كتب ... إيهاب رشدي 
مع انتشار فيروس كورونا المستجد ، عاد من جديد الجدل حول ملعقة التناول أو الماستير كما تطلق عليها الكنيسة القبطية ، وهى الملعقة التي يستخدمها الكاهن لمناولة الأسرار المقدسة خلال القداس الإلهي، وأصبح الماستير مثار جدل بين قطاع كبير من المسيحيين ، ما بين موافق ورافض لاستخدامه في المناولة من الكأس من فم لآخر .
وعن تاريخ استخدام ملعقة التناول 
+ يقول الدكتور جرجس يوسف المترجم والباحث في الأبائيات أن  المؤمنين كانوا يتناولون  مباشرة من الطبق أو الكأس، و لكن كان بعض فتات الخبز المقدس وقطرات النبيذ المبارك تتناثر على أرض الهيكل، وخوفا على قيمة السرائر بدأ يقتصر التناول على الكاهن وكان قبله الشماس يشترك في توزيع السرائر، لكن بعد تمكن سلطة الأساقفة في القرن الرابع منعوا العلمانيين أو الشعب من التناول المباشر بأنفسهم ومنعوا الشمامسة من الاشتراك في توزيع الذخائر، ومن هنا جاء اختراع الملعقة ، وفى القرن التاسع أخذت الكنائس الغربية أيضا باستخدام الملعقة . 
 
وتابع باحث الأبائيات أن القديس كيرلس الأورشليمى وصف من يتقدم للتناول بأنه يبسط يده بشكل فيه حب وتوقير قائلا " لا تأت برسغيك ممدودتين أو أصابعك منفردة، لكن اجعل يدك اليسرى عرشًا ليدك اليمنى، كأنك تستقبل ملكًا، وقد جوّفت راحة يدك لتقبل جسد المسيح قائلاً: آمين. وهكذا بعد أن قدست عينيك بعناية بلمس الجسد المقدس اشترك فيه منتبهًا لئلا يُفقد جزء منه… اخبرني، إن أعطاك أحد حبوبًا من ذهب ألاّ تمسكها بكل عناية حارسًا لها من الضياع والخسارة ؟ أليس بالأولى إذن أن ننتبه حتى لا يسقط فُتات مما هو أغلى من الذهب والحجارة الكريمة؟ " وهنا – والكلام للدكتور جرجس يوسف - " يتضح أن المشترك في التناول كان يتناول الجسد براحة يده وقد طبقها بحرص شديد ووقار عظيم كمن يقبض على جوهرة سماوية. 
 
وعن غمز الخبز المقدس في كأس التناول والذي يرى " يوسف " أنه بات ضروريا لإبطال شكوك بعض المرتابين الذين قد يحجمون عن بركات السر بسبب الضجة والبلبلة الحالية، فقال أن البابا يوليوس الأول بابا روما ،  أول من ذكر نظام غمس الخبز في الخمر في القرن الرابع وكان قداس المرضى والأطفال هو  الدافع وراء ذلك ، فمن جهة يسهل نقل الذخائر إلى بيت المريض ومن ناحية يسهل على الطفل في ليتورجيا الأطفال أن يبلع الذخائر.
أما أول ذكر لطقس غمس الخبز في الخمر فكان في الكنائس الشرقية في القرن السابع الميلادي ويؤكد التاريخ – ولازال الكلام للدكتور جرجس يوسف - أن الشرق لم يعترض على ممارسة طريق الجسد المغموس بالدم، ولم نقرأ حتى الآن عن مجامع احتجت على ذلك ولا قوانين صدرت بالتحريم والمنع . 
وعن إمكانية تغيير الطقس والتفكير العقلاني في التناول من الكأس بالكنيسة القبطية ، وهو الفكر الذي عبر عنه كثيرون على صفحات التواصل الاجتماعي ، يقول أحد الخدام القدامى بالكنيسة القبطية ( طلب عدم ذكر اسمه ) أنه من حق كل شخص أن يؤمن بطريقته وأسلوبه ، وقصة توما الرسول خير شاهد علي ذلك لأنه لما شك ، لم يطرده التلاميذ ، ورب المجد يسوع نفسه نادي عليه وأراه أماكن المسامير والحربة ولم يحرمه من الشركة ، لأنه فكر بصوت عالي أو إنه شك.!!
 
وعن الطقوس والأواني قال أنها أساليب متغيرة مع الزمن حسب الظروف وليست منزلة من السماء ، ولا يوجد أي عائق أبدا في تغيير أو تبديل أي طقس أو أسلوب في العبادة تمشيًا مع قوانين الصحة والسلامة والعلم ، وإلا نكون فقدنا عقولنا ونتصرف بجمود ،  وتابع بأن أسرار الكنيسة هي عطايا روحية لغفران الخطايا وللشركة مع الثالوث وللحياة الأبدية وفي بعض الظروف تحدث معجزات من خلالها تبعًا لإرادة ربنا ورؤيته للأمور ، وتبعًا لإيمان الشخص الذي حصلت معه المعجزة ولكن ليس بشكل قاطع وإلا فلماذا لم يُشفى أبونا بيشوي كامل من مرض السرطان ، وكذلك الكثير من الآباء الأساقفة والكهنة الذين يتناولون كل يوم ويسافرون للعلاج في الخارج . 
 
وقد أكد هذا الخادم .. أنه قد ورد في  الخولاجي المسعودي وخولاجي دير المحرق طرق مختلفة للتناول ومنها  غمس جزء من الجسد في الدم داخل الكأس وأن هناك صلوات ومردات مختلفة بالخولاجى أيضا ، حسب طريقه وأسلوب التناول .
 
وعلى الضفة الأخرى من نفس القضية يقف الكثيرون من الأقباط معلنين إيمانهم بأن ملعقة التناول لا يمكن بأي حال أن تكون ناقلة لعدوى ، ومنهم عصام نسيم  أحد خدام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكاتب بالمواقع القبطية ، الذي يقول أن سر التناول هو شفاء لأرواحنا وأجسادنا كما نصلى في القداس الإلهي ولا يمكن بل مستحيل أنه يكون سببا لأي مرض ، فهذا ضد إيماننا ، وتابع قائلا أننا نرفض غمس الجسد في الدم لأن السيد المسيح قال : خذوا كلوا هذا هو جسدي وبعد ذلك قال خذوا اشربوا هذا هو دمي ، أي أن كل منهما منفردا وليس بالغمس فنحن استلمنا ذلك من المسيح نفسه .
 
وأضاف بانه لو تماشينا مع المتشككين في أن الماستير يمكن أن ينقل العدوى ، فنقول لهم ليس الماستير فقط هو الذي ممكن أن يسبب العدوى ، لأنه عند تناول الجسد يضع أبونا يده في فم كل متناول ، وكذلك فان الجلوس بالكنيسة بجانب أي شخص مريض ينقل لك المرض ، وكذلك الوقوف في طابور التناول و لقمة البركة , والقبلة المقدس ، ومدارس الأحد والاجتماعات في الكنيسة ، ويرى " نسيم " أن الموضوع ليس ملعقة التناول  ولكنه استغلال من البعض الذين يريدون تغيير طقس الكنيسة .
 
وقد أعلن المطران نيقولاس أنطونيو، مطران طنطا والمتحدث الرسمى باسم كنيسة الروم الأرثوذكس ، تأكيده على أن الكنيسة على مر التاريخ لم تسجل يوما أي عدوى بسبب التناول ، وقال عن ملعقة التناول أنها لو كانت ناقلة للعدوى لكان من المفترض أن أول من يصاب بالعدوى هم الكهنة والشمامسة الذين يتناولون كل ما تبقى من الكأس بنفس الملعقة ، وأضاف بأن هناك كهنة يخدمون في مصحات الجزام ويتناولون كل ما تبقى في الكأس بالملعقة نفسها بعد مناولة المرضى ولم يصابوا بالمرض ، وكذلك هناك الكثير من الأطباء والعاملين في الحقل الطبي والأبحاث يتناولون من الملعقة . 
 
وتابع الأب المطران قائلا أن ما نتناولُه هو جسدُ الربِّ ودمُه المقدّسان، وليس خبزًا ونبيذًا ، وان الهدف الأساسي منه في حياتنا هو القداسةُ والتَّحرّرُ مِن الأهواءِ، واكتسابُ الفضائل، ومغفرة الخطايا والحياة الأبدية والثبات في الرب . 
 
واختتم كلامه مستندا إلى ما قاله إشعياء النبيّ: " فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ». (إشعياء ٦:٦-٧).
 
ويطالب البعض من الكنيسة بأن تحسم هذا الجدل الذي لازال متنقلا  بين المعارضين والمؤيدين يتلقفه  أفراد كل فريق ، ليعاودوا  إلقائه في الملعب الآخر ، بينما يظل كثيرون ، تأخذهم الحيرة ما بين قلوبهم وعقولهم .