كتب – روماني صبري 

 
تفيض الروح سعادة عند مشاهدة أفلامه، التي لازالت تعيش في وجدان المشاهد المصري والعربي .. يعد الأب الروحي لأفلام الكوميديا السوداء التي عبر خلالها عن هموم المواطن المصري الاجتماعية والسياسية، فلقب بـ شارلي شابلن العرب ، موليير الشرق، كشكش بك .. بات البطل الشعبي في قلوب الجماهير منتصف القرن الماضي، انه الفنان الكبير نجيب الريحاني الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، والذي قال في أقواله  المأثورة "اللي يشوف البلد دي من فوق غير اللي يشوفها من تحت"، و"كلنا مجرمين وكلنا ضحايا" ..  وفي إطار المناسبة نورد في السطور المقبلة أهم المحطات في حياته.
 
البداية 
ولد‏ زعيم "المسرح الفكاهي" نجيب‏ ‏أبو‏ ‏إلياس‏ ‏ريحان‏ ‏عام 1892 ، في درب مصطفى بباب الشعرية، وكان والده يعمل بالتجارة وتعود أصوله إلى بلدة ريحان العراقية وكان من السريان الكاثوليك، أما والدته فكانت من صعيد مصر، وكان ترتيبه الثاني بين إخوته الثلاثة .. التحق الريحاني بمدرسة الفرير وتعلم اللغة الفرنسية، جراء اقتراح  لأحدى أصدقاء والده بان تعلم اللغات الأجنبية يجعل الفرد يظفر بوظيفة مرموقة ما يصب في مصلحة مستقبله، وبعد أن أتقن الريحاني اللغة الفرنسية شرع في ترجمة ‏أعمال‏ ‏الأديب‏ ‏الفرنسي‏ ‏الساخر‏ ‏موليير ‏الذي اثر ‏ علي‏ ‏شخصيته بعد ذلك ‏بشكل‏ ‏كبير‏.
 
بداية التجارب الصعبة .. خيانة والده 
شهدت طفولة ومرحلة شباب الريحاني حياة البذخ والرفاهية، بفضل ثراء والده، لكن بمجرد أن رحل والده عن الحياة تكبد العناء والمشقة وجرع الخيانة فحط الحزن داخله وكان آنذاك على وشك إنهاء البكالوريا، حيث اكتشف أن والده اشترط في وصيته أن تذهب كل أملاكه إلى ابنه شقيقته، بزعم أن أولاده شباب ويتمتعون بالصحة ويستطيعون العمل، فترك الدراسة على اثر ذلك، وتغيرت نظرته للحياة وهو ما انعكس فيما بعد على أفلامه.
 
المسرح سيشفى جراحي 
لجأ الريحاني بعد ذلك إلى المسرح لعل يجد فيه الشفاء من جرح خيانة والده بفلسفة كوميدية سوداوية، أكثر براعة من مدارس عمالقة الكوميديا الأوائل ، مثل شارلي شابلن ،  باستر كيتون ، لوريل وهاردي .
 
يجب أن ينشر الفن التسامح والسلام لا العنف 
ولطالما رأى الريحاني أن دور الفن الأكبر هو نشر الحب والسلام والتسامح، وان يعبر عن البسطاء أولا لا عن رؤية السياسيين، كذلك لا ينحاز للون أو الوضع الاجتماعي أو يتعصب للدين، بكيفية بسيطة يفهمها الجميع، حتى الطبقة البسيطة سخر منها كونها راحت تؤمن  بالمادية وتتغير عندما تقفز من قاع الفقر إلى قمة الثراء ، وفيلمه "لعبة الست" كشف ذلك.
 
الريحاني وخيري 
ونجح الريحاني في تكوين ثنائي رائع مع المؤلف المسرحي بديع خيري، توأمه في الكوميديا فقدما 33 مسرحية  ومنها مسرحية الجنيه المصري عام 1931 ، الدنيا لما تضحك عام 1934 ، الستات مايعرفوش يكدبوا ، حكم قراقوش عام 1936 ، قسمتي، لو كنت حليوة ، الدلوعة عام 1939 ،استني بختك ، حكاية كل يوم ، الرجالة مايعرفوش يكدبوا ، الدنيا بتلف، إلا خمسة عام 1943 ،حسن ومرقص وكوهين عام 1945  تعاليلى يا بطة ، بكره في المشمش، كشكش بك في باريس، وصية كشكش ب،خلى بالك من إبليس، ريا وسكينة عام 1921.
 
أفلامه السينمائية 
وقدم الريحاني عددا من الأفلام السينمائية الناجحة ومنها : صاحب السعادة كشكش بيه 1931، حوادث كشكش بيه ،ياقوت أفندي عام 1934،بسلامته عايز يتجوز عام 1936، سلامة في خير ، أبو حلموس 1947، لعبة الست 1946، سي عمر 1941،غزل البنات 1949.
 
لماذا استدعاه الانجليزي'> النائب العام الانجليزي ؟ 
وكتب الريحاني في مذكراته :" كان مسرحنا يخرج كل ليلة قرابة 500 شخص بين رجل وسيدة، وشاب وفتاة، وقد تأججوا وطنية وحماسا، وفعلت فيهم المونولوجات التي ألقيت عليهم فعل السحر، واقض نشاطنا وحماسنا مضاجع الانجليز، وقد استدعاني (هورن يلور) الانجليزي'> النائب العام الانجليزي في ذلك الوقت، وفاجأني بقوله:  أنت تعرف مالطة ؟  فقلت : أظن هواها مش بطال... قال : تحب تغير هوا هناك ؟  فقلت : يبقى إذن منفى!! واستطردت : ضع نفسك في مكاني ووتخيل انك مصري فماذا يكون موقفك مني؟! هل يلام من يطلب تحرير بلاده من ربقة المحتل!! هل ترضى بريطانيا أن تكون في يوم ما محتلة من المصريين!! وان يضرب المصريون الانجليز بالرصاص في الشوارع!! وينفوهم لأنهم يطلبون الجلاء عن بلادهم، فلم يرد الرجل، وبعد صمت طويل طلب مني أن أخفف من نشاطي وحماسي الفني ، وإلا سيكون مصيري النفي إلى مالطة، فقلت: إنني مصري قبل كل شيء، ولتفعل القوة ما تشاء ، وحتى الآن لم أذهب إلى مالطة.
 
حياته الشخصية 
شهد العام 1924 زواجه من الراقصة الاستعراضية اللبنانية "بديعة مصابني" بعد قصة حب، لكن انتهى الزواج في النهاية بالطلاق، ليتزوج بعدها من الاستعراضية الألمانية "لوسي دي فرناي" وأنجب منها فتاة تدعي "جينا" لكن ولان القانون الألماني وقتها رفض زواج الألماني من أي جنسية أخرى، سجل زوجته لرجل ألماني آخر.
 
الرحيل 
غيب الموت الريحاني عام 1949، بداء التيفود في المستشفي اليوناني، وقبل أن يغيبه الموت انشأ قصر كبير تبرع به كمأوى للفنانين المتقاعدين الذين يتكبدون المشقة جراء الشيخوخة وبسبب عدم وجود معاشات لهم.
 
رثاء طه حسين له 
وبعد موته رثاه الأديب المصري  طه حسين بقوله :" كان الريحاني فنانا فريدا في عصره ، لقد أرسل نفسه على سجيتها، فملأ مصر فرحا ومرحا وتسلية وتعزية، ولو فرغ الريحاني لنفسه وعكف على فنه وتأنى في الإنتاج لكان آية من آيات التمثيل لا أقول في الشرق بل أقول في العالم كله ، لقد كان نجيب الريحاني ممثلا عبقريا ما في ذلك شك ، رأى الناس محزونين يلتمسون عنده العزاء والرضا والتخفف من أعباء الحياة حين يتقدم النهار وحين يقبل الليل، فمنحهم ما كانوا يلتمسون من غير بخل ولا تردد .
 
الريحاني يرثي نفسه !
قبل أن يعرفه الموت كتب رثاء لنفسه قال فيه :" مات نجيب مات الرجل الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب مات نجيب الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح .. مات الريحانى في 60 ألف سلامة .