تعاني أغلب شعوب العالم الآن من مشاعر الملل، في ظل ترقب آخر مستجدات فيروس كورونا، الذي تسبب في وقوع مئات الآلاف من الضحايا بين مرضى ووفيات، وربما ملايين البشر في حالة من الانعزال، إلا أن الملل نفسه قد يصبح الطريق نحو الإبداع والعهدة على خبراء علم النفس، الذين توصلوا إلى أهمية الملل غير المتوقعة.

الملل أنواع

اعتاد الجميع محاولة الهروب من الأوقات المملة، عبر إلهاء النفس بأمور متعددة، على الرغم من أن الملل يحمل فائدة مثيرة تتمثل في تحفيز الإبداع وفقا للعلماء، فما هي طرق الاستفادة من الملل؟

يرى العلماء في البداية أن للملل أنواع مختلفة، حيث يجب أن يحدد كل شخص نوع الملل الذي يواجهه ليصبح قادرا على الاستفادة منه قدر الإمكان، فبينما يعاني البعض من مشاعر الملل بسبب القيام بأعمال روتينية أغلب الوقت، أو بسبب عدم القيام بأي شيء على الإطلاق، نجد أن الملل يختلط بالنسبة للبعض مع مشاعر عدم اللامبالاة، ليكشف في تلك الحالة عن أزمة نفسية تتطلب العلاج.

فوائد الملل

تتعدد الدراسات العلمية التي بحثت عن فوائد الملل المختلفة، إذ توصلت دراسة أجراها باحثون من أستراليا وسنغافورة في العام 2018، إلى أن القيام بعمل روتيني ممل، يعني زيادة فرص الإبداع فيما بعد.

اكتشف الخبراء من خلال الدراسة أن المتطوعين الذين قاموا بترتيب حبات الأرز وفقا لألوانها نجحوا فيما بعد في طرح أفكار مثيرة ومختلفة، مقارنة بالمتطوعين الآخرين الذين كانوا يمارسوا بعض الألعاب المسلية، ما يكشف عن دور الأعمال الروتينية المملة في نظر البعض، في زيادة القدرات الإبداعية.

يتفق خبراء علم النفس كذلك على أن أحلام اليقظة من شأنها زيادة الإبداع، لذا فمع سيطرة أحلام اليقظة على الذهن في أوقات الملل الطويلة، نجد أن الملل بهذه الطريقة أيضا يساهم في تحفيز العقل على التفكير والتخيل، ومن ثم يعمل على تحويل إبداعه إلى أمر ملموس على أرض الواقع.

لم يغفل العلماء كذلك أهمية الإحساس بالملل، والذي يؤدي إلى سيطرة مشاعر اللامبالاة على الفرد، إذ يشير الخبراء إلى أن الملل في تلك الحالة يعتبر مثل ناقوس الخطر الذي يكشف عن إحساس المرء بعدم الرضا، ومن ثم ينادي بضرورة التحرك والبحث عن التغيير قبل فوات الأوان.

كيفية الاستفادة من الملل

ترى أستاذة علم النفس بجامعة وسط لانكشير الإنجليزية، ساندي مان، أنه من أجل الاستفادة من الملل لتحفيز أو لتوليد الطاقة الإبداعية بداخلنا، فعلينا أن نمارس بعض النشاطات المملة لبعض الوقت، والتي لا تستدعي التركيز أو القيام بالمجهود الذهني، في إشارة إلى أن السير في طريق معتاد أو السباحة لعدد من الدقائق أو حتى الجلوس مغمض العينين يحقق المراد، ويدفعك إلى الخروج بأفكار إبداعية خلال مدة قصيرة.

تشدد ساندي على الفارق بين تلك الأوقات المملة والمفيدة، وبين نشاطات أخرى مثل التأمل واليوجا، لا تؤدي إلى الإحساس بالملل بقدر ما تصل بنا إلى مشاعر الهدوء والراحة التي نحتاجها أيضا دون شك، ولكن في الوقت المناسب لها.

كذلك تحذر ساندي من الاعتماد على تصفح الهواتف ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة التلفزيون، لمواجهة مشاعر الملل، في إشارة إلى أن ذلك قد يشتت الذهن لبعض الوقت، لكنه لن يساعد المرء على تحقيق الاستفادة المطلوبة يوما من الملل الحميد.