مدحت بشاي

لعل أن من أهم تبعات أزمة " كورونا " التي نعيشها ويعيشها العالم كله ، أنه كان بمثابة الحدث الكاشف لمدى قدرات الدول وإمكانياتها الإدارية والعلمية البحثية والفكرية والاقتصادية والبشرية ، وبات الحوار القائم حول الأزمة  متجهًا حول ضرورة التسارع نحو العمل على تنمية كل تلك الإمكانيات بخطى موضوعية لتحويل تلك المحنة إلى اعتبارها فرصة و كأنها منحة أهداها لنا القدر لنعمل تحت ضغط الحاجة الاضطراري وقي الزمن القليل المتاح لنا لتحقيق مكاسب وانتصارات ، وهو بحق ما حاولت حكومتنا بكل مؤسساتها أن تفعله بنجاح إلى حد كبير بقرارات ومواقف بعضها استباقي رغم حداثة وبشاعة ذلك الفيروس اللعين الذي لم يمنح لأحد كل أسراره ونأمل أن تستكمل إدارتنا المصرية خطوات نجاح مسيرة العمل وفق جهد تلك المنظومة الجماعية المكلفة بقيادة و إدارة المواجهة الصعبة و التفاعل الإيجابي العلمي  مع الكارثة بكل أبعادها ..

ورغم الدعم الإعلامي الهائل ( الحكومي العام والخاص ) برسائل تكرارية ملحة لتأهيل شعبنا للتفاعل الإيجابي مع كل مراحل الأزمة ، إلا أن ــ وللأسف ــ كان قرار تعليق تشغيل المساجد والكنائس بشكل مؤقت محل انتقاد ومعارضة من جانب بعض رموز المسجد والكنيسة وبدعم من جانب بعض منصات الإعلام الديني المتشددة عن جهل و دون تقدير لخطورة الموقف ، وبدلًا من اتخاذ مواقف وقرارات محفزة لمتخذ القرار لأن يأخذ بأسباب العلم ، قام بعضهم من أصحاب الأصوات المؤثرة في البسطاء بالاستشهاد بآيات من الكتب المقدسة باللعب في أساسيات مقاصدها بتأويلات خاصة للتأكيد أن فيروس كورونا وما يفعله في كل الدنيا هو إعلان غضب إلهي ، وما علينا سوى الامتثال لقدر محتوم والاكتفاء بالصلوات والدعاء ..

والآن ، أتابع رجل دين و أنا أكتب تلك السطور وهو يؤكد على مفاهيم ورسائل وعلامات استفهام استنكارية لمواقف و أنجازات أجهزة الدولة ، والتي منها :
•    ألا ترون أن " كورونا " أثبتت أن التقدم العلمي الذي تحقق في العهود الأخيرة تم هزيمته بقيروس يكاد لا يرى ؟
•    ألا ترون أن بناء الحضارات وتشييد المدن التاريخية العظيمة مثل " نيويرك " الأمريكانية أبرز مدن تلك الدولة العظمى قد سكنها شبح الموت بضربات قاضية ليبقى الحجر ينعي من شيدوا به تلك العمائر العصرية  الساحرة بعد حصد أرواح المئات من ساكنيها بفعل فيروس لا يرى بالعين المجردة  ؟

•    ألا ترون ما جرى لولي العهد البريطاني الرجل الشهير بحرصه الكبير على أن تبقى حالته الصحية طيبة حتى أنه كان يظهر دومًا وهو يرفض المصافحة باليد .. ألم ترونه ، وكيف غزاه ذلك الفيروس التافه المميت ؟

•    ألا ترون أهل الرياضة ونجوم الكرة و قد هزمتهم وهزمت أجسادهم الرياضية ذلك الفيروس القاتل الماكر لهم ؟
•    وعليه ، ألا ترون ذلك الانتصار الهائل للفيروس وهزيمة العلم ومنجزاته و ضرب كل صنوف الفكر الإبداعي و أصحابه والرياضة وفرسانها والملوك في عروشهم ، والجميلات الساحرات المطلات من شرفات جوليت  ؟

وظل الرجل الدربيش يعدد بحماس كل جوانب انتصارات " كورونا " والدروس المستفادة من وجهة نظره التي تؤكد على دور المؤسسات الدينية ورموزها وواجب الطاعة والانصياع للتوحد في صلوات جماعية حتى تنزاح الغمة بتقديم التوبة ( والطريف أنه لم يذكر وفاة عدد من رجال الدين وهم يمارسون طقوس العبادة ) .. والمهم تأكيده على تضاؤل ، بل و السخرية من دور السياسة والفنون وأفكار وتجليات البناء الثقافي ودور العلوم والبحث العلمي و بالمختصر المفيد يدعو إلى ضرورة الانصراف عن أذى أهل التفكير العلماني الهش الملحد من وجهة نظره ..
وبالطبع ، ليس من بيننا من يقلل من أهمية التوجه باتضاع للدعاء إلى رب العباد أن برفع عنا البلاء ويفك حالة الكرب ( الكارونية ) ، ولكنه دعاء المواطن الحي الصالح والمسؤول و القائم بواجباته التي أرسله خالقه للقيام بها من أجل إعمار الأرض ، و أن نجول نعمل خيرًا في كل أرجاء المسكونة من أجل استمرار الحياة بسلام وحب وتعاطف وتعاضد إنساني نبيل ..