمدفأة الكهربائية، وتجنب حدوث أى مشاكل قد تنجم عنها، موضحاً أن هناك عدة اشتراطات أمنية ومواصفات قياسية يجب توافرها فى جميع الأجهزة الكهربائية التى تُستخدم داخل المنازل، ومنها الدفايات الكهربائية.


وأضاف أن هناك أمرين مهمين يُشترط التأكد من صحتهما، أولهما الناحية الفنية الصناعية، حيث يتوجب على المواطن التأكد من مصدر صناعة الجهاز قبل شرائه، حتى يضمن أنه مطابق للمواصفات القياسية، ويبعد عن الوقوع فى فخ منتجات «بير السلم»، أما الأمر الثانى فيتعلق بفحص سلامة مصدر الكهرباء، الذى سيتم توصيل الجهاز الكهربائى به داخل المنزل.

"صليب": المنتجات المصنّعة فى "بير السلم" خطر.. والتكييف وسيلة صحية للتدفئة
وتابع الدكتور «صليب» أن «بعض المشترين حالياً مابقاش يهمهم جودة المنتج من ناحية تصنيعه، الأهم عندهم السعر كام، وده السبب الرئيسى فى زيادة أعداد مصانع بير السلم، لأنهم بيلعبوا على توفير السعر المناسب للجمهور»، وأضاف أن هناك عدة خطوات يجب اتباعها عند استخدام الدفايات، خاصة الكهربائية، وهى أن يتم تشغيلها لفترات محددة أقصاها نصف ساعة، كما يجب وضعها فى مكان غير مغلق، وعدم وضعها داخل غرف النوم.

وتابع بقوله: «الدفاية غير التكييف، ماينفعش تبقى شغالة أثناء النوم، لأنها بتحرق الأكسجين داخل الغرفة، وبتزود نسبة بخار الماء، وممكن تخنق النائم»، وشدد على أن هناك بعض الفئات العمرية يجب ألا تتعرض للدفاية لفترة طويلة، وهم كبار السن والأطفال حديثو الولادة، لأنها ستسبب لهم بعض المشاكل فى الجهاز التنفسى.

وعن أكثر وسائل التدفئة أماناً، قال خبير السلامة والصحة المهنية إن التكييف يُعد أقل خطورة من الدفاية، وذلك لأنه يفصل تلقائياً عند تدفئة الغرفة والوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة، عكس الدفاية، إضافة إلى أن التكييف لا يتسبب فى زيادة نسبة بخار الماء، مما يجعله آمناً لجميع الفئات العمرية، فضلاً عن أن استخدام التكييف أثناء النوم يُعد آمناً، سواء فى التبريد أو التدفئة.

وأضاف أن هناك أنواعاً من الدفايات شهيرة بتكرار الحوادث، وهى الدفايات التى تُعرض بأسعار منخفضة، وتحمل علامات تجارية ليست محل خبرة أو ثقة، لأنها مصنّعة فى «بير السلم»، وشدد على أنه يجب أن يعزف المواطنون عن شراء مثل هذه الدفايات، حرصاً منهم على سلامتهم وسلامة منازلهم.