عادل نعمان
ولأنى كنت دائماً أخشى العقوبة الجماعية مخافة أن يُظلم برىء، وأفزع أن يجرف الموج فى تياره مسالماً عفيفاً، ويأخذ فى طريقه الطالح بالصالح، إلا أنى لما علمت رأيهم الشرعى فيمن قتل مظلوماً فى العمليات الإرهاب'> الإرهابية، دون ذنب أو جريرة، إلا أنه كان حاضراً بالصدفة أو ساقته قدماه إلى مرمى نيرانهم، كبيراً كان أو صغيراً، مسلماً أو غير مسلم، قال بعضهم: فإذا كان مسلماً مات شهيداً، ويُبعث يوم القيامة على حاله، يزهو ويختال بين أهل الجنة، ومن مات منهم على غير الإسلام، فموته كرم عليه وفائدة له قبل أن يستفحل كفره، ونجاة له من تعاظم معاصيه، وللمجاهدين على هذا فضل وأجر عظيم يضاف إلى رصيدهم، فيؤجرون على كل من قتلوا من هؤلاء وهؤلاء، ولما كان الخطأ فى القتل مأجوراً ومسموحاً ومباحاً، فلماذا لا نظلم منهم فريقاً.. ويُؤجرون؟ ونتعسف على أهليهم.. ويُثابون؟ ونأخذ أولادهم أو أبناءهم بجريرتهم.. ويفلحون؟ ولماذا لا نطغى ونجور على من كان منهم مؤيداً ومتعاطفاً وممولاً وحامياً وآوياً؟ ولهم جميعاً الجزاء والأجر والمثوبة والعقبى على ما ينالون من تعسفنا وطغياننا، بعضاً مما صدروه للبؤساء وللمظاليم هنا وهناك، وكله سلف ودين، يدفعه الأبناء والأحفاد كما دفعه المظاليم فى تاريخهم العامر منذ قرون، ويكون فضلنا عليهم عظيماً وخيرنا عليهم وفيراً.

وإياك أن تظن أن هذا الإرهاب'> الإرهاب الذى يحصد أرواح الأبناء بلا ظهير أو حاشية أو بطانة أو معين أو نصير، بل له حاضنة وسرير يأوى إليه، ويلتحف وينام عليه ويغمض جفنيه فى أمان وسلام، يأكل ويشرب ويضاجع ويتوالد ويتكاثر وينهل من نعم هذه الدولة الطيبة الطاهرة، وربما يعيش على كفالتها، وهو أمر محزن ومضحك، نطارد المربوط ونعرض عن السايب. ونلاحق المجهول ونترك المعلوم، ونتعقب الغامض ونعفى المحرض من المساءلة.

ولا تظن أيضاً أن الإرهاب'> الإرهابيين فى سيناء ينزلون علينا من السماء ويختفون فى الكهوف، دون مدد وسند ومعين، ولا يعيب أهلنا هناك، كما لا يعيب الشرفاء فى كل مكان، ومدرسة العون والغوث والمدد واسعة وعريضة، فصولها بطول وعرض الوطن، يبدأ الفصل الأول بهؤلاء المحرضين من مشايخ الغبرة، وعلى كل لون، فى حديثهم «تقية»، ألسنتهم معنا وسيوفهم علينا، يقسّمون الجنة والنار على هواهم، وإذا حدثوك عن الجهاد والمجاهدين والشهادة، كان لكل فريق من المتقاتلين منها نصيب، وكل فريق بما لديهم فرحون، بل وأزيدك أن وقع كلماتهم على النفوس أشد على الناس من وقع القتل نفسه، وبعد كل مصيبة تسمع منهم ما يزيد الحزن حزناً والهم هماً أعظم، وكأن أولى بهم لو كانوا من هذا الشعب الطيب أن يرفعوا عن الناس ما أحزنهم، ويضعون مزيداً من الصبر والسكينة على نفوس من فقد الابن والأب والأخ والرفيق من المدافعين عن الوطن، هؤلاء المشايخ ارفعوا عنهم الحصانة، واحصروهم واعزلوهم، فوالله لو قدر لهؤلاء الغلبة والاعتلاء والركوب والوصول، لبرطعوا وامتطوا وهتفوا بالنصر المبين، وكانوا أول من ينصبون المشانق لحصد الرقاب، فلا تأمنوا لهؤلاء، ليسوا معكم بل عليكم.

ثانيهم وثالثهم ورابعهم حتى آخر فصول المدرسة، كل من مول وأيد وأعان وساند وآوى أحداً من هؤلاء، ولو عرف كل منهم أن عقوبته عقوبة الفاعل الأصلى، لتراجع منهم الكثير، وحاصرناهم وضيّقنا عليهم الأرض، إلا أن هؤلاء جميعاً قد أمنوا العقوبة، وسلموا من المساءلة، حرضوا وأعانوا وساندوا وهم أحرار طلقاء، هذا الحبل السرى الذى يربط الإرهاب'> الإرهاب بهذه المدرسة آن الأوان لقطعه وبتره، فهو موصول ومربوط، ولا أتصور أن إرهابياً قد خرج من بيته دون حلقة اتصال مع أهل أو خليل أو رفيق، وغالبيتهم متفقون على الهدف، وربما على الوسيلة، راقبوهم المراقبة الدقيقة، وتعاملوا بخشونة معهم، ولاحقوهم وطاردوهم وضيقوا عليهم، ولا يخدعك قولهم، فهم يجيدون فنون المراوغة والمحايلة والتخفى تحت ستار الدين، ولا يفوت ولا يفلت من هؤلاء الشامتين على شبكة التواصل الاجتماعى، لهم نصيب من هذه الخشونة وهذه الغلظة، والتى لا ينجو منها المخالف فى الرأى، وللأسف وتزيد وتتعدى حدود الخشونة كثيراً.

الإرهاب ظهيره بيننا، ومعاونوه ومحرّضوه ومساعدوه ومموّلوه تحت سمائنا، ومأواه فى بيوتنا، وأكله وشرابه من خيرات هذا البلد، وشيعته بين ظهرانينا، ولا عجب فى ذلك، العجب كل العجب، أن نترك كل هؤلاء أحراراً ونلاحق غيرهم، وهم الأحق بالملاحقة، وندعهم يعبرون عن رأيهم ويشمتون ويحرضون، ونطارد رأياً مخالفاً ونتعقبه حتى يخرس ويسكت وهم الأولى بالخرس والسكوت، هذا الوصال وهذه الوصلة آن الأوان لقطعها وبترها فوراً إن كنتم جادين فى محاربة الإرهاب'> الإرهاب وقطع ذيله ودابره، وهى الخطوة الأولى فى محاربة الإرهاب'> الإرهاب، دونها فصول المدرسة ستظل مفتوحة لاستقبال تلاميذ جدد، يلتحقون اليوم وغداً بكتائب الإرهاب'> الإرهاب.
نقلا عن الوطن