أمينة خيرى
تشهد مصر كماً من الأعمال لم تحدث فى نصف قرن، طرق ومشروعات إنتاجية وأنظمة صحية وتطوير التعليم ومدن جديدة وتطوير عشوائيات ومواصلات عامة آدمية والقائمة طويلة جداً، ومن ينكر فهو لا يرى أو لا يريد أن يرى، ولا يخفى على أحد أن هذه القائمة الطويلة جداً من الأعمال، وهى مستمرة دون هوادة ودون ضجيج، تحتاج لمواطنين مسئولين يحسنون استخدامها ويصونون بنيتها، وجميعنا أيضاً يعلم أن إساءة الاستخدام تأتى بسبب عدم الإلمام بقيمة الخدمات ونقص الوعى فيما يختص بالملكية العامة وغياب كامل لمفهومى المسئولية الاجتماعية والحرية الشخصية.

مقاعد القطارات المقطوعة بأدوات حادة، تلال القمامة فى الشارع، أكوام «الردش» على جانب الطريق، تلطيخ الجدارات بإعلانات عن خدمات هى على الأرجح من نوعية «تحت بير السلم» أو إشهارات دينية أو عبارات عاطفية، إشغالات الأرصفة ونهر الطريق، خرق قوانين المرور بحجة أن إدارة المرور غائبة، وغيرها من التصرفات التى تعكس غياباً كاملة لمنظومة أخلاقية.

والمنظومة الدينية القائمة على التحليل والتحريم تنفع وتجدى أحياناً فى اكتساب بنيان قيمى جيد، لكنها فى أغلب الأحوال لا تتطرق إلى التفاصيل الدقيقة للحياة المدنية فى العصر الحديث. من جهة أخرى، فالمفترض أننا دولة مدنية حديثة، ترسم القوانين حدود العلاقة بين المواطنين وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ هذه القوانين، وليس سواها. وبالطبع يفترض أن يكون أفراد هذه السلطة على دراية كاملة ووعى شامل و«اقتناع» لا ريب فيه بقيمة القوانين وجدواها والغاية منها.

والغاية من هذه الكلمات هى أن علينا أن نسارع الزمن من أجل تأهيل أنفسنا للتعامل مع هذا الكم المذهل من الأعمال العظيمة حتى لا نكون كصاحب البيت المتهالك الذى يأتى بأفضل المقاولين والعمال ومهندسى الديكور ليتم تجديده، وما إن يسدد فاتورة التجديد الضخمة ويتسلم بيته فى حلته الجديدة الأنيقة حتى يبدأ فى تهشيمه وتقبيحه، بحجة أن البيت بيته وهو حر يفعل به ما يشاء، أو لاعتقاده أن ذلك حرية شخصية رغم أن بقية أفراد أسرته يعيشون معه ويشاركونه غرفه وخدماته.

الخدمة الجليلة والعظيمة التى يمكن للإعلام، لا سيما المرئى والمسموع، أن يقوم بها هى تبنى مسألة الأخلاق أو السلوكيات (ولن نقول الإتيكيت لأنها تسبب أرتيكاريا للبعض باعتبارها زندقة أو ثقافة مدسوسة من الكفار)، تبنياً مستداماً، ونكون من الشاكرين المهللين لو قرر القائمون على أمر الإعلام المسموع والمرئى أن يتم إدماج «الأخلاق» كمكون رئيسى فى المحتوى، على أن يتم ذلك بخطة مدروسة وليس «يلا نعمل برنامج»، ومع البعد التام عن الوعظ والإرشاد، والتهديد والوعيد، والصريخ والزعيق، والمنظرة والفشخرة. حق الطريق، قواعد القيادة، حق الجار، حق الرصيف، قواعد استخدام المحمول فى الأماكن العامة، كيفية التخلص من القمامة، بديهيات استخدام الحمامات العامة دون التسبب فى تفشى الأمراض وانتشار القرف، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية، وفى حال لاقت الفكرة استحساناً، فعلى القائمين عليها أن يعوا أن المجتمع المصرى ليس مسلمين فقط أو مسيحيين فقط، وأن الأخلاق تحتاج العودة إلى «ما يصح» و«ما لا يصح»، وليس «الحلال» و«الحرام» فقط.

الشق الثانى فى مسألة محاولة استعادة الأخلاق الضائعة فى مجتمعنا يتعلق بالشرطة التى تحتاج منا إلى كل دعم ومساندة فى المهام الصعبة الملقاة على عواتقهم، وهى تحتاج منا كذلك إلى المساعدة فى اقتراح موارد للتدريب والتأهيل للمهمة الجديدة، والمهمة الجديدة ليست استحداث شرطة للأخلاق، حيث توقيف كل شاب وفتاة لسؤالهما عن نوع العلاقة بينهما، وليست إلقاء القبض على مرتادى المطاعم فى نهار رمضان، ولكنها تطبيق القانون فى مسائل مثل السير العكسى، وتجاوز السرعة، ونزع لوحات الأرقام، ووضع الملصقات على زجاج السيارات، والتحرش بالنساء، وفرض إتاوات من قبل السياس على أصحاب السيارات، وانتشار المتسولين فى كل ركن، وسير التوك توك رغم أنف الجميع، وغيرها من المهام المعروفة، وذلك بمنتهى الحسم بعد التوعية، وفى سياق القانون، ودون استثناءات.

الشق الثالث -وهو الأصل فى تجذير- الأخلاق هو التعليم. والحمد لله أن الوزارة اسمها «التربية والتعليم». والحقيقة أن عملية تطوير التعليم الشاملة التى تدور رحاها فى العملية التعليمية، سواء فى إعادة هيكلة رياض الأطفال والسنوات الأولى من التعليم الأساسى، أو فى جهود تغيير «ثقافة» التعليم فى المرحلة الثانوية، حيث بعض من التفكير النقدى وقليل من البحث عن المعلومة غير المقيدة بالمنهج الجامد وامتحانات تقيس الفهم والهضم، هى تناول غير مباشر لقضية الأخلاق المأزومة'> الأخلاق المأزومة، لا سيما أن تجربة تدريس مادة «الأخلاق» قبل سنوات كانت فاشلة باقتدار نظراً لعدم واقعيتها.. أخلاقنا مأزومة وقد دخلت مرحلة الخطر.
نقلا عن الوطن