كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م
طالب الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا وأبو قرقاص، المسيحيين ألا يهونوا من خطورة فيروس كورونا وضرورة إتباع التعليمات وتجنب التجمعات حتى لا يتفشى الوباء.
 
وقال الأنبا مكاريوس في تدوينة عبر حسابه بالفيسبوك، ما زال الحديث يدور حول "وباء كورونا"، ولا يليق بنا أن نهوِّن من حجم الخطر المُحدِق بالعالم.. فإذا قامت الحروب فلا بد أن نكون مستعدين، وإذا حذّروا من الوباء فلنحذر الوباء، وإذا نبّهوا إلى الزلازل والحريق والبراكين والمجاعات فلنحذر هذه أيضًا، فقد حدثت بالفعل مثل هذه ومات كثيرون، ومنهم قديسون ماتوا بالوبأ مثل القديس باخوميوس أب الشركة، والذي راح يطوف بين المصابين بالطاعون يقدم لهم أنواعًا من العون، مثلما مات "باسيل هانسن" بالجزام وهو يحيا بين المجزومين يعالجهم، وقديسون افترستهم الوحوش، وآخرون ماتوا بطرق مشابهة، ولم ينقص هذا من قداستهم؛ فليس مُهمًّا كيف وأين مات الشخص؟ وكم عاش؟ ولكن المهم: كيف عاش ما عاشه من السنين؟
 
وتابع في مقاله عبر حسابه بالفيسبوك، اجتمعنا بمندوبين عن جميع الكنائس، وشرحنا لهم ما يجب أن يعرفوه عن "كوفيد 19" بالصور والفيديو، وذلك من خلال مجموعة من الأطباء والصيادلة والمتخصصين، سواء من جهة نشأته وتطوّره وخطورته، أو كيفية الوقاية من الإصابة به، ثم كيفية التعامل مع الحالات المشكوك فيها، ثم كيف نتابع باستمرار تعليمات وزارة الصحة وتقاريرها وقرارات الحكومة.
 
ولكن ما معنى ما يقوله الرب: لا تخف.. ولا تضطرب.. ولا ترتع.. ولا تجزع؟
لقد لاحظتُ خلال الأيام القليلة الماضية، أنه بينما ارتعب البعض، وخاف البعض الآخر، وتوجّس البعض الثالث، فإن هناك أشخاصًا لم يهتزّوا ولم يقلقوا، وتعاملوا مع الأمر ببساطة شديدة.. تُرى ما هو السبب في ذلك؟ هل هي عدم المبالاة، أم الإيمان القوي والثقة في الله، أم ماذا؟.
 
وتابع، عندما تحاورت مع بعضهم حول الأمر، قالوا: نحن بنعمة المسيح مستعدون، لسنا قديسين، ولكننا منتبهون أننا قد نموت في أي وقت بأسباب متعدّدة، ومع ذلك فإننا نأخذ احتياطنا، أولًا لأن أجسادنا وزنة يجب أن نحافظ عليها، كما أن إهمالها قد يُحسَب نوعًا من الانتحار، ثم إننا -وإن كُنّا لا نخاف على أنفسنا- لا نريد أيضًا أن نكون سببًا في نقل الفيروس لآخرين.
 
مردفًا، من ثَمّ فإن عدم الخوف الذي أوصانا به الرب، ليس معناه أننا لن نُصاب أو نمرض أو نُجرَّب أو نموت، كلّا! فقد مات الآباء الرسل، وكذلك كل الذين كانوا يسمعون من الرب هذه الأقوال، جميعهم ماتوا. وإنما أراد الرب أن يقول: لا تخافوا من هذه فإنها ليست النهاية، وبالتالي يجب ألّا تُفقِدكم الرجاء.. والدليل أنه نبّه المؤمنين بأن لا يخافوا من الملوك والرؤساء والولاة، فإنهم هؤلاء لا يقدرون إلّا على قتل الجسد، أي أنهم سيقتلونكم! ثم أردف: لكن خافوا من الذي له سلطان أن يلقي في جهنم، أي: خافوا فيما يتعلّق بمستقبلكم الأبدي (راجع لوقا12: 4-5).
 
وبالتالي يمكننا أن نفهم موضوع المرض، والموت، والجوع، والآلام، والظلم، والتجارب، والخسائر، وغيرها.. أنها ليست المنتهى، بل هي تزكّينا، فإن الكثير من المؤمنين نالهم الكثير من هذا، بل يعلمنا الكتاب المقدس أنه «بضيقاتٍ كثيرَةٍ يَنبَغي أنْ نَدخُلَ ملكوتَ اللهِ» (أعمال14: 22).
 
رأيت أناسًا استخفّوا بكل شيء هذا الأسبوع، المال والذهب والثياب والأراضي والممتلكات... وقالوا: ما قيمة كل هذا أمام وبأ قد يقضي على أيّ شخص في العالم خلال أيام؟! وهناك من فكّر في الخصومات والثأر والخلافات على الميراث والقطيعة، وكيف يتحرّر من ذلك.
 
وفي حواراتي قال بعضهم إن الفرق بين الموت بهذا الفيروس والميتات الأخرى، هو أن هناك تحذيرًا مُسبَقًا منه، وأن الموت به ليس كصعقة الكهرباء، ولا انفجار الأوعية الدموية، ولا الجلطات والسكتات الدماغية، ولا حوادث الطرق، وإنما هناك متسع من الوقت للاستعداد بالتخلّي عن الخطايا، والتوبة والاعتراف والتناول.
 
بعضهم كان من بلد أوروبي قال لي: "ذات مرة جاءني كاهن الكنيسة بالتناول حتى البيت إذ كنتُ مريضًا، ومع ذلك اعتذرتُ عن مقابلته، فعاد أدراجه بعد أن ناول الشماس الذي معه ما كان قد أعدّه لي.. واليوم اشتهيت أن أتناول من الأسرار المقدسة، وأول ما سألت عنه إن كان بإمكان الأب الكاهن أن يأتي إليّ، أم أن هناك قوانين من الدولة تمنعه، أي يمنعه الفيروس ونتائجه من المجيء، لقد حزنتُ على الأيام التي ولّت مني وأنا أدير ظهري للكنيسة وهي مفتوحة".
 
مشددًا، إن الظروف التي نمّر بها ذكّرتني بما قاله الرب عن مثل هذه الأيام العصيبة: «وصَلّوا لكَيْ لا يكونَ هَرَبُكُمْ في شِتاءٍ ولا في سبتٍ، لأنَّهُ يكونُ حينَئذٍ ضيقٌ عظيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثلُهُ منذُ ابتِداءِ العالَمِ إلَى الآنَ ولَنْ يكونَ. ولَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلكَ الأيّامُ لَمْ يَخلُصْ جَسَدٌ. ولكن لأجلِ المُختارينَ تُقَصَّرُ تِلكَ الأيّامُ» (متى24: 20-22).
 
ومع ذلك يجب ألّا ننادي ونؤكد في هذه الظروف على أنه موعد مجيء المسيح، فإذا لم يجئ فقد تحدث انتكاسة عند المؤمنين بعد مرور هذه المحنة، مثلما حدث كثيرًا على مدار التاريخ. إن التحذير والترهيب وحده قد يقود إلى العناد أو اللا مبالاة، كما أن التهوين والتبسيط في المقابل قد يُفضي إلى التساهل والتراخي، وإنما التعقُّل والتوازن في مثل هذه الظروف هما الاختيار الأمثل. إن الكنيسة في النصف الثاني من القرن الأول، عندما وجدت المؤمنين ينتظرون بشغف مجيء المسيح بين ساعة وأخرى، نادت بحتمية مجيئه وليس بسرعة مجيئه، ومن ثَمّ راحت تردّد على مدار اليوم "وننتظر قيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي"، حيث يُقصَد بـ"ننتظر" أننا نتطلّع باشتياق.
 
وأختتم بقوله، مع كل ذلك لا تسخروا من الخائفين والذين يحرصون بزيادة على أنفسهم، بل ترفّقوا بهم، فقط طمئنوهم وشجعوهم، وصلّوا لأجلهم ولأجل الباقين أن: ارفع عنّا يا رب هذا الوباء...
 
صلاة:
أيها السيد الرب الإله ضابط الكل، والماسك الكل بيمينه..
نشكرك على كل حال، ونسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر، بارك بلادنا مصر، واحفظ شعبك من كل سوء، ومن كل شر، وشبه شر. احفظ العالم من الوباء، والغلاء، والفناء، والغريق، والحريق، ومن سبي البربر، ومن قيام الهراطقة. نشكرك لأنك أتيت بنا إلى هذه الساعة سالمين بغير ضرر. اذكر يا رب الجادّين، واذكر كذلك المتهاونين. اذكر الذين أُصيبوا بهذا المرض في أَّي مكان بالعالم، أعطهم شفاءً عاجلًا. واذكر المضطربين والذين فقدوا سلامهم، والذين استخف بهم الشيطان. واذكر من فضلك الذين يوجدون في أماكن خطرة. عُل الكل، واعبر بنا هذه الأيام بسلام.
 
اذكر يا رب رئيسنا وحكومتنا وقراراتهم، وأرشدهم لما فيه خير هذه البلد الطيبة مصر، والتي باركتها، وعنها قلتَ: «مبارك شعبي مصر». بارك جميع العاملين بوزارة الصحة، وجميع الأطباء والمتطوّعين، وكل من له تعب في هذه الأيام، عوِّض الجميع أجرًا سمائيًا.
 
اذكر جميع الذين طلبوا منّا أن نذكرهم في صلواتنا. واذكر كنيستك وشعبك، وأعطِ نعمة لأبينا البطريرك البابا تواضروس الثاني، وسائر الآباء.. بشفاعة والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، والقديس الأنبا أنطونيوس، وكل مصاف الشهداء والقديسن. اسمعنا عندما ندعوك بالشكر قائلين: «أبانا الذي في السموات...».