الفرشاة والألوان والأوراق، الأسلحة السلمية التي تمسكت بها "رحمة ياسر"، ذات الـ16 سنة، طوال فترة مرضها التي دامت لأكثر من عامين، مع السرطان في المثانة، موثقة رحل تعافيها في لوحات عدة، رسمتها داخل الورشة الفنية بالمستشفى.

قبل 6 سنوات كانت "رحمة" تعاني باستمرار من نزيف في البول، ظن الأطباء في بداية الأمر أنه نتيجة وجود التهابات وقرح، لكن بعدما ساءت حالتها، طلب أحدهم إجراء أشعة مقطعية ومنظار لفحصها، لتأتي نتيجتها، بحسب كلام الطبيب، أنها مصابة بسرطان في المثانة.

لم تكن هذه الكلمات هيّنة على أسرتها، وخصوصا والدتها التي ظلت تبكي بحرقة حزنا على ابنتها الصغيرة، حتى نصحها الطبيب بالذهاب لمستشفى "57357" لتبدأ العلاج هناك، مؤكدا لها أن حالتها لا تتحمل أي تأخير، بحسب كلام الأم، التي لم تتردد في التوجه للمستشفى الذى أجرى لها بعض الفحوصات مجدداً: "كان معايا كل ورقها وجيت بيها على هنا، والحمد لله اتقبلت على طول، وعملوا ليها منظار جديد، فضلت أسبوع مستنية نتيجته تظهر، كنت بموت كل يوم، وبدعي إنه يكون حميد، بس للأسف الدكاترة أكدوا إنه كانسر في المرحلة الثالثة".

لم يكن أمام "رحمة" سوى الخضوع للعلاج الكيماوي بعدما أكد لها الأطباء صعوبة استئصال الورم لوجوده في جدار المثانة، حيث خضعت الطفلة لـ40 جلسة كيماوي، بخلاف 30 جلسة إشعاع أنهكت جسدها الضعيف: "كانت بتتألم في كل جلسة، وبتاخد مسكّنات كتير، لكن مكانتش بتجيب معاها أي نتيجة، وما بقتش تاكل لحد ما وزنها وصل لـ17 كيلو، كنت بتعذب لما بشوفها، بس قدامها بحاول أقوّيها وأسندها".

كانت لجلسات الكيماوي التي تخضع لها "رحمة" مضاعفات عديدة، أهونها، بحسب كلام الأم، سقوط شعرها جلسة بعد الأخرى، مشيرة إلى أن طفلتها الصغيرة واجهت لحظات مريرة، ما بين ألم وضعف وقلق، فالأمر لم يكن هينًا أبدا عليها، وخصوصاً بعدما فقدت سمعها: "رحمة كانت بتسمع بنسبة 50%، وبتلبس سماعة تحسّن السمع عندها، لما بدأت الكيماوي مبقتش تسمعني زي الأول، ده غير إن الورم كان في منطقة حساسة بقت تخاف وتعيط كل ما حد يقرب منها، فهي قاست كتير لدرجة إني كنت بقول يا رب لو هتفضل تتعذب كده ارحمها برحمتك أحسن".


"رحمة" لم تستسلم لعدوها اللدود، ففي فترة مرضها، حاولت تخفيف آلامها المستمرة بـ"الرسم" الذي اعتادت عليه منذ طفولتها، فكانت كلما زاد الألم في جسدها تتوجه للورشة الفنية التي تقع بالدور الثالث بالمستشفى للتخلص من الطاقة السلبية، ثم عرض لوحاتها التي تنتهى منها في المعرض لبيعها للجمهور، فضلاً عن مشاركتها في معارض كثيرة داخل مصر وخارجها، من بينها معرض تابع لمؤسسة الأهرام وآخر أقيم في دبى، الأمر الذى ساعدها كثيراً في التعافي من المرض اللعين، بحسب كلام الأم مضيفة: "الحمد لله، ربنا كرمها وتعافت من المرض الخبيث من حوالي 5 سنين، والمفروض إننا نيجي هنا كل 3 شهور نعمل متابعة، بس بنتي اتعلقت بالمكان وبصحابها اللي لسه بيتعالجوا، فعلى طول بنيجي الورشة تقعد معاهم وتمارس هوايتها اللي ليها دور في إنها ترجع لحياتها".