-    التصدي للإفتاء على جهل وعدم تأهل يكفي لدخول النار.
-    السلف أنفسهم نهوا عن الجمود على ما اجتهدوا هم فيه، ووصفوا هذا الجمود بالضلال في الدين.
-    وجوب المهر كاملاً من المسائل الاجتهادية التي لا تناسب زماننا الحالي في رأيي.

كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م

قالالعلماء،'> د. عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء، إن الفتوى صناعة ثقيلة لا يجيدها إلا الراسخون في العلم، وهي باب عظيم مَن تسابق إليه فكأنما ذبح بغير سكين، أما مَن أُسند إليه فأخلص فيه النية والتزم بما ألزمه الشرع به، فقد غُفر له الخطأ والنسيان، وكان مأجورًا على كل حال؛ ويمكن تقسيمها إجمالًا إلى معايير أخلاقية ومعايير مهنية:

فأما المعايير الأخلاقية، فمنها الورع والتقوى والزهد في الفتوى، والتحرر من الخوف وضغوط الواقع، والتجرد من الهوى والعصبية بشتى أنواعها، فيسوي المفتي بين المستفتين ولا يفرق بين غني وفقير، ووجيه ووضيع، فطبيعة المسألة وما يلائم حال السائل هما ما يجب أن يحدد طبيعة الفتوى الصادرة.

وأما المعايير المهنية التي يجب أن تتوافر فيمن يتصدى للفتوى، فمنها الأهلية العلمية التي تمكن المفتي من استظهار حكم الشرع في المسائل المعروضة عليه؛ ومن ثم فإن مجرد التصدي للإفتاء أو الفصل بين الخصوم على جهل وعدم تأهل، يكفي لدخول النار.

وأضاف في كلمته بمؤتمر الإفتاء العالمي، يلزم المفتي كذلك قبل أن يجتهد في المسألة المعروضة عليه أن يراجع فيها مصادر استنباط الأحكام من القرآن والسنة والإجماع واجتهادات السلف، غير أنه إذا وجد فيها حكمًا للسلف، وجب عليه أن ينظر في مدى ملاءمته لزمان الفتوى ومكانها، وأن يتأكد من صلاحيته لحال المستفتي، فالسلف أنفسهم قد نهوا عن الجمود على ما اجتهدوا هم فيه، ووصفوا هذا الجمود بالضلال في الدين والجهل بمقاصد علماء المسلمين؛ وذلك لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس.

ومَن يدقق في الموروث عن سلفنا، في المسائل الاجتهادية، يجد مِن بينها ما لا يناسب زماننا ولا مكاننا، ومنها كثير من أحكام النساء كعمل المرأة، وتوليها الولاية العامة والقضاء، وسفرها من غير محرم أو زوج؛ حيث نجد مثلًا أن هناك اختلافًا كبيرًا بين حال السفر وقت اشتراط المحرم، وما نحن فيه في هذا الزمان، فإن كان اشتراط المحرم لعلة خوف الطريق؛ فقد زالت العلة في غالب الأسفار في زماننا.

ومن تلك المسائل الاجتهادية التي لا تناسب زماننا في رأيي، وجوبُ المهر كاملًا بالخلوة الصحيحة التي تكون بين المعقود عقد زواجهما قبل الدخول، وما يترتب على ذلك أيضًا كوجوب العدة على المرأة إن طُلقت قبل الدخول الحقيقي، وهو ما قال به جمهور الفقهاء قديمًا.

والناظر يرى أن ثمة اختلافًا كبيرًا بين زماننا وزمان هؤلاء الفقهاء الذين قالوا بوجوب المهر كاملًا ووجوب العدة بالخلوة الصحيحة، ففي زمانهم كان الزواج بداية من الخطبة إلى الدخول ربما يتم في ساعة أو بعض ساعات أو أيام، فيكون مرادهم بالخلوة عندئذ تلك الخلوة التي تكون في بيت الزوجية بعد انتقال الزوجة إلى بيت زوجها، ولذا لا يكون هذا الحكم ملائمًا لوقتنا الحاضر الذي تكون فيه الخلوة بين المعقود قرانهما في بيت أهل الزوجة دون أن يحدث فيها دخول أو محاولة دخول.

كما أن الشاب لن يكون مقتنعًا بدفع المهر كاملًا – الذي قد يكون عدة ملايين - نتيجة خلوة حدثت بينه وبين مَن عقد عليها، تحدثا فيها عن بعض أمور تتعلق بحياتهما المستقبلية، فاختلفا وتطلقا دون أن يقترب أحدهما من الآخر.

وعليه، فإن نظر المفتي في مثل هذه المسائل ومعاودة الاجتهاد فيها، لهو عين التجديد الذي هو سمة من سمات شريعتنا الغراء، وهذا لا يعني التفريط في الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان، فمن واجب المفتي أن يتمسك بثوابت دينه ومُسلَّمات شريعته، ولا يخضع لهوى نفس أو سلطان، أو ينزلق إرضاءً لرغبات العوام ومطالبات سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان!