الدكتورة سعاد صالح، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، اعتذارك مقبول للمذيع وللقناة، وهو ضرورى لاستمرار برنامجكم عن الفتاوى، فالمكسب الوفير والربح الغزير هو الذى دفعك لهذا الاعتذار ليس إلا، ويتكبده المشاهد البائس الذى يظن أن الحياة لا تسير إلا بالفتوى التى تمكنت منه ومن حياته، وأصبحت أياديكم تتلمس أجساد الناس فى الاستحمام والنيام، وتتحسس أجساد النساء والبهائم والرجال عند الركوب والاعتلاء، وتشارك الناس المأكل والمشرب، ودخول الخلاء، وتربت على كتف راكب الناقة والسيارة، وتكتب للبؤساء العلاج والدواء، وتبارك الزواج كما تبارك الطلاق، فوقفت حركة الحياة حتى يتساءلوا، فلا يسأل إلا من جمد عقله، واحتار يقينه، وشُلّت إرادته، وهم بفضلكم كثر، وما زالوا يتكاثرون. اعتذارك يا دكتورة غير مقبول لنا، فلا يحق لك الاعتذار عن خطأ الغير، ولن نرضى سوى محاكمة كل الذين أساءوا للإنسانية فى تاريخنا، ولم يحترموا العقل هبة الله، وأهانوا الإنسانية كلها وهى من خلقه، فجرائم التغييب وسرقة العقول لا تسقط بالتقادم، كما لا تسقط جرائم التعذيب، والجريمتان يزخر بهما تاريخنا.

 
عن ماذا تعتذرين؟
عن جواز زواج الرجل لابنته من الزنا على مذهب الشافعية والمالكية، أو عن حمل المرأة جنينها فى بطنها على المذاهب الأربعة من سنتين إلى ستة، أو عن قتل تارك الصلاة عمداً، وتاركها غافلاً بعد استتابته ثلاثة أيام على المذاهب الأربعة، والممتنع عن الزكاة على مذهب أبى بكر، أو عن قتل البهيمة المنكوحة من آدمى وحرقها وعدم أكل لحمها على مذهب أحمد والشافعى، أو عن قتل المعصوم بالإسلام الزانى المحصن والمرتد دون استئذان الإمام أو الحاكم، أو عن عدم القصاص من المسلم إذا قتل المسيحى عمداً لأنه أنقص منه، ودماؤهما لا تتكافأ على المناهج الأزهرية، أو عن عدم جواز شهادة أهل الذمة على المسلم على مذهب مالك والشافعى، أو عن قتل الكافرين أينما وُجدوا وحلوا على مذهب ابن تيمية، أو عن أكل جزء من المرأة حين الجوع القاتل، أو عن تركها للمغتصبين مخافة هلاك زوجها، أو عن حرمة تهنئة الزوجة الكتابية واعتبار العلاقة الزوجية اغتصاباً على مذهب كل السلفية، أو عن الاستمتاع بالأسيرات وإذلالهن على مذهبك، أو عن حرمة حلق اللحية، أو عن مضاجعة الرجل لزوجته الميتة مدة ست ساعات «مضاجعة الوداع» أو عن رضاعة الكبير خمس رضعات مشبعات من حلمة الثدى مباشرة، أو عن التداوى ببول الإبل إكسير الشفاء وإنكاره إنكار للسنة، أو عن عدم أحقية الزوجة للدواء إذا كبرت وعجزت عن إشباع شهوة الرجل، والكفن إن ماتت، أو عن ختان البنات الذى أصبح مكرمة للمرأة ومن شعائر الإسلام، ولو اجتمع أهل بلد على ترك الختان لقاتلهم الخليفة أو الإمام، أو عن صوت المرأة العورة، وشؤمها كالحمار والكلاب، وعدم جواز ارتدائها ألبسة بيضاء أو شراباً، وحرمة جلوسها على الكرسى، وأكل الموز أو الخيار دون تقطيع، واعتبارها زانية إذا تطيّبت وتعطرت. أو عن دية المرأة والأمة والكتابى نصف دية الرجل، أو عن إنشاء سوق النخاسة لبيع العبيد والإماء والأطفال من الغزوات للمقاول الحوينى. لو عددنا عليكم غرائب ما تقولون وتفرضون على الناس من فتاوى منذ قرون، لأصابنا العته والجنون، لا تعتذرى عن تاريخ لا يُقبل فيه اعتذار.
 
هل راجعتِ تاريخك يا دكتورة؟!
، تضيفين ما يخجل منه إلى قائمة الاعتذارات، عن قائد إذا صعب وتعسر عليه فتح قرية أو مدينة، بعد حصارها وتجويعها وتعطيشها، أحرقها عن بكرة أبيها بأطفالها ونسائها وشيوخها، ألا يستوجب هذا الاعتذار؟ وقائد يقسم أن يحول نهراً من المياه إلى نهر من الدماء ممن أراد منهم أن يسلموا ويؤمنوا، ويرفضون، ألا يستوجب هذا الاعتذار؟ وقائد همام يجر الآف السبايا العذارى من بنات الصفر بعد خطفهن من البيوت بالسلاسل والأصفاد إلى الخليفة ليختار منهم نساءه وإماءه وجلساءه ومن يضاجع، ألا يستوجب هذا الاعتذار؟ عن قائد يغزو أمازيغ شمال أفريقيا ويسبى ستمائة ألف أسير مقيدين بالسلاسل والجنازير ويسوقهم كالإبل آلاف الأميال، وكان نصيبه منهم خمسين ألفاً، ألا يستوجب هذا الاعتذار؟ وآخر مصائبهم هذا المؤمن الذى دهس بشاحنة أبرياء فى منهاتن بنيويورك، ثم يستكمل ضرب النار على أوتوبيس مدارس للأطفال. أضيفى هذه الأخيرة يا دكتورة لجموع الجرائم التى تلزمنا الاعتذار. فلا تتنابزوا وتتناغشوا وتتفاخروا وتتزينوا بالقبيح من الفعل والقول، هؤلاء وآخرون فى تاريخنا كانوا أمراء حرب، جزارين وتجار سلاح ونساء، وسارقى أموال الناس بالباطل، ولا يهمهم نشر الإسلام السمح الكريم قدر إشباع رغباتهم ونزواتهم وزيادة ثرواتهم وحبهم للمال وولعهم بالنساء.
 
وورث عنهم أحفادهم أسوأ موروث، فصدّروه للدنيا، وخاصموا به العلم والفن والجمال، وزيّنوا صدورهم بالقبح والعار، ثم تختمين حديثك وأنت امرأة تشعر بقهر المرأة إذا اغتُصبت، وتقولين عن الرجل المسلم يستمتع ويغتصب نساء الأعداء لإذلالهن، والله لقد خجلنا لك؟ يا دكتورة، اللون الأحمر فى تاريخنا لا يكفيه الاعتذار.