بالرغم من كونها عملية لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والتي غالباً ما تكون مصاحبة بألم جسدي ونفسي للناجيات منها أو مؤدية لموت ضحاياها إلا أن لا يزال العديد من الناس يرون فيها – بحكم الأعراف والموروثات الشعبية- وسيلة للحفاظ على شرف الفتاة، تلك الكلمة البغيضة التي يتوارى خلفها كافة أشكال العنف النفسي والجسدي، وأيضاً الجنسي، والذي تتعرض له الفتاة فقط لأن أهلها قرروا تحميلها ما لا شأن لها به، ولا طاقة.

 
وقد أعادت حادثة الطفلة ندى صاحبة الاثنا عشر عاماً – والتي لاقت مصرعها منذ أيام قليلة، بمدينة منفلوط التابعة لمحافظة أسيوط،  إثر إصابتها بنزيف حاد جراء تعرضها لعملية الختان – إلى أذهاننا  وقائع اجرامية أخرى حدثت لخمس ضحايا من الفتيات فقدن فيها حياتهن نظراً لتعرضهن لهذا النوع من التشويه.
 
الطفلة بدور:
وأول هؤلاء الضحايا هي بدور، تلك الطفلة ذات الاثنا عشر عاماً، ابنة مدينة مغاغا بمحافظ المنيا، والتي فقدت طفولتها وحياتها في 14 يونيو عام 2007 نتيجة لما ترسخ في عقل والدتها من أفكار خاطئة ربطت بين جريمة الختان وعفة البنات، فما كان منها إلا أنها أودت بحياة ابنتها عندما أخضعتها لهذه العملية الوحشية التي تنتهك حقوق الطفل والانسان.
 
الطفلة كريمة:
أما كريمة فهي ضحية أخرى لهذه العادة المجتمعية المسماه بالختان، فقد تعرضت كريمة رحيم مسعود صاحبة الثلاثة عشر عاماً، ابنة قرية كفر جعفر بمحافظة الغربية لهذه الجريمة في عام 2007، ونظراً لإصابتها بنزيف شديد فقدت حياتها على يد أحد الأطباء الذي اصطحبها والدها إلى عيادته لإجراء عملية تشويه الأعضاء التناسلية لها.
 
الطفلة نرمين:
وفي عام 2010 وقعت حادثة نرمين حداد، والتي كادت أن يختفي أثرها مع اختهاء جثة ضحيتها التي دُفنت في مدخل احدى قرى محافظة المنوفية من قبل أهلها خوفاً من أن يفضح أمرهم، وتنالهم المساءلة القانونية  جراء تعريض ابنتهم لمثل هذه الجريمة البشعة التي أودت بحياتها وهي في عمر الزهور إلا أن انقلب السحر على الساحر وتم الإبلاغ عن هذه الواقعة من قبل احدى الممرضات – والتي كانت شاهدة على هذه الجريمة – بعد نشوب خلاف بينها وبين الطبيبة التي أودت بحياة نرمين.
 
الطفلة سهير:
وفي 5 يونيو من عام 2013 باحدى قرى محافظة الدقهلية، لقيت الطفلة سهير الباتع ذات الثلاثة عشر عاماً حتفها على يد أحد الجراحين بعد إخضاعها لإجراء عملية الختان بتشجيع من والديها. وفي أقوالها أدلت الأم بأن سهير خضعت لهذه العملية، إلى جانب خمس فتيات أخريات إلا أنها الوحيدة التي توفيت جراء هذه العملية الخطيرة.
 
وعلى أثر ذلك تمت معاقبة كلا من الطبيب والأب بتحويلهما للمحاكمة الجنائية، والإبلاغ عن الطبيب الجاني لدى نقابة الأطباء.

الطفلة ميار:
وعن ميار محمد موسى، فهي الضحية الأكبر عمراً من بين هؤلاء الضحايا حيث أنها خضعت لعملية الختان بتأييد من والدتها، وهي في عمر السابعة عشر عاماً باحدى المستشفيات الخاصة بمحافظة السويس حيث تعمل والدتها كممرضة، وذلك في عام 2016.
 
وعلى الرغم من إجراء العملية لكل من ميار وشقيقتها التوأم في اليوم ذاته، إلا أن ميار وافتها المنية إثر هذه العملية.
 
وقد قامت النيابة حينها بالقبض على الأم واستجوابها إلا أنها أنكرت في البداية حقيقة إخضاع ابنتها ميار لعملية الختان، معللة على ذلك بأنها كانت عملية تجميلية فقط لمنطقة أسفل البطن فيما كشفت التحريات بعد ذلك أنها أدخلت ابنتيها المستشفى من أجل تختينهما.
 
وأرجعت التحريات سبب ذلك بعد الاستماع إلى الشهود وأقارب الضحية أن الأم هي من تولت تربية أطفالها بعد وفاة والدهم – الطبيب الشهير – وكانت تحرص دائماً على حمايتهم والمحافظة عليهم من الخطر لذا لجأت إلى تختين ابنتيها من أجل الحفاظ على عفتهما كما هو السائد في العرف الشعبي.
 
وفي عام 2016 أُجريت بعض التعديلات على النصوص القانونية التي تجرم عملية الختان، لتغليظ العقوبة التي سينالها كل من تسول له نفسه – من أهل أو أطباء- القيام بهذه الفعلة الشنعاء، ومن بين هذه النصوص المعدلة:
 
معاقبة من ينتهك حرمة جسد الفتاة بالإقدام على الختان مسبباً عاهة جسدية مستديمة أو وفاة الضحية بالسجن المشدد.
السجن لكل من يقوم بإخضاع الفتيات للختان، وتعريضهن لخطر هذه العملية بمدة لا تقل عن الخمس سنوات، ولا تزيد عن السبع سنوات.
وعلى الرغم من سن وتعديل مثل هذه القوانين، وانتشار العديد من الحملات التوعوية إلا أن ظاهرة الختان لا تزال منتشرة في المجتمع المصري رغم خطاب التحذير الموجه باستمرار إلى الأهل والأطباء، فتبعاً لإحصائيات عام 2014 تعرض 21% من الفتيات بين عمر 17  عاماً إلى الختان، فيما تعرض لها 65% من الفتيات  بين عمر 16-17 عاماً، كما أقرت الإحصائيات أن 37% من الأمهات المصريات يعتزمن علي تختين بناتهن.
 
ومع ذلك هناك مؤسسات معنية بالأحوال الاجتماعية المصرية، وحقوق المرأة لا تزال تكثف من جهودها وحملاتها المستمرة للقضاء على هذه الظاهرة، غير أن الأهم من إنطلاق هذه الحملات التوعوية المخاطبة للمجتمع، هو الحفاظ على استمراريتها حتى تؤتي بنتائجها بالتغلب على هذه العادة المشينة التي لاتزال سائدة بشدة في المجتمع.