كتب – نعيم يوسف

عندما تقع أي حادثة لطائرة في مكان ما، تجري فرق الإنقاذ للبحث عن "الصندوق الأسود"، الذي يكشف كواليس الساعات الأخيرة للطائرة، ويزيح الستار عن غموض تحطمها، ويعود الفضل في ذلك إلى العالم الأسترالي ديفد وارن.
 
من عائلة متدينة في أستراليا
من عائلة مسيحية متدينة في شمالي أستراليا، ولد ديفد وارن، يوم 20 مارس 1925، وبدأ اهتمامه بالتكنولوجيا في سن صغير، عندما أهداه والده جهاز راديو، ليستمع إليه، ولكنه تعرض لحادث مأساوي أليم، وهو وفاة والده، عندما بلغ 9 سنوات، وكان السبب في ذلك، تحطم طائرة!
 
من الابتدائية إلى مؤسسة علوم الدفاع
أنهى "وارن" دراسته الابتدائية، ثم الثانوية، والتحق بعدها بجامعة سيدني، وحصل على البكالوريوس، ثم تخصص فيما بعد في مجال وقود الطائرات والكيمياء، وعمل في عدة وظائف، منها مدرسا، وأيضا عمل باحثا في مختبرات مؤسسة علوم الدفاع والتكنلوجيا في ملبورن.
 
بداية الفكرة
خلال عمله، انتدب "وارن"، للتحقيق في تحطم طائرة "كوميت"، عام 1953، وكانت أسباب تحطمها غامضة جدًا على  فريق التحقيق، وهنا، جاءت له فكرة بسيطة، ولكنها غيرت مسار صناعة الطائرات الذي كان يعاني مشاكل كثيرة، وفي حال سيء جدا في هذا الوقت، وهي صناعة جهاز صغير يسجل ما يحدث في الطائرة، ويكون مقاوما للتحطم والحرق، كما يسجل بيانات الطائرة نفسها.
 
العمل على المشروع
بدأ "وارن" العمل على مشروعه، واستغرق ذلك منه نحو ثلاث سنوات حتى ظهور أول جهاز، ولكن كعادة كل الأفكار العظيمة، رُفض هذا الجهاز في أستراليا، وتعرض لانتقادات شديدة، بل اتهمه البعض بأنه يرغب في التجسس على الطيارين داخل قمرات القيادة، وأن اختراعه عديم الجدوى، إلا أن "وارن" لم ييأس.
 
بريطانيا تحتج لاختراعه
ذهب العالم الأسترالي باختراعه الجديد إلى بريطانيا، التي كانت تعاني بشدة من حوادث طائرات "كوميت" –التي كانت حققا نجاحا كبيرا في وقت سابق- وهناك، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تقريرا عن ابتكاره، ليتهافت بعدها عليه الجميع ويطلق على ابتكاره اسم "الصندوق الأسود"، نظرا لما يحتويه من معلومات، رغم أن لوته في الغالب يكون برتقاليا، لكي يلفت نظر فرق البحث.
 
الأمور تنقلب رأسا على عقب
تطورت الأمور وتغيرت وجميعها لصالح "وارن"، فقد أعلنت أستراليا فرض تسجيل البيانات على جميع طائراتها، عام 1960، لتكون أول بلدا يفعل ذلك، ثم تم سن قوانين في كل دول العالم تحتم وجود الصندوق الأسود في الطائرات، وباتت قوانين الطيران المدني تلزم كل طائرة بتثبيت صندوقين أسودين لتسجيل كل ما يحدث داخلها، بل انتقلت الفكرة إلى وسائل النقل الأخرى مثل القطارات.
 
حصل "وارن" على جائزة "هارغريفز لورانس"، في 2001، وفي 2008، كرمته أستراليا أيضا بإطلاق اسمه على طائرة من طراز "إيرباص أي 380"، وتوفي في 19 يوليو عام 2010، عن عمر يناهز الـ85 عامًا.