فاطمة ناعوت
دلالاتٌ قوية وراء منح دار أوبرا دريسدن الألمانية «وسام القديس جورج» للرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى هذا العام، تقديرًا لدوره المشهود في صنع السلام في منطقة شمال إفريقيا، وريادته كرجل دولة يحمل الأمل للقارّة السمراء. أما القديس جورج Saint George، أو جريس، أو جرجس، والمعروف في الأدبيات القبطية باسم «مار جرجس»، وفى الثقافة الروسية باسم «القديس جاورجيوس»، فهو رمز لجيش، أو قائد جيوش، تفانى في خدمة الوطن لإنقاذه من قوى الشرّ المتربصة، ورفع لواء السلام. ولهذا قصة تاريخية معروفة تمثّلُ القديس جورج معتليًا صهوة جواده، حاملًا رمحه ليدسّه في قلب تنين هائل. وغدَت القصةُ رمزًا لسحق الشر، المتمثِّل في ذلك التنين الصريع. وأما الرئيس المصرى البطل عبدالفتاح السيسى، فقد استحقّ ذلك الوسام لمحاربته قوى الشر نيابة عن العالم وسحقه يد الإرهاب السوداء، التي كانت تنتوى اعتصار عنق مصر والمنطقة العربية بأكملها منذ 2013 وإلى اليوم، حتى يصفو وجهُ الوطن خالصًا لأبنائه دون إرهاب ولا ترويع ولا تفجير ولا تكفير.

ولأن الرئيس السيسى يدرك «آليةَ الإرهاب»، وكيف يبدأ في «العقل» قبل أن يكمن في «فتيل القنبلة»، فقد حاول منذ اليوم الأول محاربةَ الإرهاب في مهده الأول، وهو «العقل والفكر المتطرِّف»، ونادى بتجديد وتصويب الخطاب الدينى، الذي منه يبدأ الإرهاب، ولا يتبقى إلا ضغط الزناد ونزع فتيل الفتك والويل والدمار وإهراق الدماء. لهذا أكّد في خطابه الأخير على ضرورة تصويب الخطاب الدينى، ليس فقط من أجل إنقاذ غير المسلمين من غيلاء التيارات المتطرّفة، بل في الأصل من أجل إنقاذ الإسلام نفسه من التشويه، وإنقاذ المسلمين من الوصم بالعنف والدموية واللاإنسانية، وهى الصفات التي تطال، للأسف، كل مسلم شريف، بسبب دموية الدواعش والإخوان والتكفيريين ممن ينتمون للتيار الإسلامى بكل أسف، ويحملون بالكذب اسم «مسلم»، ونحن المسلمين، والدين الإسلامى، منهم بريئون. ولهذا أكّد الرئيسُ السيسى على أن التقاعس عن مواجهة الفكر المتطرف، والتراخى في تصويب الخطاب الدينى، يترك الساحةَ شاغرةً ليحتلَّها «أشباه العلماء»، فيسرقوا عقولَ الشباب والناشئة ويزيّنوا لهم استباحة الدماء شهوةً للقتل والاعتداء.

والحقُّ أن كلمة «تصويب» أدقُّ من كلمة «تجديد»، وهى ما نحتاجُ إليه الآن حتى ننقذَ مصرَ والعالم من قوى الظلام والإرهاب الأسود. فحين يظهرُ رجلٌ بملء عضلاته ولسانه السليط على شاشات التليفزيون ليقول باطمئنان: «المسيحيون كفّار» (وهو يعلمُ عواقبَ ذلك من تفجير للكنائس وذبح للمسيحيين)، ولا يُعاقَب ويعود إلى بيته ليكرّر قوله المفخّخ على صفحته، فيكبِّر مريدوه ويتناقلوا التكفيرَ على صفحاتهم وفى مجالسهم، حتى تعمَّ البغضاءُ بين أبناء الوطن الواحد، فنحن إذن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. وأنْ يُعلّقَ أحدُ محالّ الأطعمة يافطة رخيصة تقول: «مطلوب موظفون، والمسيحيون يمتنعون»، ثم لا يُغلق محلُّه، فنحن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. وأنْ يخرجَ رمزٌ إسلامىٌّ ورسمى كبير في إعلان تليفزيونى قائلًا: «تبرّعوا لمستشفى كذا، لأنها تعالج أطفال المسلمين»، ثم لا يعتذرُ ولا يُلفت نظره، فنحن إذن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. أنْ يقومَ معلّمٌ جهولٌ بتوبيخ تلاميذ فصله المسيحيين قائلًا: «هو انتو عندكو دين؟!»، وغيرها من الجمل الشبيهة، ثم يستمر ذاك المعلمُ في عمله ولا تتحول الفضيحةُ إلى قضية رأى عام لكيلا يتكرر ذلك الهراء، فنحن إذن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. أنْ نظلَّ متمسكين بالمادة الثانية في الدستور المصرى، التي أُدخلت عُنوةً بمقايضة، بدلًا من تكريس مبدأ «المواطنَة»، فنحن إذن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. أنْ يكونَ بوسع شخص تكرار عبارة: «أهل الذمّة» دون أن يُعلَّمَ أن العبارة لا محلّ لها في مفهوم «دولة المواطنة»، فنحن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. أنْ يتفوّقَ طالبٌ مسيحىٌّ ويكون أول دفعته، ثم لا يُعيَّن معيدًا لتعسّف رئيس القسم وتطرفه، ثم لا يُقال المتطرفُ، فنحن إذن بحاجة إلى «تصويب» الخطاب الدينى، وليس تجديده. وليت المقالَ من ألف صفحة لأُعدِّدَ ظواهرَ مريرةً تستوجب التصويب لا التجديد. طوبى لمصر التي تحاربُ الإرهاب نيابةً عن العالم. ودائمًا «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».

twitter:@fatimaNaoot
نقلا عن المصرى اليوم