وسيم السيسي
بدأت البشرية منذ ٢٠ ألف سنة بقوانين تنظم ما بين الإنسان وقوى ما وراء الطبيعة، وما بين الإنسان ومن حوله «ويل ديورانت» هذه القوانين الإنسانية زاد عليها أخيراً قوانين بيولوجية ثم فلكية ثم طبيعية أى قوانين وعلوم المادة خصوصاً القرن التاسع عشر والعشرين.

كيف كان سيكون حال البشرية لو أنها بدأت بمعرفة قوانين المادة بما فيها من علوم فلكية وبيولوجية وفسيولوجية، ثم بعد ذلك تأتى قوانين الإنسانيات بما فيها من قوانين الأخلاق والغيبيات؟! ماذا لو كان الإنسان البدائى قلب هذا الهرم المقلوب؟! كان: لن يقدم الأضاحى البشرية إرضاءً للآلهة الغاضبة منه وعليه! لن يعتبر الأم نجسة أربعين يوماً إذا أنجبت ذكراً، وثمانين يوماً إذا أنجبت أنثى لأن العلم لا يقول ذلك.

لن يطلب يشوع ابن نون إيقاف حركة الشمس يوماً كاملاً لأن الأرض إذا توقفت ثانية واحدة «الحركة الظاهرية للشمس» انتهت الكرة الأرضية. كانت حتشبسوت لم تجرؤ على ادعاء أنها ابنة آمون لأن الـD.N.A سوف يكشفها، وكذلك الإسكندر الأكبر.

كانت الكنيسة لن تجرؤ على حرق برونو حياً، ومحاكمة كوبرنيكس، وتحديد إقامة جاليليو لأن العلم الذى سبق الغيبيات «فرضاً» فى جانب هؤلاء العلماء. كم من المرضى النفسيين ماتوا حرقاً وضرباً وتعذيباً لإخراج الجن من أجسادهم، لو كانت العلوم سبقت الغيبيات لما حدث ذلك.

لو أن العلوم سادت على الخرافات، وعرف الناس أن غشاء البكارة لا علاقة له بالبكارة إنما هو لحماية المهبل من البكتيريا قبل سن البلوغ، وقد يكون عزباليا أو هلاليا أو حلفيا لما كانت كارثة الجهل، فكم من العذارى البريئات قتلن بسبب ظلام الجهل الكثيف.

لو كانت البشرية بدأت بالعلوم، بالعقلية النقدية لما قرأنا عن حمارة النبى بلعام التى تحدثت إليه «بلعام» لأنها رأت ملاك الله ولم يره هو... إلخ «سفر العدد فى العهد القديم» لأن العقل الجمعى المستنير بالعلوم لن يقبل ما لا يقبله العقل.

إذن لماذا لم تبدأ البشرية بقمة هرمية علمية؟ ذلك لأن العلوم تحتاج إلى تجريب ونتائج ووسائل كالتلسكوبات والميكروسكوبات، ولأن طريقها صعب، أما الغيبيات فلا حاجة بها لكل هذا العناء يكفيها الخيال والتأملات، ومن هنا كانت الخلافات والحروب والدماء، لم نسمع عن قطرة دم بين العلماء، ذلك لأن ميدانهم الموجودات، بينما نرى بحوراً من الدماء مع أصحاب المذاهب والأديان لأنهم يعملون فى الغيبيات.

فى مقالة لمارجريت أوروك: لماذا لا نقول «هى» بدلاً من «هو»؟! تحدثنا أن أفكارنا عن الغيب إنما هى بشرية! الفنان يرسم المسيح والعذراء باللون الأسود فى إفريقيا، بينما فى أوروبا باللون الأبيض!

كما تقول: الله نور من نور والنور ليس له جنس، نحن فى عصر ذكورى لذا نقول هو، وفى عصور سابقة كانت المرأة لها اليد العليا، فكانت إيزيس فى مصر، ليليت فى بابل، عشتار فى فينيقيا! كانت «هى»!

خلاصة الخلاصة، ماذا نصنع الآن؟! أن تكون قمة هرمنا: العلوم - العقلانية - الجدلية - المنطق - التجربة - البرهان، وبناء على هذه القمة تنبثق عنها: القوانين البيولوجية والطبيعية، ومن هذه القمم العالمية نبنى القوانين الإنسانية، فيصبح قلب المقلوب معدول!.
نقلا عن المصرى اليوم