مفيد فوزي
١- منصب وزير الإعلام فى حكومة مدبولى ليس سد خانة ولا هو ديكور، عفواً! وربما كان استجابة لأقلام نادت بأن المنظومة لا تعالجها لجان أو مجالس تضم ناس أفاضل ولكن - فى بلادنا - يتحتم وجود وزير إعلام بدليل تاريخ طويل عايشته من عبدالقادر حاتم إلى صفوت الشريف وأنس الفقى، كانت أمور الإعلام فى قبضة رجل واحد، هو صاحب القرار والرؤية وكل وزير إعلام كانت له بصمة، فجمال العطيفى أدخل الندوة السياسية فى التليفزيون ومحمد فايق أعطى مساحة لرأى الشعب وصفوت الشريف ألحقنا بنادى الفضاء العالمى، والحلم الذى كان يراوده وهو مدينة الإنتاج حققها باقتدار، وأنس الفقى أتى بالحكومة على شاشة التليفزيون الرسمى وأدار حواراً هو الأشبه ببرلمان على الهواء فى سابقة لم تحدث. ووزير إعلام الإخوان أسدل الستار على برنامح حديث المدينة الذى حرث أرض مصر بالعدسات أكثر من عشرين عاماً. ولست أستطيع الإمساك ببصمة أسامة هيكل نظراً للمدة القصيرة التى قضاها فى المنصب، لكن ما أذكره هو أنه كان يميز الموهوب من عارى الموهبة ويعرف بحسه الصحفى المهنى من «البلح» وهو تعبير شبابى يرمز إلى مدعى الثقافة وهو «ميح» ولم يفتنى الكلام عن وزير الإعلام كمال أبوالمجد الذى كان صوت السادات، وكان الرئيس السادات يطمئن لأبوالمجد فى تربية سلوكيات الناس، ومن المهم أن أذكر أن وزراء الإعلام الذين عرفتهم معداً ثم محاوراً كانوا يعملون تحت مظلة الرئاسة حسب الدستور، ورغم ذلك كان الوزير يتمتع باستقلال كامل، وصلاحيات كاملة ومنه للرئيس فقط، لا وسطاء إلا فى حدود الأمن القومى. وفيما عدا هذا هو صاحب رؤية ورأى، ووزير الإعلام الحصيف لا يجرى «التعديلات» دفعة واحدة وإلا تربص له حزب أعداء النجاح، إنما التطوير بهدوء وأمام «هيكل» ثلاث مسائل.

٢- الأولى طغيان الكرة لأنها وسيلة ممنهجة لتغييب الوعى، النقطة الثانية غياب التربية السياسية بحيث يثقف الناس ويتبدد الجهل القومى، والأمر الثالث هو ضحالة البرامج التى دفعت بالناس للبحث عن شاشات أخرى يستمدون منها المعلومات و«ثراء المحتوى» وأكررها ثراء المحتوى، ذلك أن الشاشة المصرية والخاصة خالية من الفكر الذى يصنع الوجدان.

٣- إن هدف التليفزيون والإذاعة يا معالى وزير الدولة - هو رفع منسوب الوعى الذى يراهن عليه الرئيس وليس الصبر. فهل تملك الاستقلالية للتغيير المرحلى الهادئ بحيث «تعيد العيون» للشاشات؟ هل تملك خريطة جديدة للإذاعات تتكحل بها البرامج بشىء من الفكر يضرب فى مقتل هذا «التجريف» الحاصل فى مستوى البث الإذاعى؟ ماذا أنت فاعل بهذا الكيان العظيم ماسبيرو، فهل ستجرى فيه عمليات جراحية؟ وبالمناسبة..

٤- هل فى نهجك - يا معالى وزير الدولة للإعلام - الإقصاء؟! أم أنك تملك إرادة للاستعانة بكل كفاءة وتراكم خبرات لا شبهة فيه أو عليه، إنها أدوات وآليات استقلالك يا أبومصطفى وسلمى..!

٥- هل من مهامك - معالى الوزير - إعادة ترتيب هيكل العمل الإعلامى ويكون لك الرأى المبنى على خبراتك فى الإعلام وهى عديدة و«صالحة للاستهلاك الرسمى»؟ باختصار هل عاد الإعلام لخبازه؟ أنت القادر - بحكم تاريخك - أن تعرف الموهوب والميح والنص لبة والمدعى والإخوانى المتخفى والسلفى الذى يلبس قناع الوطنية، تعاونك أجهزة نرفع لها القبعة وهى تعرف انتماءات المواليد فى بطون أمهاتهم!! هل ستعطى مذيعيك حرية النقد البناء والتبصير والتنوير، أليست هذه مهة وزارة الإعلام ووزيرها «غير مغلول اليدين»، وما خاب من استشار يا أسامة هيكل.

٦- اللجان القائمة الآن ورئيسها مكرم محمد الحبيب ومكتبه فى مقر صفوت بك كما اعتدنا أن نسميه ولجنة العزيز كرم جبر والمتواضع عبدالله حسن، هذه اللجان والألقاب هل ستتكامل مع أسامة هيكل أم تتنافر أم تدافع كل واحدة عن استقلالها أم ستذهب إلى الريح؟ هذه قضية محورية ترد على تصريح مكرم محمد أحمد أن «وزير الإعلام بلا وزارة»، هل هو بالفعل وزير بلا وزارة فى ضوء عمل اللجان الوطنية للإعلام؟ أنا لا أعتقد، فالقيادة السياسية عندما يتضمن التشكيل الوزارى.. وزيراً للإعلام فهى ترى أن مصر «تستحق إعلاماً أفضل» وظنى أن الإعلام هو جيش - بشكل رمزى - يقف على الحدود يحارب التسلل والترسيب والتسريب والإشاعة والتضليل والميليشيات الإلكترونية، من هنا طالبت بشباب مؤهل يملك خاصية الإقناع. زمان فى جيلى، كان اختيار قارئ نشرات الأخبار له مواصفات، فما بالك فالتوك شو المفترسين للناس.

٧- إن أمراً بالغ الخطورة أمام وزير الإعلام أسامة هيكل وهو «تردى السلوكيات» وهذا يحتاج إلى علاج برامجى له Staff من الأطباء النفسيين يصنعون المادة ويشاركون. وأمر مهم آخر هو الثقافة ولا بأس من الاستفادة من المجلس الأعلى للثقافة فهو المنوط إعلامياً بعلاج قضية الذوق وهذا يعنى تربية الوجدان، وما كنت أستطيع الكلام فى هذه التقنيات والتفاصيل دون وجود وزير إعلام له استقلاله وله رؤاه وله اختصاصات لا تتشابك مع غيرها.

٨- إن أمور الصحف اليومية والخاصة تخضع لمربع وزير الإعلام، لابد من حلول تعالج الخسائر وهدر الورق فيما لا يفيد. إن هذا الملف مؤجل، ولو طال التأجيل، تراكمت الخسائر.

٩- يجب - يا معالى الوزير - أن تحمى الكلمة الحرة الصادرة من منصة وطنية، فلا خطر على البلد إلا من «التطبيل»، أنا مستعد بقلبى الإشادة بعقل ورشد لإنجاز فى الجون وأنا أعيش فى نظام قوى ثابت راسخ متين والخربشة برأى أو وجهة نظر للتنوير أو التصويب أمر ضرورى و«الطبالين» يخدعون الناس واثق - كمواطن - فى فطنة الرئيس الذى يميز نوع النقد وجدواه.

١٠- إن وزير الإعلام ليس منصباً شرفياً، إنه «طاقة عاملة فاعلة» وله دور تثقيفى وسياسى، هكذا عرفت من عبدالقادر حاتم إلى صفوت الشريف مروراً بالعطيفى وهيكل وهويدى. إن مهمته ثقيلة لأنه متشعب الاتجاهات ومهمته السياسية تقع فى المقام الأول وهذا طبيعى فى بلد محاصر بنار العدو ونار الصديق! وإصلاح الإعلام المرئى مهمته الثانية أى اجتذاب الناس للشاشات بعد هجرة العيون! امنح «المؤثرين» مساحة على الشاشات هؤلاء «المؤثرون» وكفى استخدام النجوم، فالعقول جن تخاطب العقل والوجدان تتفاعل إيجاباً وهو المطلوب.

11- إن أمامك فرصة منحتها لك بثقة القيادة السياسية، فعليك - باستقلال تام - أن ترسم خريطة جديدة للإعلام المصرى عصرية، مواكبة لأحداث مصر الجسام وعليك اختيار معاونيك بأسلوب علمى أى الكفء فى مجاله، إن لك تجربة سابقة فى الإعلام، فالمجال ليس غريباً ولكن الظروف اختلفت، وشظايا الأعداء قد تعددت وتكاثرت، وأنت لست بغريب عن «مصر السياسة» فقد كنت فى البرلمان يقظاً.

12- توقع من يقاوم أفكارك ومن يحارب استقلالك ولكنك كما أعرفك هادئ النبرة شديد الاتزان، تصغى أكثر مما تتكلم، ونثق فى نزاهتك.
نقلا عن المصرى اليوم