أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة ليل : الدول الأوروبية تهاونت بكورونا و عليها الاختيار الآن إما الإنسان أو الاقتصاد .. كورونا سيعيد تشكيل الأنظمة السياسية في العالم 
 
 
كتب – أحمد المختار
 
فيروس كورونا يواصل انتشاره بقوة مبعثراً أولويات العالم ، و اللافت أن الحرب مع الوباء تعتمد على الأطقم الطبية في صفوف الجبهات الأمامية ، و من هنا يُوصف الوباء بأنه اختبار للأنظمة الصحية الدولية .
 
الدول الأكثر تقدماً تُعاني من تبعات " كورونا " ، و المخاوف تُصب على الدول الأفقر ، و التي تعاني من أنظمة صحية هشّة ولا سيما في " الشرق الأوسط و أفريقيا  ".
 
متابعةً لهذا الموضوع ، ناقش برنامج " غرفة الأخبار " علي شاشة " سكاي نيوز عربية " ، الملف مع عدداً من الضيوف ، منهم : 
 
الدكتور " خليل الحلو " رئيس قسم العلوم الغذائية في الجامعة اليسوعية ، و الذي قال من " بيروت " : " الأنظمة الصحية في دول العالم المتقدم مثل أوروبا و الولايات المتحدة ، لم تتنبأ بهذا النوع من الأوبئة ، هذه الأنظمة كانت تضع نصب أعينها الأمراض غير المعدية مثل " القلب و الشرايين " ، و التي تُعد سبب الوفاة الأول في العالم ، منوهاً أن عدد وفيات القلب يومياً في العالم " 49000 " .
 
الأنظمة الصحية 
و تابع " الحلو " : " هذه الأنظمة الصحية في تلك الدول ، كانت تركز علي الأمراض الأكثر شيوعاً ، و هي الأمراض غير السارية و الأمراض السرطانية ، لافتاً إلي أن تلك الأنظمة لم تكن مستعدة لمواجهة لك النوع من الأوبئة ، بسبب الإجراءات الصحية المُتبعة من النظافة و غيره " .
 
لوم الدول المتقدمة
و أوضح : " الذي تُلام عليه هذه الدول مثل " إيطاليا – فرنسا – ألمانيا – الولايات المتحدة " ، بأنه عندما بدأت تلك الأزمة في الصين و انتقلت بشكل سريع إلي كوريا الجنوبية ، لم تستعد الأنظمة الصحية في تلك البلاد بشكل جادي لمواجهة هذا الوباء ، كان هناك نوعاً من الإهمال ، مشيراً إلي أنه أيضاً لا يمكن لومهم ، لأن هذه الأنظمة لم تواجه أزمة علي مدار التاريخ مثل ذلك النوع ، و كانت الأنواع المشابهة من الفيروس تمت محاصرتها بشكل سريع مثل " سارس – إيبولا " ، و لم تكن تنتظر مثل ذلك الوباء ، لذلك هي الأكثر معاناةً اليوم ، لسهولة حركة التنقل لديهم " .
 
الدول الفقيرة 
و أكمل : " ليس من العلمي أن نحكم ، بأن ما حدث في الدول الأوروبية و الصين و الولايات المتحدة سيحدث بالمثل في الدول الفقيرة ، دعنا نري كيف ستنتقل العدوي من خلال عدة عوامل و منها " التلوث – التغذية – المناعة " ، يجب أخذها في الاعتبار ، فهذا الفيروس لابد أن نتعلم أن نتعايش معه ، لن نتمكن مع القضاء عليه ، حتي نصل إلي مرحلة التوازن ، و لن تحدث كوارث مثلما يتحدث البعض ، و ستستمر الحياة " .
 
و أضاف : " في حال انتقل الفيروس بنفس الطريقة إلي تلك الدول ، ستحدث كارثة كبيرة علي المستوي السياسي و الاجتماعي ، لأن دولاً مأزومة مثل " اليمن – سوريا " ، سوف تستغلها السلطة لبسط أيديها أكثر في قمع الحريات ، بالتزامن مع انشغال الدول الغربية التي تتدخل في العادة لحل النزاعات ، مؤكداً لا أحد يتوقع ماذا سوف يحدث ، فالأرقام التي نسمع عنها لا يمكن الأخذ بها ، فتلك الأرقام تعتمد الكشف علي من تظهر عليهم الأعراض ، أما علم الأوبئة يؤكد أن نصف المصابين لا تظهر عليهم العوارض " .
 
نقص المعدات الطبية
و استمر : " لا للإهمال فالوقاية ضرورية و الحيطة هامة ، لكن المشكلة تكمن في نقص المعدات الطبية كأجهزة التنفس الصناعي فمثلاً عدد تلك الأجهزة في الجمهورية اللبنانية " 500 " فقط ، 
مشدداً بأنه لابد أن تساعد الدول الصناعية الكبرى غيرهم من الدول غير المصنعة " .
 
 
من جهته ، قال " يونس بلفلاح " أستاذ العلاقات الدولية و الاقتصاد السياسي في جامعة ليل الفرنسية  ، من " باريس " : " نحن في حالة استثنائية ، سنة 2020 هي سنة حرب بإمتياز ، ففيروس كوفيد – 19 ، أبان أن الأنظمة الصحية في الدول المتقدمة مجرد بدعة " .
 
بدعة
و تابع : " لماذا أقول بدعة ؟ ، لأنه تم الاهتمام بالمباني ، و لم يتم الاهتمام بالمعامل ، فالاهتمام كان قائم علي بعض القطاعات الاستثمارية التجارية ككقطاع " التجميل " ، و لم يتم الاهتمام بالبحث العلمي ، و لم يتم تطوير الخبرات و القدرات لأطقم البحث العلمي و الطاقم الطبي " .
 
التهاون الأوروبي 
و أوضح : " التعامل الأوروبي مع الأزمة ، كان يتسم بالتهاون ، منذ بدء التفشي في الصين ، و هو الأمر الذي أوصلنا الآن إلي المرحلة الصعبة ، و التي تصعب فيها الاختيارات ، علي مستوي الحكومات لاتخاذ القرارات ، فالحجر الصحي آتي جد متأخر في بعض الدول الأوروبية ، ولا يمكن تقييمه الآن ، و الحكم عليه يكون بعد 6 أسابيع ، مشيراً إلي التبعات الاقتصادية للوباء ستبين الفارق بين الدول المتقدمة و الدول الفقيرة " .
 
الأزمة الاقتصادية 
و أكمل : " عندما يتم الانتهاء من الأزمة الصحية لكوفيد 19 ، سننتقل إلي أزمة أصعب و أقصد هنا عودة حركة التجارة بين الدول ، و هو ما سيدفع إلي استنزاف كثير من موارد الدول " الاحتياطات " .
 
لماذا تأخر القرار ؟ 
و أجاب قائلاً : " أكاد أجزم أن قادة الدول الأوروبية ، عُرض عليهم كافة السيناريوهات الخاصة بهذه الأزمة ، إما التضحية بالإنسان في مقابل الحفاظ علي جزءاً من الاقتصاد ، و إما الإبقاء علي الإنسان في مقابل الخسائر الاقتصادية الفادحة ، و لهذا جاء التأخر هنا في التعامل مع الأزمة " .
 
 
النظام الاقتصادي المتهالك 
و ألمح إلي أن : " الأنظمة الاقتصادية في الدول الأوروبية المتضررة تعتمد علي وسائل تصلح للقرن العشرين و لم تعد تجدي نفعاً في التعامل مع القرن الحادي و العشرين ، فمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي ، لا تدرك كيفية التعامل مع الإشكاليات الاقتصادية الحديثة مثل " التغيرات المناخية و الطاقة المتجددة " ، عوضاً عن الاهتمام و الاستثمار في النظام الصحي و التغذية ، تم الاتجاه إلي الاستثمار في التكنولوجيات الحديثة و الصناعات ، لذلك نحن ندفع تكلفة الفرص الضائعة ، و هناك أصبح أزمة ثقة كبيرة في هذه المجتمعات بين المستثمرين و المجتمع " .
 
مرحلة ما بعد كورونا
و أضاف : " الاتحاد الأوروبي رغم نجاحه في تكوين سوق مشتركة ، لكن شكل الاتحاد لم يستطع مواجهة الأزمة ، و نحن الآن نسير نحو العزلة و الحمائية " .
 
و اختتم : " الفيروس ليس له تبعات صحية فقط ، و إنما سيعيد تشكيل الواقع جيوسياسي ، لذلك علينا أن ندرك ، بأنه سيكون تغير في خريطة القوي العالمية ، حتي أساليب تدخل الدولة في الأنظمة الاقتصادية ، قد نشهدها بعودة القطاع العام ، و سنشهد تغييراً في الأنظمة السياسية نفسها ، و سيتجه العالم نحو مزيداً من القومية " .