د.ماجد عزت إسرائيل
   يعتبرالأرمن '> دير الأرمن من أقدم الأديرة بوادي النطرون وهو يقع في الشمال الغربي لدير القديس أيليا أو الياس " دير الأحبـــاش" ومن الشرق دير القديس أبانوب، ومن الغرب دير يحنس (كاما) القصير وتبلغ مساحته نحو ثمانية عشر قيراطًا وأربعة عشر سهم من فدان، تقدر مساحتها بالأمتار المربعة نحو(3250م).

   ويرجع إنشاؤه على أغلب الاحتمال إلى أواخر القرن الحادي عشر الميلادي - وبالتحديد عام 1088م- أيام الدولة الفاطمية حين تولى بعض الأرمن أكبر المناصب حتى وصلوا إلى منصب الوزارة في مصر مثل بدر الدين الجمالي "أمير الجيوش"، الذي دعا رجال الدين الأقباط والأرمن والأجياش والنوبيين إلى العقيدة الأرثوذكسية الموحدة لجميع هذه الطوائف ولهذا سمح الأقباط –على حد علمنا- لطائفة الأرمن بإنشاء دير خاص بهم بوادي النطرون عرف بدير الأرمن، وما يدل على صحة هذا التوحيد والسماح للأرمن بإنشاء دير خاص بهم، هو قيام الأنبا أغريفوريوس بطريرك الأرمن الأرثوذكس بزيارة لأديرة صحارى مصر،خاصة أديرة وادي النطرون عام 1087م، وقد قابل البابا "كيرلس الثاني" البطريرك (67) (1078-1092م) واعترف بالأمانة الأرثوذكسية الصحيحة في حضرة جميع غفير من الناس حتي شاع بين الناس وقتها اعتماد القبط والسريان والأرمن والحبشة والنوبة على الأمانة الأرثوذكسية المستقيمة التى سلمها إلينا أباؤنا القديسون الفضلاء، وقد أحضر هذا البطريرك معه من مقر كرسيه بعض أجساد قديسين أرمن، وبعض صلبان من الذهب وغير ذلك، ولعل تلك المعلومة تفسر لنا كيفية وجود عدد كبير من رفات القديسين والشهداء الأرمن بالكنائس والأديرة في مصر، ومن المحتمل أن يكون هذا البطريرك قد حضر خصيصًا إلى مصر للاعتراف بالأمانة الأرثوذكسية وتدشينالأرمن '> دير الأرمن بالوادي بصحبة كيرلس الثاني البطريرك السكندري.


ويعود تاريخ بداية الوجود الأرمني في الرهبنة بوادي النطرون إلى الراهب مناكيس الأرثوذوكسي العقيدة، والذي جاء إلى مصر لزيارة رهبانها عام(1087م)، ودخل برية أبي مقار وتتلمذ على يد القديس "بيسوس" الراهب بدير أنبا يحنس كاما الذي فرح برؤياه وتباركا من بعضهما. ومن نسكه وزهده كان يلبس على جسمه ثوبًا من الحديد وفوقه مسح شعر. وتميز بموهبة صنع المعجزات ففي إحدى المرات أتوا إليه بشاب به روح نجس كان يعذب كل يوم فمن أجل تواضع هذا القديس سلمه لاثنين من كهنه الأرمن. وأمرهما بقراءة إنجيل معلمنا يوحنا على ماء، ثم قلبه على رأس هذا الشاب (وذلك بعد رشامة الماء بعلامة الصليب المقدس) وبالفعل تم ذلك وخرج الشيطان منه ويرى حتى أن هذا الشاب تبعه ورآه الناس عاقلاً سليمًا يتعلم ويكتسب عند قدمي القديس.

  على أية حال،استطاع الراهب مناكيس أن يؤسس جماعة من الرهبان بدير الأرمن بوادي النطرون، على غرار ما كان متبعًا بديري البساتين وطرة الأرمنيان وكان نظام المعيشة بين أولئك الرهبان بصفه عامة يتشابه مع حياة الرهبان المصريين في البساطة في تناول الطعام البسيط والذى كان يشمل القليل من الخبز الجاف وبعض الملح ولا يشرب غير الماء وكان الإفطار عند معظمهم مرة واحدة عند غروب الشمس ومنهم من امتاز في الزهد والتعبد ومضيِّ ثلاثة أو أربعة أيام في صيام كامل عن الطعام والشراب، وبعضهم كان يمضي أغلب لياليه ساهرًا في صلوات طويلة وإذا أعياه التعب لجأ إلى سنة من النوم لفترة وجيزة مستلقيًا على حصيرة من الحجر إمعانًا في التقشف وتعذيب الجسد.

   وكانت هناك مجموعة من الأعمال التي تتم خارج قلايه التعبد، كل راهب حسب المناوية لخدمة الدير ومنها العمل بالمطبخ أو المخبز أو كبواب أو قندلفت (المسئول عن سراج القناديل)  أو عمل القربان أو دق الجرس أو رى وزراعة وجني ثمار وخضراوات الحديقة أو رعي ما يمتلكه الدير من رءوس حيوانات أو العمل باقتلاع النطرون.


   ويعتبر القرن الثاني عشر الميلادي العصر الذهبي لدير الأرمن بوادي النطرون، ويرجع ذلك للدعم السياسي والمادي للدير، حيث صار بدر الدين الجمالي الأرمني، بعد ظهوره في مصر يمتلك كل القوة ويظهر ذلك من خلال هجرة أعداد كبيرة من الأرمن إلى مصر واستقرارهم بهااوعندما مات بدر في عام(1094م) وخلفه ابنه الأفضل، الذي كان وزيرًا إلى حين اغتياله في عام (1121م) فأقام الجيش وجاء ابنه أبو علي كتيفان خلفًا له ولكنه سقط في عام(1131م) وأخذ مكانه يانيس الأرمني، عبد الأفضل وأخيرًا أقام الجيش أرمنيًّا مسيحيًّا اسمه بهرام وزيرًا في عام 1134م ووصل الأرمني والمسيحيون في عهده إلى أقصى نفوز لهم، ويؤكد على ذلك سيرة "تاريخ البطاركة" وكان للمسيحيين في أيامه تأثير ونفوذ كبير، حتى أصبح في يدهم الوظائف في الديوان الكبير. ويمكن أن ندرك مدى الامتياز الذي تمتع به الأرمن من مثل واحد وهو أن أسقف أطفيح - دينة كانت تابعة لمحافظة الجيزة- دعى إلى البلاط لإلقاء محاضرات تاريخية للخليفة الحافظ وكان له حق المثول حفلات استقبال الخليفة للزائرين في أيام الاثنين والثلاثاء، ومن المحتمل أنالأرمن '> دير الأرمن بعد تلقى الهبات والمعونات العينية والمادية من السلطة السياسية في ذات القرن، حيث ساهمت هذه العطايا في ازدهار وكثرة رهبانالأرمن '> دير الأرمن بوادي النطرون.

 وحاليًا يحتاج الأرمن في وادي النطرون'>دير الأرمن في وادي النطرون إلى تدخل وزارة الآثار المصرية لإنقاذه من الاندثار وإعادته على الخريطة الرهبانية والسياحية.....فهل تتدخل وزارة الآثار المصرية وتنقذ مئات الأديرة المندثرة في وادي النطرون؟.