محمد حسين يونس
وهكذا ما أن هلت خمسينيات القرن الماضي ..حتي كانت مصانع المحلة الكبرى و كفر الدوار تمتليء بالعاملات القادمات من القرى المجاورة ..

و بنات الريف ينضممن بكثافة (للترحيلة) جنبا إلي جنب مع شبابها ..بل يشاركن في طبلية الخرسانة يحملن القصعة و يتحركن في طوابير طويلة لصبها.. و بعضهن يعملن في المدن خادمات و تمرجيات أو بياعات لمنتجات الريف في الأسواق الإسبوعية ..

و من تعيش في القرية لا يتوقف جهدها منذ الفجر حتي العشاء تحمي الفرن و تخبز و تحلب الجاموسة و تصنع القشدة و الجبن و تراعي الدواجن و تجمع البيض و تجهز الطعام ..

نساء عاملات مجهدات لم يتغير سلوكهن أو ملابسهن أو أغانيهن ..و رقصهن في المواسم و الأعياد عن ما كانت تفعلة الجدات....و لم يتأثرن بهدى شعراوى أو حسن البنا .

وكان بالمدن طبقة وسطي من النساء اللائي يرتدين ملابس عصرية حاسرات الرأس أغلبهن من الأجنبيات و اليهود ..يمثلن نتاج حركة نسائية قوية ( بعد إقبال الشابات علي التعليم بكل مراحله ) .. سيدات يعملن في مهن مختلفة منها التدريس و التمريض و السكرتارية و البيع بالمحلات الكبرى .. و بعض الممثلات في المسرح و السينما مثل عزيزة أمير و بهيجة حافظ وفاطمة رشدى و أمينة محمد .. ثم أسيا و مارى كوين .. .. و رائدات في الصحافة .. و قيادات تعليمية نسوية .. و أعتقد أن في ذلك الزمن كان هناك سيدة تقود طائرة..

الأميرات و الطبقة العليا .. كنت ترقبها من علي بعد في الإحتفالات .. و الأعمال الخيرية ....و تملأ صورهن الجرائد جميلات في ملابس فاخرة و زينه مكلفة ..و تدور الأحاديث و النميمة حولهن في المجلات .. و لكنهن خارج إطار بنات الشعب فلهن مجتمعهن الخاص الذى يصعب اختراقة حتي لاسر الباشاوات المحدثين.

و كانت هناك أسماء نسائية تلمع في كل المجالات ..مثل صفية زغلول ،أسماء فهمي ، عائشة تيمور ، أمينة السعيد ،حكمت أبو زيد ،درية شفيق ،سهير القلماوي ،فاطمة راشد ، عائشة عبد الرحمن ،مفيدة عبد الرحمن ،ملك حفني ناصف ،نبوية موسى ، نفوسة خليفة ، عزيزة خليفة ،نعمات أحمد فؤاد ،نوال السعداوي ،هدى شعراوي ، سيدات ناضجات مؤثرات في محيطهن ..بعضهن إزدهرن قبل 1952 و البعض من خلال الحراك التالي .

الشارع المصرى في بداية خمسينيات القرن الماضي .. كان مشبعا بعوامل التغيير .. و الثورة ضد المحتل .. و الأرستقراطية الحاكمة المنفصمة عنه ....و كانت الأحزاب الفاشيستية ( مصر الفتاة و الأخوان المسلمين ).. و اليسارية .. و الشيوعية و القومية .. لكل منها أجندتها الخاصة و جرائدها .. و كوادرها من الرجال و النساء و حركتها بين الجماهير

درية شفيق واحدة من تلك القيادات التي عكست التوجه الليبرالي للنسويات الحديثات، والذي تحدى نشاطهن الدولة بشكل ظاهر... ففي عام 1951، اقتحمت مع 1500 امرأة البرلمان، مطالبات بحقوقهن السياسية كاملةً، واصلاح قانون الأحوال الشخصية، ومقابل عادل لساعات العمل.ولم يقبض عليهن أو يعتقلن .. أو يغتلن بدم بارد كما حدث لحفيداتهن.. في العقد الثاني من القرن التالي .

في ذلك الزمن كان هناك العديد من الكتاب و الفنانين الذين يدعمون حركة تحرير المراة .. سنأخذ منهم مثالا سلامة موسي.. في كتابه المرأة ليست لعبة الرجل .. حيث كان يطالب فيه من الأغلبية غير المتطورة من النساء

(( إني أدعوك أيتها المرأة المصرية إلي أن تثبتي وجودك الإنساني و الإجتماعي في الدنيا بالعمل و الإقدام و أن تختارى حياتك و إختباراتك )) .

(( أدعوك أن تدربي ذكاءك و تربي شخصيتك و تستقلي في تعيين سلوكك و تزدادى فهما و خيرا و نضجا بالسنين )) ..

(( لا نكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال للذتنا نشترى لك الملابس الزاهية و الجواهر المشخشخة و نطالبك بتنعيم بشرتك و تزيين شعرك و كأن ليس لك في هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك و نلهو )) ..

لقد كان العم (سلامة) متأثرا بمسرحية الكاتب النرويجي إبسن ( بيت الدمية ) والتي يبشر فيها بتمرد النساء و تغير دورهن في المجتمع ( نكمل حديثنا غدا ).