الشيخ الفلاني كان متشدد وبعدين تراجع عن فتاواه القديمة. وفلان كان ملحد وبعدين رجع مسلم تاني. طيب وفين المشكلة؟ الناس مسموح لها تغير قناعاتها لأنها مع مرور الزمن وتراكم الخبرات قد ترى الأمور من زوايا مختلفة.

المشكلة ان الشيخ سيطر على عقول ناس كتير وخلاهم متشددين، والملحد خلا شباب يسيبوا الإسلام بسبب أفكاره وبعدين دالوقتي مش عارفين يعملوا ايه. 

هي دي بقى المشكلة الحقيقية. انك تسلم عقلك لحد وتمضي له على بياض سواء باسم الدين أو باسم الحرية والعقلانية. الشيخ والملحد ليهم عقل زي عقلك بالظبط، تحركهم انحيازات معرفية زيك، وممكن فيه عوامل شخصية أو ضغوط تانية وصلتهم لقناعات وقرارات معينة، انت ليه بقى تربط مصيرك بمصيرهم؟ لو كنت انت كامل الأهلية وتتحمل مسؤولية نفسك كنت سمعت كلام الشيخ وفكرت فيه بعقلانية وسمعت كلام الملحد وفكرت فيه بعقلانية وقريت آراء العلم وآراء الفلسفة وبعدين توصلت لقناعاتك ومنظومتك الأخلاقية الخاصة. العالم كله فيه رجال دين وفيه ملحدين، وكلهم بيدلوا بدلوهم وبينشروا أفكارهم ومفيش مشكلة. عندنا بس الشيخ بيستقطب مجموعة كبيرة من الناس ويكونوا مجموعة  ترى نفسها انها ضد باقي المجتمع، والملحد يستقطب مجموعة كبيرة من الشباب الذين يريدون أن يحاربوا كل شيء له علاقة بالإيمان...
 
طيب انت مثقف وعقلاني وما بتمشيش لا ورا الشيخ ولا ورا القطيع، زعلان من ايه بالظبط؟ زعلان من الشيخ اللي بيستغل جهل القطيع؟ لأ المفروض تزعل ان فيه قطيع وبس، لأن طالما فيه قطيع هتلاقي أي حد وأي فكر يحركه حسب هواه ومصالحه. العسكري محتاج قطيع، والإخواني والشيوعي محتاج قطيع، والشعبوي محتاج قطيع. وطول ما القطيع موجود مش مهم مين اللي يمسك الحكم ومين اللي يتحكم في العقول...  
 
المشكلة عندنا ان محدش بيقرا.. وأي حد عنده القدرة على تنميق الكلام بشكل جميل يستطيع اقناع الكثيرين به حتى لو كلام فارغ. المشكلة هي ثقافة القطيع والإقصاء وعدم التواضع المعرفي. المؤمن غير مكتفي بقناعاته الداخلية ويريد أن يصير الباقين مثله، والملحد يخرج من الدين، لكن الدين لا يخرج منه.  
المشكلة مش عسكر وإخوان ولا إيمان و إلحاد.. المشكلة هي علاقتنا المريضة بالحرية والعقلانية التي تجعلنا نريد أن نروج لأفكارنا نحن ونريد أن يكون الجميع متسامحين معنا ومع أفكارنا، لكننا لا نريد أن يروج الآخرون لأفكارهم ولا نتسامح معهم ولا مع أفكارهم.. لذلك أكرر دائماً: أنا لا يساري ولا يميني، لا مع السيسي ولا الإخوان، لست مؤمنا ولا ملحداً، لا أعرّف نفسي من خلال انتمائي لدين ولا لتوجه سياسي. أنا إنسان.. كنت هنا قبل الأديان وقبل الأحزاب.. ووجودي أعمق وأهم من كل ما كتبته الأديان وكل ما تعد به الأحزاب.. ما يهمني فيك هو انسانيتك وحقوقك لا معتقدك.. الأفكار والمعتقدات التي تفصلك عني وتجعلك تكرهني خدعة.. نحن أبناء نفس الكون ونفس الطبيعة.. أصلنا واحد وهدفنا واحد.. ولكن حين تترك كل ما يجمعنا وتصف نفسك بكلمة مسلم أو مسيحي أو يهودي أو ملحد أو شيوعي أو إخواني، أنت تضع نفسك تلقائيا في خندق مواجهة معي ومع كل من لا يعتقدون مثلك.. 
تعالوا جميعاً إلى كلمة سواء:
استخدم عقلك، ولكن حاول أيضاً أن ترى الأشياء بعيون قلبك!
لا تحكم على غيرك لأنك لا تعرف عنه إلا القليل!
عامل غيرك بما تحب أن يعاملك به
لا تدعي امتلاك الحقيقة، لأن كل منا لا يرى إلى من زاوية ضيقة محدودة!
تذكر دائماً أن الصراع والكراهية يبعدوك عن الفهم وعن الحقيقة!
من حقك أن تغير قناعات، لكن لا تحاول اقناعي في كل مرة ان ما توصلت إليه هذه المرة هو لب الحقيقة!
تذكر أن كلماتي هذه مجرد رأي وليست "الحقيقة"!