Oliver كتبها
-الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد المعصوم في إيماننا المسيحي.لا تشكيك فيه و لا نقد له.سيبق ثابتاً غير متغير صالحاً لخلاص كل الأجيال.
 
أما ما عدا ذلك فيقبل التغيير و البحث و التدقيق حتي نتأكد من صحته و نظل منتبهين لأن التاريخ ملئ بالمؤامرات التي أقساها و أقصاها هي التي تخلخل الإيمان بتعاليم نسبوها لقديسين و آباء رسل لكي ننسب لها العصمة و هي ليست في جوهر الإنجيل.
 
- يمكننا أن نقسم التعليم في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية إلي قسمين رئيسيين.الأول بدأ مع إنشاء مدرسة الإسكندرية بكرازة القديس مرقس الرسول و التي وجدنا أن كل رئيس لمدرسة الإسكندرية يصبح  البابا بتلقائية شديدة لمدة عشر بابوات.
 
فكان البطريرك أستاذاً باحثاً عالماً و متوجاً بالفكر المستنير الذي نشرته مدرسة الإسكندرية التي جمعت في أروقتها كل ثقافات العالم القديم و أهمها الرومانية و اليونانية طبعاً مع الثقافة الفرعونية التي إعتمدت و صارت ثقافة مسيحية.
 
- كل هذه الثقافات كانت بوتقة وضع مسيحيو مصر فيها إيمانهم بكلمة الله فذابت الثقافات في الكلمة و صارت كنيسة الإسكندرية منارة للعالم القديم بآباءها و مفكريها.هذا هو القسم الأول .كان فيه التعليم علمياً روحياً كتابياً فلسفياً مستنيراً.
 
كان البحث كالنسك.كانت الرهبنة الأولي هي إلتصاق بالكتب لكي تحملها إلي كلمة الله فتتبارك الأفكار و تستنير الأذهان و تصلح الكرازة لجميع المستويات لهذا رأينا يوستين الشهيد المثقف و بنتينوس الفيلسوف الشهير و فيلون و غيرهم.صار هؤلاء كارزين أهم من أساقفة زمانهم و بطاركتها.ظلت هذه الدعامة حتي القرن السابع.
 
عبرت مدرسة الإسكندرية بالإيمان من عصر الهرطقات الكبير.لم نعبره بالروحانية فحسب بل بالعلم الكتابي و الدراسة و التدقيق في الكتب أيضاً.بل كانت الهرطقات أحد الدوافع الهامة لزيادة البحث و التأليف لهذا كان أكليمندس الإسكندري و أوريجانوس و القديسون الكبار من البطاركة أصحاب كتب خالدة.التجسد لأثناسيوس العظيم و تفاسير أوريجانوس لفترة ما حتي صار عليه خلاف.
 
 
و تفاسير البابا العظيم كيرلس الكبير .ظل التعليم علمياً أكاديمياً يبحث و يتقصي ثم يؤلف و يعلم.
 
-إستمرت حركة التعليم الروحاني مع تأسيس حياة الرهبنة و نموها في القامة و المعرفة كما في الروحانيات و التكريس فصرنا نقرأ تفاسير للعظماء القديسين أنطونيوس و مكاريوس الكبير ثم مار إسحق في مصر ثم يوحنا كاسيان الذي شابه يوسيفوس في تأريخه لواقع مصر الروحي في عصره.ظل النمو ينتقل شيئاً فشيئاً و كان للنور الروحاني الذي إنبعث في صحاري مصر أثره علي العالم القديم كله.
 
بقيت مصر بآباءها مقصداً لكل من لديه سؤال أو معضلة فكرية فلسفية أو روحية.
 
- علي الرغم من التعارض بين مصالح الإمبراطوريات القديمة و إنتشار الإيمان المسيحي إلا أنه و بثمن كبير من الشهداء عبرت الكنيسة عصر الإستشهاد العام و وجدت صيغة للتفاهم مع الأباطرة و الولاة الذين للحق لم يكونوا ضد الإستنارة الفكرية لكنهم كانوا ضد الإيمان بالمسيح لإعتبار المسيحيين فئة مارقة علي الحكم الذي كان يربط الولاء بالإمبراطورية بالعبادة للإمبراطور و الطاعة المطلقة له.إلا لما جاء الغزو الإسلامي الذي حتي اليوم منذ ألف و أربعمائة سنة لم يمكن أن يجد المسيحيون صيغة للتعايش في ظل حكمه لمصر.
 
هذا هو التاريخ الذي بدأ فيه التحول من التعليم العلمي الروحي إلي التعليم الشعبي لأسباب كثيرة.
 
- خرب الغزو الإسلامي مصر و حرق مكتبة الإسكندرية هادماً أهم مصدر علمي للمعرفة  في القرون السبعة الأولي.قتل الرهبان و حطم الأديرة و هشم المنارات فلم تعد منارة واضحة المعالم .
 
و بعد مئتى عام من الغزو صار أقصي مطمح للكنيسة المصرية هو الثبات علي الإيمان و الحفاظ علي من تبق من المؤمنين.إنتهي عصر النمو و الإمتداد و التواصل مع العالم في ظل إنغلاقية الحكم الإسلامي.حرقوا الكتب العدو الأهم للغزاة.
 
فبقي الإيمان مستنداً علي تراث في القلب دون الكتب.و تاريخ غير مكتوب في أغلبه.
 
و إنتشر التعليم الكلامي بالنقل تأثراً بالطريقة الإسلامية و تخوفاً من إظهار ما بقي من كتب لم تحرق.لم نعد نقرأ أو ندرس بل نسمع و نتلقي.صار التعليم  الشعبي هو المتاح في غيبة وسائل المعرفة.
 
- صارت الحياة ضحلة الفكر و منذ عشرة قرون ما زلنا نتناقل تعليماً شعبياً يحتاج للتدقيق .نحتاج إلي مدرسة الإسكندرية الجديدة الألكترونية التي تناسب عالماً جديداً.
 
لأن التعليم الشعبي هو بعضاً من قصص و بعضاً من رؤي شخصية و قليلاً من بحث علمي فتأخرت الكنيسة الإسكندرية عن الكنائس التقليدية الأخري و أهمها اليونانية و الروسية.
 
بالطبع الكنيسة اليونانية لا تبذل جهداً في رجوع المواطن البسيط للمراجع القديمة لأن اللغة ما زالت حية أما نحن فتوقفت لغتنا و تعثرت خطواتنا في الوصول إلي المراجع بمصداقية و حيادية و إستسهلنا التعليم الشعبي الذي لو وضعناه في موازين التدقيق البحثي سنتفاجئ بأننا نردد كثيراً من الأفكار و المغالطات فقط لأن هذا ما تناقلناه.سيتعرض  بعض مما كنا نحسبه من المسلمات لصدمة فكرية شديدة.
 
و سنكتشف حتماً أيضاً أن جوهر ما نمارسه  اليوم هو من حياة  مجيدة عتيقة الحب في بطون الكتب التاريخية.
 
لذلك حسناً أن نبحث بحكمة و نصحح ببطء لكن لنعط الفرصة للتدقيق الذي يرضي الله حتي لو لم يعجب بعض الناس فخير أن يكون إيماننا كإيمان القديسين بالحقيقة و ليس حسب ما يجتهد في تعليمه لنا أناس لم يقرأوا شيئاً من كتب هؤلاء القديسين إلا فيما ندر.لم يدرسوا لغة قديمة و لا لديهم أدوات علمية ذات حيادية و مصداقية .
 
- لا يعني هذا أن كل ما تعلمناه خطأ أو أن إيماننا مهدد لكن معناه أن نعيد صياغة التعليم المسيحي خصوصأً في الإكليريكيات و معاهد البحث القبطي.
 
لنغلق كل دكاكين الإكليريكيات الوهمية.
 
بإعادة تأهيل كاملة تشمل تطبيق مستويات البحث العلمي العالمية كما في الدول المتقدمة و لو إستدعي الأمر لإسناد هذه النهضة العلمية لمتخصصين من بلاد أخري تحت إشراف متخصصين معهم من كنيستنا.
 
حينها ستعود مدرسة الإسكندرية لتشرق و يتحول الواعظ المحلي إلي كارز عالمي يفهم الجميع من خلاله الإيمان الصادق.ينحسر التعليم بالتواتر إلي التعليم بالمراجع.ليجد الجيل الجديد أن إيمانه لا يتخلخل من التشكيك و النقد و نخطو بهم بعيداً عن الحركات الوجودية و الإلحادية و الفلسفية إلي فضل معرفة المسيح.