كتب – روماني صبري
تحل اليوم 25 يناير ذكرى ميلاد المخرج المصري العالمي يوسف شاهين، الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1926، صاحب القول المأثور الشهير "إذا أردنا أن نعرف الفنان الملتزم فهو الذي يتقبل مسؤوليات اختياره بسلبياته وإيجابياته"، والذي عانى الكثير من المشقة في حياته بعدما انتقد وعارض الجماعات الجهادية المتطرفة في مصر لنشرها التعصب والإرهاب فبات عدوا لهم ليزعموا أن أفلامه من الضلالات وتنشر الفسق والفجور .. كشف شاهين في فيلمه الشهير "العصفور" إنتاج 1973 السبب الحقيقي للنكسة دون لف أو دوران وكان الفساد الذي ضرب البلاد والمجتمع، ليطالب في الفيلم ذاته بضرورة خوض الحرب مع إسرائيل حتى ينعم المصريين بالحرية، وفي إطار ذكرى ميلاده نبرز في السطور المقبلة أهم المحطات في حياته.


البداية
ولد "يوسف جبرائيل شاهين"، مسيحي كاثوليكي، في العام الذي أتيت على ذكره في مدينة الإسكندرية، التي كان يكن لها الشعور الطيب والاحترام، والده كان لبناني كاثوليكي من شرق لبنان في مدينة زحلة، أما والدته فكانت من أصول يونانية هاجرت أسرتها إلى مصر في القرن التاسع عشر، ولان أسرته كانت متوسطة الحال تكبدت الكثير من المعاناة حتى يحصل ابنهم على تعليم جيد، ليلتحق بكلية فيكتوريا الشهيرة ويحصل على الشهادة الثانوية، بعد ذلك التحق بجامعة الإسكندرية، وكونه عرف حب الفن مبكرا سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية  ليدرس الإخراج والتمثيل المسرحي في معهد پاسادينا المسرحي "پاسادينا پلاي هاوس ."


زواج يوسف شاهين

 لماذا السينما ؟
بعدما انهي دراسة المسرح شعر انه لن يحقق له غايته في التعبير عن كل ما يدور داخله، فرأى أن السينما "الفن السابع" ستفيده كثيرا في ذلك، كونه يمتلك رؤية شخصية في الحياة والسياسة والحب، وبالفعل منحته السينما كل الحرية في التعبير عن الذات.


هنحارب .. هنحارب
دفع باسم شاهين إلى قائمة المخرجين الأكثر جدلا وجراءة في العالم، بعد فيلمه الشهير "باب الحديد"، الذي نجح في كشف واقع الفقراء والمهمشين، وكيف ينظرون للحب ورغباتهم الجنسية، إلى جانب سبر أغوار النفس البشرية، وكذا في فيلمه الآخر "العصفور"، الذي اختار فيه الفنانة الراحلة "محسنة توفيق" لتجسد دور "بهية" التي باتت حتى يومنا هذا رمزا للوطنية ، والفيلم من بطولة صلاح قابيل وعلي الشريف وسيف عبد الرحمن ، وصلاح منصور .


في نهاية  فيلم العصفور ركضت بهية إلى الشارع صارخة : هنحارب .. هنحارب .. هنحارب .. هنحارب ، ما جعل المئات من الشباب ينضمون إليها مرددين الهتاف ذاته، ما مثل ضغط على الرئيس محمد أنور السادات كون الفنانين ظنوا وقتها انه لا يريد خوض الحرب مع إسرائيل، رغم انه كان ينتوي ذلك لكنه استخدم إستراتيجية حربية تعتمد على تمثيل الضعف للعدو أولا حتى يطفح داخله الشعور بالنصر، ثم الانقضاض عليه.

ليعكس ذلك المشهد الذي أدته توفيق ببراعة شديدة رغبة الشعب المصري في خوض الحرب ضد إسرائيل لتحرير سيناء بعد تنحي الرئيس جمال عبد الناصر، والجدير بالذكر أن العصفور عرض عام 1972 أي قبل حرب 73 بعام .


بداية الخلافات مع الرقابة
وكان كشف الراحل في إحدى التصريحات، أن فيلمه الأول في عالم السينما كان "بابا أمين" إنتاج 1950، معتبرا إياه من التجارب الجديدة المختلفة في السينما آنذاك كونه سلط الضوء على ماهية الحياة والموت، ما اغضب الرقابة فأمرته بتغيير النهاية، ليعلن لهم عن غضبه الشديد جراء الكيفية التي يعتنقونها لقمع التعبير والفنانين بزعم أن هذه الأفكار تضر بالدين.

وقدم شاهين طوال مسيرته عددا كبيرا من الأفلام العظيمة  منها المصير، الاختيار، الأرض، جميلة بوحريد، باب الحديد، ، ابن النيل، إلى جانب أفلامه شديدة الذاتية مثل : حدوتة مصرية، إسكندرية ليه، إسكندرية كمان وكمان، إسكندرية نيويورك.

يوسف شاهين مع النجم الفرنسي ميشيل بيكولي ومحسن محي الدين وبوستر “وداعاً بونابرت

الجوائز
حاز شاهين على عدد كبير من الجوائز العالمية ومنها : التانيت الذهبية من أيام قرطاج السينمائية عن فيلم الاختيار عام 1970، الدب الفضي من مهرجان برلين السينمائي عن فيلم إسكندرية... ليه؟  عام 1979، أفضل تصوير من مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلم إسكندرية كمان وكمان  عام 1989، مهرجان أميان السينمائي الدولي عن فيلم المصير  عام 1997، الإنجاز العام من مهرجان كان السينمائي عن فيلم المصير عام 1997.

الرحيل
شهد يوم 27 يوليو عام 2008 رحيل شاهين عن عالمنا اثر إصابته بنزيف في المخ، تاركا خلفه أرثا من الأفلام السينمائية الهامة في تاريخ مصر، فيشيع محبوه جثمانه بهتافات "طول ما فينا مبدعين.. طول ما فينا عرقانين.. يبقى فيه يوسف شاهين."

يوسف شاهين مع الممثلين في فيلم إسكندرية نيويورك..والصورة غالباً أثناء مهرجان كان ويظهر فيها يسرا و ليلبلة و يسرا اللوزي و أحمد يحي