د.جهاد عوده
يمكن قول قد انتهت فتره مفصليه فى تاريخ النظام الدولى وهى الفتره من 11 سبتمبر 2002 حتى اندلاع احدث الكورونا العالميه فى ديسمير 2019. الحرب ضد الارهاب كان عنوان هذه الفتره والتى استمرت حوالى 18 عاما والان انطلق عهد وهو عصر الكورونا العالمى. فى عصر 11 سبيتمر كانت مكافحه الجماعات الارهابيه هى الشغل الشاغل للنظام الدولى. فى هذا العصر وهو عصر الكرورنا العالمى ستكون مكافحه الفيروسات هى الشغل الشاغل للنظام الدولى.كان خطاب خطاب الرئيس جورج دبليو بوش أمام جلسة مشتركة للكونجرس بعد أيام قليلة من احداث 11 سبتمبر 2002 علامه بارزه للخوف والغضب والذى أعلن فيها بثقة أن “حربنا على الإرهاب تبدأ بالقاعدة ، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد. ولن تنتهي حتى يتم العثور على كل مجموعة إرهابية ذات امتداد عالمي وإيقافها وهزيمتها “.

كما حدد طبيعة الصراع بقوله: “الأمريكيون يسألون ،” لماذا يكرهوننا؟ إنهم يكرهون ما نراه هنا في هذه القاعة – حكومة منتخبة ديمقراطيا “.

هكذا تم تأطير عصر الارهاب كعصر مساو فى الرساله العالميه كعصر الحرب البارده. ونشأ منطق الارهاب فى مواجه الديمقراطيه . ولبعبت واشنطون دورا جديد وهو تزعمها الحرب ضد الارهاب وصياغه عمليات التبشير بالديمقراطيه .

وضعت العقيده الامريكيه الجديده ساميه وصلبه وكأنها تقول: أصلنا قوة عظمى. بعد انتصار ويلسون في الحرب العالمية الأولى حتى انهيار الشيوعية السوفيتية استمرت أمريكا القوة العظمى الوحيدة في العالم . وهذه للحقبة ما زالت تبدو في مرحلتها المبكرة حيث أطاح جيشنا انظمتا أفغانستان والعراق. وتم تعيين لى هاميلتون رئيسا للجنه 11 سبيتمر . وانتشرت المراجع التى تشرح عقيده اسامه ابن لادن الجهاديه وفتاويه وحياه الخاطفين للطائرات الامريكيه. واعتقد الامريكان ابن لادن يكره الديمقراطيه مع انه فى الحقيقه يكره السياسه الخارجيه الامريكيه وما يرتبط بها من سياسيه خارجيه سعوديه . في الوقت الذي كانت لجنة 11 سبتمبر تستعد إصدار تقريرها ، كانت حرب العراق تتداعى إلى كارثة لا حد لها. حلّ الجيش العراقي وتفككت الدولة . وظهر جليا عدم الكفاءه الامريكيه فى اداره المتناقضات التارخيه والاجتماعيه فى الشرق الاوسط. واخترق رعب أبو غريب الشعور الامريكى بالمسؤليه الاخلاقيه. وتم تحقيق انتصار استراتيجي واضح لإيران وحدث تحالف صامت و ملتبس بين ايران والامريكان .

تمت إعادة صياغة الحرب العراقيه الامريكيه كمحاولة لإيصال الديمقراطية إلى الشعب العراقي . يبدو قرارأه الخطاب الان لا بيثير الا التعجب والسخريه لكون الغزو كان امرا غير عمليا منذ اللحظه الاولى. ودخلت العراق الديمقراطيه فى عصر فساد عظيم. وعاشت كلمات بوش ، في “قبر التاريخ لا يمبز غير الفاشية ، والنازية والشمولية ” . وكأنه يقول ان سلطويات الشرق الاوسط هى دائما نسيا منسيا. ومع كذب عرض كولن باول وزير الخارجيه الامريكى انذاك امام الامم المتحدة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية من اجل تبرير الهجوم على اعراق صدام. نعم ابن لادن وصدام كانا يمثلان تهديدا خطيرا ولكن القضيه هل كانت الحرب بهذا الشكل لها مبرر موضوعى . واتضح ان الامر كان من اجل العمل على خلق عصر جديد من الهيمنه الامريكيه. وانتهى عصر جورج تبليو بوش باعلان انهيار النظام المالى لعالمى وجاءت وازمه النبوك العالميه وانهيارها. ورغم الانهيار المالى ضغط الجيش الأمريكي على أوباما لإرسال حوالي 60.000 جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان في عام 2009 وحدها ، وهى التى عرفت بسياسه الطفره.

وراح اوباما يحاب فى اليمن والصومال والعراق وسوريا بخلطه من عناصر عسكريه وعناصر شعبيه ذات ولاء امريكى. وفى الولايه الثانيه تمت اعاده توجيه السياسه الخارجيه والحرب وتمت اعاده الاقتصاد للعمل. وقال اوباما فى جامعه الدفاع الوطنى 2013 : “طوال العقد انفقت دولتنا أكثر تريليون دولار على الحرب ، مما ساعد على تفجير عجزنا وتقييد قدرتنا على بناء الأمة هنا في الوطن … إن جهودنا المنتظمة لتفكيك المنظمات الإرهابية يجب أن تستمر” … “لكن هذه الحرب ، مثل جميع الحروب ، يجب أن تنتهي. هذا ما ينصح به التاريخ. هذا ما تتطلبه ديمقراطيتنا “.بدأ أوباما فى التعبير عن الرغبه في الانتقال إلى عصر جديد وانسحاب أمريكا ما بعد 11 سبتمبر. بدأ أوباما في رسم الخطوط العريضة لنوع جديد من السياسة الخارجية بأولويات جديدة. انخفض عدد القوات في العراق وأفغانستان إلى حوالي 15000. وتم خلق صفقة نوواويه مع إيران بهدف تجتيب الشرق الاوسط حرب المسلحة أخرى . قامت الشراكة عبر المحيط الهادئ من اجل بناء تحالف من الدول في اتفاقية تجارية لاحتواء صعود الصين. أصبحت مكافحة تغير المناخ أولوية رائدة في كل علاقة ثنائية ومتعددة الأطراف بين الولايات المتحدة والدول العالم ، مما أدى في النهاية إلى اتفاقية باريس. وفى 2014 جاء نذير أوضح من سياسات أوباما فى اختبار عميق. في وقت كان فيه الشعب الأمريكي في حالة من الذعر الكامل حول داعش في أعقاب قطع الرأس لاربعة رهائن أمريكيين ومواجه تفشى مرض إيبولا المعدى الذى هدد بقتل الملايين من الناس. من خلال نشر الجيش الأمريكي في غرب أفريقيا وتجنيد عشرات الدول للمساهمة بعمال ومعدات الرعاية الصحية ودمج البنية التحتية للصحة العامة والأمن القومي في أمريكا تحت توجيه موحد .

تمكن أوباما من قيادة تحالف للقضاء على تفشي فيروس إيبولا قريب من مصدره . كان هذا علامة كبرى على نجاح القيادة الدولية لأوباما. قام دونالد ترامب بصياغة لتيار اليمين بكافه فصائله هذا عندما أطلق حملته الرئاسية في عام 2015 مستغلًا مخاوف أمريكا ما بعد 11 سبتمبر من “الآخر” الذي لا وجه له ومعبئا سخط الأمريكيين الذين وعدوا بانتصارات كبيرة في العراق وأفغانستان لكنهم وجدوا فقط ازمات ممتده. في الوقت الذي انتهت فيه رئاسة أوباما ، كان قد أنشأ إدارة للامن الصحي العالمي في مجلس الأمن القومي وصاغ مبادئ للإدارة المستقبلية من اجل مكافحة الأوبئة . واقترح صياغه للأمن الداخلي على مستوى الوزراء فى حاله تفشى المرض فى امريكا . لكن الرئيس ترامب جاء إلى منصبه عازمًا على القضاء على إرث أوباما وتفكيكه.وصار هدف ترامب إنهاء حروب أمريكا بعد 11 سبتمبر. لكن ميزانيته الدفاعية دائما كانت ما تزيد عن 112 مليار دولار. وصرح تامب بأنه يستثمر أكثر في الجيش الأمريكي. فزاد من استخدام الطائرات بدون طيار في أفغانستان وضد داعش . تمت زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان . نسبه القوات الامريكيه لمناهضة لداعش في سوريا . ان الموارد التي تم توفيرها بعد 11/11 للبنية التحتية العسكرية والاستخبارية الأمريكية أصبحت أكثر قوة من أي وقت مضى. ولكن جهود أوباما لصياغة سياسة خارجية لما بعد 11 سبتمبر راسخة في الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس – تم إلغاؤها.ركز ترامب بشكل اكثر حده على إيران باعتبارها أولوية قصوى للامن للامن القومى الامريكى. منذ الانسحاب من صفقة إيران وضع ترامب سياسيه التهديد المستمر مع ايران بالاضافه الى توسيع العقوبات . نشر ترامب ما يقرب من 20000 جندي أمريكي إضافي في الشرق الأوسط مما أثار هذا استفزازا لايران . لا يزال ترامب يمارس ممارسات عهد 11 سبتمبر.. نجح ترامب في تسخير الغضب والتظلم والقومية والعنصرية القحه لكسب الدعم السياسي.

لكن هذا النهج لا طائل منه فلاستجابه لأزمة فعلية. في COVID-19 يواجه ترامب خصمًا لا يبالي بما يطلق عليه ولا يعترف بحدود ولا يلعب وفقًا لقواعد السياسة الأمريكية المكسورة بل بقواعد العلم والواقع الموضوعي.في حين وقعت الهجمات على 11 سبتمبر واثرت في ثلاثة مواقع فقط فى العالم : امريكا والعراق افغانستان ، الا COVID-19 أثر بالفعل على كل شخص تقريبًا في امريكا والعالم . ضعت معظم الولايات المتحدة لأوامر ليست نابعه من تفاعل المجتمع الامريكى . من الواضح ان الامريكان الان فى مرحله صدمة شديدة. علما إن لم يكن معظم الامريكان سيصابون بالمرض بشكل ما. قد يموت عدد لا يمكن تحديده . هذا المرض خارج النظام الاجتماعى ولكن داخل النظام العالمى. وهذا هو الجديد . وسيتعرض الاقتصاد الأمريكي لصدمة من المرجح أن تنافس الأزمة المالية لعام 2008 والكساد العظيم. كما هو الحال مع تلك الأحداث ستكون هناك التداعيات الجيوسياسية عميقة ودائمة. تشير الأشهر الأولى من هذه الأزمة إلى احتمال تغيير النظام العالمي. ارتكبت أمريكا فى الحادي عشر من سبتمبر الخطأ المألوف المتمثل في تسريع انحدار القوة العظمى فى خلال سياسات قصيره . إن رئاسة ترامب تأخرات فى الاستجابه بفعالية لـ COVID-19 بل ان ترامب انكر فى بدايات الفيروس انه يمثل تهديدا . كشفت أزمة COVID-19 أن الحكومة ضرورية للخدمه العامة وذات قيمة وأن الحقائق والعلوم يجب أن توجه القرارات ووشنطون تعوزها فى ظل ترامب الكفاءة فى اداره الاوقات الصعبه. مع الاضطرابات الهائلة هناك فرصة للتغيير الهائل. العالم العالمى قيد التشكيل الان.يمكن للأزمة فضح وتفاقم خطوط الصدع فى النظام الدولى . كلما زادت الأزمة كلما كانت الشقوق أعمق. في الوقت الذي يصل فيه المرض المعدي إلى مستوى الوباء ، تكون فرصة بناء أنظمة وعلاقات مختبرة وموثوقة قد انقضت لفترة طويلة. تعتبر أي بنى جديدة يتم تنفيذها في هذه المرحلة مخصصة ، ولكنها ليست بالضرورة غير فعالة. على الصعيد العالمي ، كانت هناك فرص كثيرة للتنبؤ بحدوث وباء كبير. نتيجة للعولمة المتسارعة ، كانت هناك أمراض معدية ذات تأثيرات إقليمية وعالمية رئيسية. أثرت المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) في عام 2003 على البلدان الآسيوية ، وأظهر فيروس H1N1 في عام 2009 نطاق وتأثير جائحة الإنفلونزا ووباء إيبولا 2014 في غرب أفريقيا أظهر كيف ينتشر المرض في النظم الصحية الضعيفة. ينبغي توقع الأوبئة المستقبلية ، حيث يستمر البشر في التأثير السلبي على التنوع البيولوجي ومع تسارع الحركة العالمية للأشخاص والسلع. ولكن في السنوات بين الجائحة ، لدينا الفرصة لبناء أنظمة وهياكل وعلاقات لمواجهة الوباء التالي مع قدر من التأهب. كما نلاحظ على المستوى العالمي في الوقت الحقيقي ، فإن التأهب والاستجابة للوباء يتطلبان نهجًا دوليا حيث لا يتأثر فقط القطاع الصحي ولكن أيضًا الاقتصادي والتعليمي قطاعات الرعاية الاجتماعية – من بين أمور أخرى. كانت منظمة الصحة العالمية تشجع البلدان على التأكد من أنها تفي بالمعايير الدنيا للتأهب للوباء قبل هذا الوباء بوقت طويل. وتعتمد كيفية تلقي هذه التوصيات في نهاية المطاف على الأولويات والقرارات السياسية على المستويين الإقليمي والوطني.

كما يجب بناء الثقة على الساحة الدولية. لم يظهر وباء COVID-19 الشقوق التقليدية فحسب ، بل خلق أيضًا شقوقًا جديدة. في بعض الأماكن ، كانت الخلافات السياسية تقف في طريق العمل الوبائي. في إيران ، على سبيل المثال ، أثرت العقوبات الأمريكية على قدرة الحكومة على التعامل مع الفيروس من خلال منعها من شراء اللوازم والمعدات الطبية التي تشتد الحاجة إليها. في سوريا، الطاقم الطبي في محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة قد اتهمت دمشق بعدم توجيه منظمة الصحة العالمية التي توفرها اختبار مجموعات للفيروس. في مكان آخر ، اتهمت الدول بعضها البعض بسرقة الإمدادات الطبية. وذكرت وسائل الإعلام الإيطالية ، على سبيل المثال ، أن الحكومة التشيكية “صادرت” شحنة من الإمدادات الطبية من الصين موجهة إلى إيطاليا. اتهمت فرنسا الولايات المتحدة باعتراض شحنات الأقنعة في شنغهاي ودفع سعر أعلى من أجل إعادة توجيهها إلى الولايات المتحدة. كما سيطر انعدام الثقة على تبادل المعلومات حول COVID-19 بين البلدان. الصين ، على سبيل المثال ، متهمة بعدم الإبلاغ في الوقت المناسب عن تفشي المرض في ووهان وحتى الإبلاغ عن نطاقها. كما اتهمت تايوان ، التي لا تعترف بها الصين كدولة مستقلة ، منظمة الصحة العالمية بعدم مشاركة المعلومات حول COVID-19 أو نقل المعلومات التي أبلغت عنها الدولة بشأن طرق وحالات الوقاية الخاصة بها. هذا المستوى من عدم الثقة والمصالح الذاتية في العلاقات الدولية خطير بشكل خاص في أوقات الوباء. على كل دولة أن تدرك أنها وحدها لا تستطيع هزيمة تفشي المرض. إنها بحاجة إلى تعاون ومساعدة الجميع. يجب تعلم الدروس الصعبة من هذا الوباء لذا لا نكرر نفس الأخطاء في المرة القادمة. علينا أن نبني أنظمة صحة عامة قوية ، وأن نبني بنية تحتية متعددة وعابرة للقطاعات ، وأن نعزز العلاقات المحلية والدولية وعبر الوطنية ، لضمان وجود استعداد كاف في جميع أنحاء المجتمع للتعامل مع تفشي المرض في المستقبل.