فاروق عطية 
الجنرال جان باتيست كليبر: 
   نظّم نابليون الأمور العسكرية والإدارية في القاهرة قبل عودته لفرنسا'>فرنسا، وعين كليبر ليكون على رأس ما تبقى من حلمه بضم مصر. كان كليبر كارها البقاء بمصر ومعارضا لاحتلالها. وعندما عاد بونابرت إلى فرنسا'>فرنسا عام 1799م تسلم هو القيادة. كان يرى استحالة البقاء فى مصر، وذلك لسوء أحوال مصر الاقتصادية، محاصرة الانجليز لسواحل مصر الشمالية، انخفاض الروح المعنوية لجنوده، كثرة ثورات المصريين، وتحالف انجلترا وروسيا مع دولة الخلافة العثمانية ضد فرنسا'>فرنسا. بادر بإطلاع فرنسا'>فرنسا علي حراجة الوضع في مصر وطلب التصريح له بالتخابر مع الباب العالي العثماني على الانسحاب بطريقة لائقة لا تشين فرنسا'>فرنسا. وكان الباب العالي أيضا راغبا في نزع مصر مرة أخري من يد الفرنسيين. فقام بعمل اتفاقية العريش الأولى في يناير 1800م التي نصت على جلاء الفرنسيين بكامل أسلحتهم ومعداتهم وأن يكون الجلاء في مدة ثلاثة أشهر وأن تجهز لهم تركيا أسطولا لنقلهم إلى فرنسا'>فرنسا بعد تحطم اسطولهم في موقعة أبي قير البحرية، لكن المعاهدة فشلت بسسب رفض الحكومة البريطانية عودة الفرنسيين إلا كأسرى حرب، والتخلي عن كل المراكب والمؤن التي لهم بالإسكندرية. رفض كليبر ذلك لما فيه من إهانة للفرنسيين، ونشب قتال بينه وبين العثمانيين وهزمهم في موقعة عين شمس في مارس 1800م، بعدها عدل كليبر من سياسته وقرر البقاء في مصر.
 
   انتهز المصريون فرصة انشغال كليبر بمطاردة العثمانيون في عين شمس وطردهم إلى بلاد الشام وقاموا بثورة القاهرة الثانية (20 مارس- 21 إبريل 1800م)، وكان من زعماء تلك الثورة عمر مكرم والسيد محمد السادات والسيد أحمد المحروقي وغيرهم. سحق كليبر الثورة التي كانت متمركزة ببولاق. نصب كليبر مدافعة على قمة جبل المقطم وشرع بقصف الحى حتى جعله أثرا بعد عين وهكذا تمكن من القضاء على الثورة. استمر كليبر في استفزاز مشاعر المصريين وإذلال الناس واعتُقل الكثيرين وأقيمت المذابح في الميادين حتى وصل الأمر إلى سلاح الغدر لقتل المصريين جوعا بمنع القوت عن القاهرة. في ذلك الوقت قدم من سوريا شاب في الرابع والعشرين من عمره للقاهرة طالبا بالأزهر اسمه سليمان الحلبي. تنكر سليمان في زي متسول، وتسلل إلى حديقة قصر كليبر الذي كان يتناول الغداء في قصر مجاور لسكنه مع كبير مهندسيه، وعندما دخل كليبر الحديقة اندفع سليمان الحلبي نحوه وهو يتظاهر برغبته في تقبيل يده، فمد كليبر يده إليه، فأمسكها الحلبي بقوة ثم طعنه بالسكين أربع طعنات قاتلة ولاذ بالفرار، إلى أن اعتقله الفرنسيون بعد يومين مختبئاً في حديقة مجاورة. دفن كليبر بحديقة قصره بالقاهرة، ثم حُملت جثته عند خروج الجيش الفرنسي من مصر ليدفن في فرنسا'>فرنسا كما ذكر في وصيته وذلك في عام 1801م.
 
   في اليوم التالي مباشرة لاغتيال كليبر قدم الحلبي أمام محكمة عسكرية فرنسية مكونة من تسعة ضباط بجلسة علنية بتهمة قتل القائد العام والشروع في قتل كبير مهندسي الحملة، وقدم معه أيضًا أربعة من زملائه الدارسين بالأزهر والمقيمين معه بذات المسكن بحي الحسين وجميعهم من غزة وقد وجهت لهم تهمة عدم ابلاغ السلطات بالجريمة رغم علمهم بها. وصدر الحكم في زمن قياسي لتكون جملة ما استغرقه التحقيق والمحاكمة أربعة ايام فقط، وصدر بإدانة كل من سليمان الحلبي وزملاؤه الأربعة. وفي يوم الأربعاء 17 يونيو 1800م بدأ تنفيذ الحكم بعد دفن جثة كليبر، بإحراق يد سليمان الحلبي اليمنى التي أمسكت بالخنجر الذي أودى بحياة كليبر، ثم أعدم عقب ذلك بالخازوق. كما أعدم زملاؤه بقطع رؤوسهم وإحراق جثثهم عقب ذلك على الفحم وقد تم ذلك كله أمام سليمان الحلبي قبل إعدامه لمزيد من إيلامه ورهبتة. وعقب تشريح جثة سليمان الحلبي نقلت رأسه الى فرنسا'>فرنسا ووضعت في متحف باريس الجنائي. ورفات سليمان الحلبي موجودة حاليًّا في فرنسا'>فرنسا، وجمجمته معروضة في متحف الانسان في قصر شايو في باريس بجانب جمجمة ديكارت فيلسوف فرنسا'>فرنسا الأكبر، كتب تحت الجمجمة الأولى: جمجمة العبقري ديكارت وتحت الثانية: جمجمة المجرم: سليمان الحلبي.
 
   شارك في الحملة الفرنسية على مصر. بعد مقتل كليبر تسلم الجنرال جاك مينو-أو عبد الله جاك مينو- بعد أن أعلن إسلامه عام 1801م ليتزوج من امرأة مسلمة كانت تسمى زبيدة ابنة محمد البواب أحد أعيان رشيد، وكانت مطلقة بعد زواج سابق من شخص يدعى سليم آغا نعمة الله، فقبل أبوها وقبلت هي، وتم عقد الزواج في وثيقة شرعية مؤرخة بتاريخ 25 رمضان سنة 1313هـ وتضمنت اعتناقه للإسلام، وتَسمّى فيها باسم "عبد الله باشا مينو". بعد ذلك تظاهر مينو بتمسكه بالشعائر الإسلامية حتى أنه كان يؤدي صلاة التراويح في شهر رمضان بمساجد رشيد، وكتب إلى نابليون ينبئه بذلك ويقول في رسالة إليه أن هذه الطريقة قد حببته إلى نفوس الأهالي، حسبما روى الرافعي. رزق عبد الله جاك مينو من زوجته السيدة زبيدة ولداً أسماه سليمان في يناير 1801م.
 
   كان مينو متحمسا لقضية الاستعمار الفرنسي واندماج مصربفرنسا'>فرنسا، وللتقرب من المصريين سعى مينو للزواج من مصرية مسلمة من أجل استمالة المصريين خاصة أن الحملة الفرنسية كانت تمرّ بظروف حرجة بعد رحيل نابليون بونابرت إلى فرنسا'>فرنسا عام 1788م، ومقتل القائد الثاني للحملة جان بابتيست كليبر 1800م، واقتضى ذلك اعتناقه الإسلام. وقد تلقي التهنئة والمباركة بزواجه من بعض الجنرالات منهم الجنرال ديجا والجنرال مارمون.غير أن هذه المباركات الرسمية للزواج لم تحل دون تعليقات شديدة البذاءة حول الموضوع داخل الجيش الفرنسي. فالجنرال جوزيف ماري مواريه ذكر في مذكراته الواردة في كتاب "مذكرات ضابط في الحملة الفرنسية على مصر" أن لقب "عبد الله" الذي حمله مينو خلق بين الجنود الفرنسيين انطباعات ليست في صالحه، إذ اصطدم ذلك بجذوة أفكارهم الدينية التي نهلوا تعاليمها من تربيتهم الأولى، وثارت تساؤلات بينهم حول ما إذا كان هذا الرجل الذي ارتد عن دينه كُفوءً لقيادتهم. يقول بعض المؤرخين إن زواج مينو من زبيدة أتى عليه وعلى زوجته بسخط كبير من المصريين وليس العكس، فقد اعتبرها البعض خائنة لأنها تزوجت من غازٍ لبلادهم. أقامت زبيدة مع زوجها في رشيد عندما كان حاكماً للمدينة، وبقيت فيها بعد أن تولى القيادة العامة للجيش الفرنسي.
 
   تحالفت إنجلترا وتركيا وقررتا الإطاحة بالجيش الفرنسي بمصر. تحرك الجيش الإنجليزي من جبل طارق في أوائل نوفمبر1800م وأقلعت سفنه إلى شواطئ الأناضول في أواخر ديسمبر وأوائل يناير، حيث اتفقت كلٌّ من إنجلترا وتركيا على خطة مشتركة في القتال فأعدت تركيا جيشين الأول بقيادة الصدر الأعظم يوسف باشا يزحف إلى مصر عن طريق برزخ السويس والثاني بقيادة حسين قبطان باشا ويقصد شواطئ مصر الشمالية، فوصلت قوات الجيش الإنجليزي البر الغربي للنيل وبلغ إمبابة بينما واصل الجيش العثماني تقدمه من الشرق ووصل إلى البر الشرقي للنيل حيث وضع كلٌّ من الجيشين خطة مشتركة للزحف على القاهرة، وفي تلك الأثناء أحس الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال "بليار" خطورة موقفه وخاصة أن الجيش الفرنسي كان في غاية من الضعف خاصة بعد انتشار وباء الطاعون بمصر بالقاهرة والصعيد. كما أن سكان القاهرة كانوا مستعدين للثورة عليه والانضمام إلى الجيوش الإنجليزية والتركية فرأى أن يعقد مجلسًا حربيًّا من قواد الجيش الفرنسي حيث قرر المجلس التسليم وتجنب القتال وفتح باب المفاوضات للجلاء فوافق الفرنسيون على الجلاء عن مصر ووقعت إتفاقية العريش الثانية في 27 يونيو 1801م وكان من شروطها جلاء الجيش الفرنسي عن مصر بأسلحتهم وأمتعتهم ومدافعهم وغيرها ويبحرون إلى فرنسا'>فرنسا على نفقة الحلفاء وأن يتم الجلاء في أقرب وقت ممكن في مدة لا تزيد عن خمسين يومًا وبذلك رحلت الحملة الفرنسية على مصر في أوائل شهر أغسطس سنة 1801م إلى فرنسا'>فرنسا وبذلك انتهى الاحتلال الفرنسي على مصر نهائيًّا بعد احتلال دام ثلاث سنوات وشهرين.
 
   بعد أن احتل الأتراك والإنكليز رشيد خرجت زبيدة بصحبة أخيها من أمها علي الحمامي ثم انتقل بها إلى الرحمانية، ولمّا احتلها الحلفاء قدم بها إلى القاهرة فدخلاها ونزلا بدار القائد العام (بيت الألفي بك بالأزبكية) ثم انتقلا إلى القلعة ليكونا بمأمن من الاضطرابات، وكان مينو وقتئذ بالإسكندرية. وبقيت زبيدة وابنها وحاشيتها في القاهرة إلى أن وقّع الجنرال الفرنسي بليار الذي كان حاكماً لهذه المدينة على شروط التسليم وتم جلاء الفرنسيين، فأذن لها قائد الجيش الإنكليزي الجنرال جون هيلي هتشنسون بالسفر إلى الإسكندرية لتلحق بزوجها، على أن مينو طلب الإذن لها بالسفر إلى فرنسا'>فرنسا فرحلت إليها على إحدى السفن التي أقلت جيش الجنرال بليار. ولكن خاتمة قصة مينو وزبيدة لم تكن سعيدة. يروي الرافعي أن الجنرال الفرنسي أساء معاملة زوجته ثم هجرها عندما انتقل إلى تورينو بإيطاليا، واستبدلها براقصات اتخذهن خليلات، وتركها تعاني مشقة العيش إلى أن توفيت.