في مثل هذا اليوم 16 يناير1953م..
تعود البداية الحقيقية لنشأة الأحزاب المصرية لعام 1907 حين تم إنشاء الحزب الوطني «الثاني» على يد الزعيم المصري مصطفى كامل والذي كان دافعا إلى نشأة أحزاب أخرى جاءت لتشاركه في قضية التحرير الوطني مثل حزب الأمة والذي أسسه أحمد لطفي السيد ثم ظهر حزب الوفد كحركة شعبية في بادئ الأمر كانت تهدف إلى تأييد المجموعة المصرية التي تم اختيارها كممثلين عن الشعب المصري للتفاوض مع المحتل من أجل تحقيق الجلاء.

ثم توالى بعد ذلك تكوين عشرات الأحزاب الصغيرة والتي جاء معظمها كانشقاقات عن أحزاب رئيسية ولم يكن يعدو أغلب هذه الأحزاب عن كونه صحيفة ورئيس حزب يتوقف عمل الحزب، ومن هذه الأحزاب حزب الإصلاح «الشيخ على يوسف وجريدته المؤيد» وحزب النبلاء والحزب الدستوري وحزبي الوطني الحر والحزب المصري كما كانت أحزاب الكتلة السعدية والأحرار الدستوريين وغيرها من الأحزاب المنشقة عن حزب الوفد.

ثم جاءت مرحلة جديدة من الحياة الحزبية في مصر كانت بمثابة عملية تذويب وفك الارتباط بين هذه الأحزاب التي تحولت جميعها إلى تنظيم واحد بعد قيام ثورة يوليو وإصدار قرار حل الأحزاب في 16 يناير 1953 والتي كانت ترى الثورة أنها سبب مباشر في بقاء الاحتلال وأن أغلبها كان يوصف بالعميل للاحتلال أو بالمولاة للقصر.

ثم جاءت المرحلة الحالية من تاريخ الحركة الحزبية في مصر وهي المرحلة التي نعيش أحداثها وتطوراتها والتي توصف بمرحلة العودة إلى التعددية حيث حاول الرئيس الراحل أنور السادات أن يتحول من سياسة الحزب الواحد إلى الانفتاح السياسي والتعدد الحزبي.

ففي أغسطس عام 1974 أصدر الرئيس السادات ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكي والتي دعا فيها إلى إعادة النظر في تنظيمه وهدفه وفي يوليو عقد المؤتمر القومي العام الثالث للاتحاد الاشتراكي وخلص إلى رفض التعدد الحزبي ووافق على تعدد الاتجاهات داخل الحزب الواحد فيما أطلق عليه بعد ذلك اسم المنابر«والتي وصل عددها إلى 40 منبرا.

وفي مارس عام 1976 تمت الموافقة على تأسيس ثلاثة منابر تمثل اليمين «الأحرارالاشتراكيين»واليسار«التجمع الوطني الوحدوي» والوسط «تنظيم مصر العربي الاشتراكي» ثم صدر قرار في نوفمبر 1976 بتحويل هذه المنابر إلى أحزاب سياسية.

وفي يونيو 1977 صدرقانون تنظيم الأحزاب والذي يقضي بالتحول للنظام التعددي مع عدم إلغاءالاتحاد الاشتراكي الذي أعطيت له الكثير من الصلاحيات ومنها حق الموافقة على تأسيس الأحزاب الجديدة عبر المادة السابعة من قانون الأحزاب فيما قبل تعديل 1981.

ثم اتبع الرئيس السادات هذه الخطوات بتأسيس حزب جديد أطلق عليه الحزب الوطني الديمقراطي ودعا من خلاله أعضاء حزب مصر الاشتراكي إلى الانضمام إليه وتولة رياسته كما أجرى الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1981 وقبل وفاته بإجراء تعديل في قانون الأحزاب يسمح للجنة شؤون الأحزاب والتي تأسست بموجب القانون 40 لعام 1977 ويتولى رئاستها رئيس مجلس الشورى ويدخل في عضويتها وزراء الداخلية والعدل وشؤون مجلسي الشعب والشورى و3 من القضاة السابقين سمح لها بحق الموافقة على طلبات تأسيس أحزاب جديدة دون غيرها.

ويشترط لتكوين أي حزب توفر شرط التميز الذي يعني ضرورة أن يتضمن برنامج الحزب المتقدم ما يختلف عما تتضمنه برامج الأحزاب الموجودة، وتلتزم في مبادئها وأهدافها وبرامجها وسياساتها مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومبادئ ثورتي يوليو 52 ومايو 1971 ومقتضيات الحفاظ على النظام الاشتراكي والديمقراطي والمكاسب الاشتراكية ويحظر إقامة أحزاب على أسس طبقية أو دينية أو على إعادة الحياة للأحزاب السياسية التي تعرضت للحل عام 1952.

و بعدأن طالب عبدالناصر هذه الأحزاب بتطهير نفسها، حيث تبارت هذه الأحزاب في «نشر غسيلها القذر» واصدمت عناصر الصف الثاني في هذه الأحزاب بعناصر الحرس القديم فيها، وأخذت الأحزاب تعري نفسها بنفسها وبديهي أنه عندما بلعت هذه الأحزاب «الطعم» – أعني طعم مطالبة الزعيم ناصر الأحزاب بالتطهير- كانت قد سقطت سقطتها الأخيرة وقبلت بعد ذلك أن تنظم نفسها بقرار.

و اللافت للنظر أن حزب الوفد كان في مقدمة الأحزاب التي فضحت نفسها وحينما وجد عبدالناصر أن هذا الحزب الكبير والعريق يعري نفسه بنفسه عاد عبدالناصر وقال أن التطهير لم يكن جادا وكافيا وعليها أن تطهر نفسها بجدية وفاعلية على النحو الذي يتناسب والنظام الجديد ولقد فهمت الرسالة عناصر الصف الثاني في الحزب بل وفي سائر الأحزاب وسال لعابها على مقاعد القيادة في الأحزاب.

وفي الوفد تطلعت هذه العناصر للإطاحة بالنحاس باشا ولذلك فإن المراجع للصحافة الحزبية في ذلك الوقت يكتشف أنها كانت أحزابا ورقية وأنها كانت تعاني «إنفصالا شبكيا» بينها وبين قواعدها القديمة الأساسية وأعتقد أن عبدالناصر رأي في هذه الأحزاب عبئاعلي الحياة السياسية في مصرمما دفعه لإصدار قرار حلها وخصوصا بعدما طالب هذه الأحزاب بالتطهير وإعادة التنظيم، أن هذه الأحزاب ضلت الطريق حين استجابت لطلبه وقدمت له برامج جديدة لم تكن تنطوي إلا على برامج نفاق ومداهنة للنظام الجديد وتنضح بالغباء السياسي وقدمت برامج غاية في الراديكالية وكأنها تزايد على ثورة يوليو فكان موقفا كوميديا حين صارت الأحزاب الكلاسيكية والرجعية صارت ثورية أكثر من ثورة يوليو.

ومن الملاحظات التي تدلل على أنها لم تكن في هذه الفترة متواصلة مع الجماهير ومؤثرة فيها وتعبر نها أن النحاس باشا حين زار بلده سمنود فوجد الناس يهتفون لثورة يوليو ولعل المشهد الحزبي الحالي يذكرنا بالمشهد الحزبي قبل ثورة يوليو وحتي قيامها بحل الأحزاب فلاتزال الأحزاب ظاهرة ورقية وصوتية مرتبطة بالميديا والصحف أكثر من ارتباطها الحيوي والنافذ في الشارع المصري.!!