المطران جورج شيحان
إن الكلام عن الرجاء يعني الكلام عن المكانة التي تكون في مستقبل حياة شعب الله ، مستقبل سعادة يُدعى اليه كل البشر . لقد كشفت وعود الله لشعبه رويداً رويداً ، بهاء هذا المستقبل الذي لن يكون حقيقة من حقائق العالم، بل وطناً افضل، هو الحياة الدائمة مع الله الذي خلقنا وشابهنا به .

إن الثقة بالله وبأمانته ، والايمان بوعوده هما اللذان يضمنان حقيقة هذا المستقبل ، وبناءاً على ذلك يستطيع المؤمن أن يتمنى هذا المستقبل ، أو بعبارة أدق ، أن يرجوه . من هنا لا يستطيع المؤمن الاعتماد مطلقاً على ذاته لبلوغ هذا المستقبل . فلا يمكنه إلّا ان يرجو هذا المستقبل ، وهو على ثقة ، من عند الله الذي يؤمن به ، والذي هو وحده يستطيع ان يجعل حريته أهلاً لأن تحب . الرجاء يتأصّل في الإيمان وفي الثقة ، يستطيع ان ينبسط نحو المستقبل ، ويحرّك بديناميّته كل حياة المؤمن .

نحن على يقين بأن أموراً كثيرة تنمو فينا شيئا فشيئاً ، وهكذا حال كل إنسان يتطوّر مع الوقت والأيام مع تنوع الظروف ، إيجابية ام سلبية . ننتظر كل شيء من الرب الذي يعمل فينا إذا ما ارتمينا بين يديه ، لأننا لا نملك شيئا ولا نساوي شيئا ولسنا قادرين على شيء .

هاهو الوقت يمضي ونلاحظ كيف انه لدى الكثيرين قد اضرم الرجاء بالله مواقد حب رائعة ، تشتعل بنار تمدّ القلب انتعاشا ، بلا تقاعس او تراخ ، حتى لو تعثّر الدرب بالألم ، حتى لو أزمن هذا الألم .

العالم يعيش في هذه الحقبة من تاريخه بحالة صراع حول ما استجد عليه من خلال هذا الفيروس ، الذي طال بلدان عديدة ، وأوقف عجلة الحياة ، وجعلنا في حالة ضياع وقلق حول المصير والمستقبل ، ولكن ، هل هيّ المرّة الأولى التي يمرّ بها العالم بهكذا أزمات ؟ دون شك كلّا ، لنعود الى تاريخ الشعوب والدول ، نلاحظ أن العالم تعرّض لأزمات وحروب وقلاقل ، ألم يقل لنا الكتاب المقدّس على لسان الرب الإله : " سيكون لكم في العالم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ألم يقل لنا ستسمعون بأخبار الحروب ، وستقوم أمّة على أمّة ومملكة على مملكة ، وتحدث مجاعات وزلازل في أماكن كثيرة وهذا كلّه بدء الأوجاع ... ويضيف أنه سيرتد عن الإيمان كثير من الناس ، يخون بعضهم بعضاً ، ويبغض أحدهم الآخر . سيعم الفساد فتبرد المحبة في قلوب الكثيرين ، ومن يثبت إلى النهاية فهذا يخلص .

هذه الحقائق توالت عبر السنين والأيام ، ولكن الحياة استمرت لأن حياة الانسان هي بيد خالقها ، هو الذي يعطينا الأمل والرجاء بأننا أبناء رسالة وشهادة نحملها في آنية من خزف ، وعلينا أن نحافظ عليها لننقلها إلى الأجيال ألتي ستحمل مشعل الحياة ومستقبلها .

إن حياة الإنسان الذي يصمّم على أن يتجاوب مع عظمة دعوته ، هي صدى متواصل لكلمات الرب الإله الذي قال : "لست أدعوكم بعد عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيّده . بل دعوتكم أحبّائي" : . فمساندة الإرادة الإلهية ، بطواعية ، تفتح أفاقاً غير منتظرة .

عندما ندرك بأن الأمل والرجاء هما آخر شيء نفتقده ، وهما الأداة التي تدفعنا إلى إصلاح سلوكنا وجهادنا ، تحقيقاً لأهداف سامية ، لأجل غير مسمّى ، لا سيما هدفنا المطلق ، ألا وهو الاتحاد بالرب الإله .

ماذا نترجّى ؟ وبماذا نأمل ؟
ربما هناك من يتساءل : ماذا نترجّى ؟ وماهي الآمال التي أصبو اليها . في حين أن العالم يقدّم الكثير من الخيور التي تجذب قلبنا ، الذي يبحث عن السعادة ويطارد الحب بشغف ، ومن جهة أخرى نحن نجتهد بكل ما اوتينا من جهد في زرع الفرح والسلام ، لأننا لا نكتفي بطلب النجاح الشخصي ، بل نسعى لإسعاد كل من يحيط بنا .

لكن ، وأن يكن للبعض نظرة حميدة للأمور ، وإن تكن سطحية وأهدافها باطلة وعابرة ، فهم ينسون أن طموحات البشر تنشر قمما أعلى ولا متناهية . فما يهمنا هو حب الله ، والتمتع به ، ملياً ، بفرح لا نهاية له . وقد عرفنا بطرق عديدة ان خيرات هذه الدنيا ستزول ، وعندما ينتهي هذا العالم ، فلا الغنى ولا الجاه ، سيتبعاننا الى القبر . من أجل ذلك لقد تعلّمنا ان نصلّي بأجنحة من الرجاء ، تجعل قلوبنا ترقى إلى جوار الرب " " بك اعتصمت يا رب ، فلا أخز إلى الأبد " .

لم يخلقنا الرب لنبني لنا ، هنا ، مدينة ثابتة ، لأن هذا العالم هو درب الى عالم آخر ، مسكن لا حزن فيه . إنّما نحن أبناء الله لا نتخلى عن النشاطات البشرية ، خدمة بعضنا البعض من أجل الخير العام ، لأن الرب قد وضعنا في وسطها لنشبعها أمل ورجاء ، فهي الطريق الوحيد الذي يعطي الفرح والسلام الحقيقيين لكافة النفوس من مختلف جوانب الحياة والأوطان .

عليك أيها الإنسان ، أن تعيش الأمل وتصنع الرجاء ، إجتهد ، لعمل الخير ، وأعد النظر بسلوكك المعتاد في الأعمال اليومية ، وتصرّف بعدل في الأوساط التي تتردد اليها ، حتى ولو كنت منهكاً من التعب .

أسعد الذين يحيطون بك ، بمدّ يد العون لهم في العمل ، و بإتمام عملك بأعلى درجة ممكنة من الإتقان البشري ، و بتفهّمك و سلوكك الانساني ، وليكن كل ذلك حباً بالله ، بالتفكير بمجده ، فيما عيناك تتجهان نحو السماء ، بشوق حار إلى الوطن النهائي ، وهو الهدف الوحيد ألذي يستحق العناء .
نقلا عن البوابة نيوز