كتب : مؤمن سلام

المنتمين لأي تيار سياسي أو فكرى أو فلسفي لا يمثلون نسخ واحدة متكررة. فكل مجموعة وربما كل فرد داخل التيار يمثل حالة أو رؤية أو توجه، وهو أمر من طبائع الإنسان، فكل فرد في هذا العالم مثل بصمة الإصبع لا يتطابق مع غيرة. ولعل هذا الاختلاف هو سبب تقدم الإنسان وتطوره فكل فرد يكمل الأخر، وكل فرد يضيف شيء مختلف للإنسانية لتكون الحياة على ما هي علية الآن. ولعل أحد أسباب تخلفنا هو أننا نحاول أن نكون نسخ متماثلة من بعضنا البعض، ولعل سبب تقدم أوربا هو أنها أدركت أن اختلاف الأفراد أمر حتمي فتخلصوا من محاولات قولبة الإنسان وسعوا إلى إدارة هذا الاختلاف بنشر ثقافة الديمقراطية التى تضمن قبول الاختلاف والاستفادة منه. أما في بلادنا التعيسة فمازلنا نرفض الاختلاف ونعتبر الشخص المختلف فكريا أو سياسيا أو عقائديا شخص مارق يجب القضاء علية من أجل الحفاظ على وحدة القطيع.

أي تيار سياسي يحتوي على طيف مختلف من الأفراد يطبع كل منهم أفكار التيار الذي ينتمي له بشخصيته الذاتية. ولذلك نجد في داخل التيار الواحد المتطرف المتعصب، والمعتدل المنفتح، والثوري المثالي، والإصلاحي البرجماتي، وصاحب المواقف الواضحة، وصاحب المواقف الضبابية وهكذا إلى ما لانهاية من المواقف داخل نفس دائرة الأفكار. دائما هناك من يقف في منتصف الدائرة وهناك من يقف عند حدها الأيمن أو الأيسر ومن يقف بين الوسط والحد.

هذا الاختلاف لا يقتصر على بلادنا ولكنه السمة العامة لكل الأحزاب والتيارات السياسية في العالم، الفرق بيننا وبين الدول المتقدمة هو في كيفية التعامل مع هذا الاختلاف. المجتمعات الديمقراطية حيث الديمقراطية ثقافة وليست مجرد سياسة أو صندوق انتخاب، يدير التيار أو الحزب السياسي هذه الاختلافات بما يحقق مصلحة المشروع السياسي. فبعض المواقف تحتاج للمتشدد، وأخرى تحتاج للمعتدل، وقرارات تحتاج للحكمة وصراعات تحتاج للثائر الغاضب، وأوقات تحتاج للموائمات وأوقات تحتاج للحسم. كل هذا يتم في إطار من التعاون والتنسيق مثل سيمفونية موسيقية تؤدى كل أله فيها دورها ليخرج هذا النغم الرائع.

أما في مصر فالأمر مختلف، فالاختلاف في رأى يفسد للود قضية والكل متهم، الإصلاحي متهم بالانبطاح والضعف، والثائر متهم بالعمالة والغباء والجهل، والمحافظ متهم بالفساد والسعي وراء مصالحة الشخصية، والوسطي متهم بالميوعة، ومن على اليمين أو اليسار متهم بالتطرف، فينتهي الأمر بمجموعة من المتشاكسين المتصارعين فيما بينهم داخل نفس التيار أكثر من صراعهم مع التيارات المنافسة.

ربما لم تكن هذه لتكون مشكلة كبيرة لو كانت هذه السمة السائدة في كل التيارات السياسية المصرية، إلا أن هذه السمة تغلب على التيار العلماني، بشقية اليساري والليبرالي، في مواجهة تيار أصولي يتصف بقدرته على قولبة أعضائه وتحويلهم إلي قطيع يلتزم بالسمع والطاعة الصارمة. لتصبح المواجهة بين تيارات متشاكسة داخليا وتيار يتحرك ككتلة صلبه واحدة. ولعل هذا ما يفسر قدرة العلمانيين على الحشد وقدرة الأصوليين على الفوز في الانتخابات، فالحشد لا يحتاج لكثير من التوافق والتنسيق، بينما الانتخابات تقوم في الأساس على التنسيق وتوزيع الأدوار والتوافق على برامج ومرشحين.

ونحن على أبواب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، هل يتخلص التيار العلماني من أمراضه وينسق فيما بينة أم سيستمر الشقاق ونحصل على برلمان تسيطر علية الأصولية والقوى التقليدية؟