كتب – روماني صبري 
 
برع في الطب والفلسفة، وأصاب نجاحا عظيما في هذين المجالين، أبصر علمه الغربيون فأطلقوا عليه "أمير الأطباء"، و"أبو الطب الحديث" في العصور الوسطى، كان رجل متقد الذكاء استثنائي بحق حيث نجح في كتابة 200 كتاب تناول فيها مواضيع عدة، ومنها من ركز على الفلسفة والطب، هو أول من كتب عن الطب في العالم ولقد اتبع نهج أو أسلوب أبقراط و جالينوس، وهو أيضا أول من وصف التهاب السحايا الأولي وصفا علميا صحيحا، كما وصف أسباب اليرقان، أعراض حصى المثانة، ولفت الانتباه إلى أن المعالجة النفسانية تساعد في شفاء المرضى .. اشتهر بكتابه القانون في الطب، والذي بات لمدة 7 قرون المرجع الرئيسي في علم الطب، انه أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا الشهير بـ "بن سينا." 
 
البداية .. أرسطو في مرمى بصره 
 
 ولد بن سينا سنة 370 هـ 980م بقرية أفشنة بالقرب من بخارى في أوزبكستان حاليا من أب من مدينة بلخ بأفغانستان وأم قروية، اشتهر اسم الشيخ، وعرف حب الفلسفة والطب مبكرا، فكتب كتاب "القانون في الطب"،  وهو مراهق أصابه الانزعاج من الميتافيزيقيا لأرسطو، وهو ما لم يستطع فهمه حتى قرأ تعليق الفارابي حول العمل، لمده عام ونصف، درس الفلسفة، والتي واجهت عقبات أكبر في مثل هذه اللحظات من التحقيق المحير، ترك كتبه، وادي الوضوء المطلوب، ثم ذهب إلى المسجد، واستمر في الصلاة حتى يضيء الضوء على صعوباته، في أعماق الليل، كان يواصل دراسته، وحتى في أحلامه، تتابعه المشكلات وتوصل إلى حل لها. 
 
يقال إنه قرأ 40 مرة من خلال الميتافيزيقيا في أرسطو، حتى طبعت الكلمات على ذاكرته، لكن معانيها كانت غامضة بشكل يائس، حتى وجدوا ذات يوم إضاءة، من التعليق الصغير لفارابي، الذي اشتراه في مكتبة مقابل مبلغ صغير قدره 3 دراهم، عرفته الغبطة جراء الاكتشاف، الذي تم إجراؤه بمساعدة عمل كان يتوقع منه الغموض فقط، حتى سارع إلى العودة، ومنح الصدقات للفقراء.
 
طبيب الأمير نوح 
في البداية عمل بن سينا طبيبا للأمير نوح الثاني، الذي يدين له بالشفاء من مرض خطير، وكانت المكافأة الرئيسية لابن سينا لهذه الخدمة هي الوصول إلى المكتبة السامانية الملكية، وهم رعاة مشهورون للعلم والعلماء، عندما تم تدمير المكتبة بالنار بعد فترة ليست طويلة، اتهمه أعداءه بحرقها، من أجل إخفاء مصادر معرفته إلى الأبد.
 
تعريفه للنفس 
لابن سينا أهمية كبيرة في تعريف النفس، حيث قال عنها :" النفس كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي من جهة ما يتولد "وهذا مبدأ القوة المولدة" ويربو "وهذا مبدأ القوة المنمية" ويتغذى (وهذا مبدأ القوة الغاذية) وذلك كله ما يسميه بالنفس النباتية،وهي كمال أول من جهة ما يدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة وهذا ما يسميه بالنفس الحيوانية، وهي كمال أول من جهة ما يدرك الكليات ويعقل بالاختيار الفكري وهذا ما يسميه النفس الإنسانية.
 
فلسفته 
يكشف كتابه "الإشارات" الذي ذهب فيه مذهب أرسطو ، انه مؤسس الاتجاه الفلسفي الذي تحدى العقيدة، ومرد ذلك يعود إلى قربه من فلاسفة الباطنية ومنهم ابو عبد الله النائلي الذي علمه بصغره، حيث كان لذلك أثرا كبيرا في تفكيره، ما هيئاه للدور الذي لعبه في تنشيط تيار الفلسفة واتخاذها موقف التحدي ، ومثال على ذلك "نظرية المعرفة" والتي ساوى فيها الفلاسفة مع الأنبياء، وقد خص الفلاسفة بميزة أخرى وهي أن الفلاسفة استمروا في رسالتهم.
 
مناهض التنجيم والجهل 
ناهض ابن سينا التنجيم، والأفكار الجاهلية التي انتشرت في عصره، لاسيما في الكيمياء، كما انتقد الذين قالوا بإمكان تحويل بعض الفلزات الخسيسة إلى الذهب والفضة، فنفى إمكان حدوث ذلك التحويل في جوهر الفلزات، وإنما هو تغيير ظاهري في شكل الفلز وصورته، وفسر ذلك بأن لكل عنصر منها تركيبه الخاص الذي لا يمكن تغييره بطرق التحويل المعروفة، فاتهموه بالزندقة والإلحاد ، فكان يرد عليهم بقوله :"  إيماني بالله لا يتزعزع... فلو كنت كافرا فليس ثمة مسلم حقيقي واحد على ظهر الأرض"، ورحل ابن سينا عن العالم سنة 1037م، بعد صراع مع المرض .