25 يناير يوم يحمل تاريخه العديد من المعاني في وعي المصريين، ففي كل ركن في جمهورية مصر العربية ذكرى تختلف عن الأخرى ورغم إن العالم يراه يوما ينتظره المصريون للاحتفال بعيد الشرطة وإحياء أمجاد أبطالنا في الإسماعيلية، ومن يتذكر يوم خرج شباب مصر رافضين الفساد ومطالبين بالحرية، لكنه في الأجندة المصرية يحمل من التاريخ والذكريات ما هو أكثر تنوعا بين الفن والأدب والصناعة والسياسة، فهو يوم ميلاد المخرج العالمي يوسف شاهين ورحيل الشاعر المبدع سيد حجاب، وغيرها من الأحداث التي تراكمت على مر السنين لتجعل من يوم 25 يناير يوما متنوعا في أوقاته.


معركة الكبرياء الوطني.. الإسماعيلية 1952
في الـ25 من يناير عام 1952، ضرب رجال الشرطة المصرية أروع مثال للتضحية والبسالة، في مواجهة القوات البريطانية المحتلة، آنذاك، والتي تعرف بـ"موقعة الإسماعيلية".
 
احتدم الصراع بين رجال الشرطة المصرية والمحتل البريطاني، إثر إلغاء معاهدة‏ 1936‏، التى فُرضت على مصر ووقع عليها عبء الدفاع عن مصالح بريطانيا، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ثارت الحركة الوطنية للمطالبة بإلغاء المعاهدة وتحقيق الاستقلال، حتى استجابت حكومة الوفد لهذا المطلب الشعبي وانتفض شباب مصر إلى منطقة القناة لضرب المعسكرات البريطانية فى مدن القناة، ‏ودارت معارك شديدة تحالف فيها قوات الشرطة مع أهالي القناة‏، ‏وأدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة، ‏ فسعوا إلى تفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من القضاء على المدنيين، ورفضت قوات الشرطة تسليم المحافظة ودارت معركة طاحنة بينهم وبين العدو.
 
المعركة التي جسدت التضحيات ضد المحتل البريطاني، راح ضحيتها 50 شهيدا و80 جريحا من رجال الشرطة على يد الاحتلال الإنجليزي وذلك بعد أن رفض رجال الشرطة البواسل تسليم سلاحهم وإخلاء مبنى المحافظة للاحتلال الإنجليزي، ومنذ ذلك الحين صارت عيدًا لرجال الشرطة من كل عام يمثل تكريماً لهم على تضحياتهم وصمودهم.
 
"ملحمة خالدة في تاريخ الشرطة المصرية لن ينساها التاريخ"، هكذا وصف الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث، معركة الإسماعيلية التي تحولت إلى عيد رسمي للشرطة المصري، لافتا إلى غياب الوعي بقيمة هذا اليوم التاريخية بالنسبة للأجيال الحديثة لعدم الاهتمام برفع الوعي التاريخي بالأحداث المختلفة.
 
اعتبر شقرة في حديثه لـ"الوطن"، أن موقعة الإسماعيلية التي اندلعت بعدما مل الشعب المصري من تسويف الاستعمار البريطاني ووعوده بمنح مصر الاستقلال، كانت مقدمة من مقدمات ثورة 23 يوليو، أظهر تماسك بنيان الشعب المصري، الأمر الذي أرهق الاحتلال البريطاني، واكتشف الاحتلال بنفسه وطنية الجيش المصري وشرطته وشعبه، ولذلك استحقت أن تكون عيدًا للشرطة المصرية التي اختارت الصمود وأبت التسليم رغم تسليحهم البسيط مقارنة بالاحتلال حينها.
 
وفاة أبو الصناعة المصرية "عزيز صدقي"
حدث آخر عاشته مصر في تاريخ الخامس والعشرين من يناير عام 2008، حيث ودعت رجل الاقتصاد ورئيس وزراء مصر الأسبق عزيز صدقي الملقب بـ"أبو الصناعة المصرية"، وصاحب الدور الكبير في تحقيق النصر في حرب أكتوبر 1973.
 
صدقي الذي توفي في العاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز 88 عاما، أثناء علاجه في أحد المستشفيات هناك، بعد أن حفر اسمه في ذاكرة التاريخ، اختاره جمال عبدالناصر وزيرا للصناعة عام 1956 ومنحه الشعب لقب أبو الصناعة المصرية، حيث عارض صدقي التدخلات الخارجية في القرار المصري ونهض بالصناعة المصرية، و ثم صار رئيسا للوزراء من عام 1972 في عهد الراحل أنور السادات ثم مساعداً لرئيس الجمهورية 1973 ولعب دورا كبيرا في تحقيق النصر في حرب أكتوبر 1973.
 
ميلاد يوسف شاهين ووفاة سيد حجاب
"لم يكن ليترك حدثا شهدته مصر إلا ونزل بعدسته يسجل ويؤرخ لمصر بأعماله"، هكذا تقول الناقدة السينمائية ماجدة خير الله في ذكرى ميلاده، مؤكدة أن شخصا مثل يوسف شاهين "غير متوقع لتفرد تركيبته الدماغية"، فهو المخرج الذي عودنا على المفاجآت في كل عمل قدمه، كما عودنا على الاهتمام بتلوين الشخصيات وتقديم تفاصيل ثرية يعرف أحلامها وآمالها، لكنه قطعا كان سيهتم بـ"الإنسان"، وهو المشترك في كل أعماله.
 
وأكدت خير الله، لـ"الوطن"، أن سينما يوسف شاهين واضحة، رغم إن كثيرين يحاولون قول غير ذلك بأن أفلامه معقدة وغير مفهومة، "نفسي أفهم إيه صعب فهمه عن الناس ويعني إيه فيلم غير مفهوم"، موضحة ممكن ترفض أو تقبل فيلم لكن ألا تفهمه غير معقول.
 
وتابعت الناقدة السينمائية، أن الأجيال القادمة يجب عليها الاهتمام بما قدمه شاهين، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ94، ودراسته والتعلم منه فأفلام يوسف شاهين لا تقدم، مشيرة إلى فيلم "الأرض" الذي يعد واحدا من أهم أفلامه والذي يبرز قيمة الأرض إلى جانب فيلم "المصير" الذي يبرز قيمة الفكر والكلمة والكتاب.
 
وفي 25 يناير أيضا رحل عن عالمنا عام 2017، شاعر الغلابة سيد حجاب، تاركا إرثا لكل الأجيال القادمة تعبر عن مدى عشق هذا الرجل لمصر ومكانتها وأرضها، ومن جانبه يقول الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربي، الذي جمعته بالراحل علاقه زمالة، حيث تكررت لقاءاتهما في العديد من اللجان التحكيمية إلى جانب المشاركة في العديد من الندوات.
 
ويتابع حمودة في حديثه لـ"الوطن"، أن من المواقف التي جمعتهم كانت ندوة تم عقدها في الجامعة الأمريكية وهو قد رحب بالمشاركة لكنه مرض قبلها، وفي اللقاءات التالية التي جمعتنا كان يعتذر اعتذارا لطيفا ومهذبا وطيبا وكأنه يشعر بالذنب، وأنا حاولت أن أجعله يتناسى هذا الموقف، وتمنيت له الصحة الكاملة، لكنه كان يكرر الاعتذار في مرات أخرى، وهذا جعلني أشعر بالذنب، ما كشف لديَّ مدى حساسيته ونبله.