بقلم : مؤمن سلام

تلقى الإسلام السياسي ضربة قوية في 30 يونيو 2013، وهى بلا شك أقوى ضربة يتعرض لها الإسلام السياسي في مصر وربما في العالم منذ تأسيس أول جماعات الإسلام السياسي في عام 1928 على يد حسن البنا. ضربة أقوى من ضربة عبد الناصر وضربة النقراشي، وبالتأكيد أقوى من صفعة السادات، أما مبارك فكان يلعب معهم لعبة القط والفار والموائمات والتوازنات. تأتى قوة ضربة 30 يونيو من جهتين:
 الأولى: أنها ضربة من الشعب وليست من السلطة
فلأول مرة في تاريخ هذه الجماعات الأصولية تتلقى الضربة من الشعب المصري وليس من السلطة. ففي كل مرة كانت السلطة هي التى تعتقل وتقتل وتعدم أعضاء هذه الجماعات وقادتها، في ظل تعاطف من الشعب مع هذه الجماعات بل ومساعدة لهم في الهروب والاختباء والإنفاق على اسر المعتقلين في بعض الأحيان. أما الآن فالذي يطارد هذه الجماعات ويحاربها في الشارع هم المواطنون، بل هناك كثير من الانتقادات توجه للسلطة بسبب تراخيها وعدم الضرب بيد من حديد على يد هذه الجماعات. ولعل اللحظة الكاشفة لهذا، هو ذلك اليوم الذي هاجم فيه أهل الإسكندرية الشيخ المحلاوي وحاصروه ولولا الجيش المصري لما خرج من مسجده، إذا قارنا هذا اليوم بموقف الشعب المصري من السادات عندما قال عن المحلاوى بعد أن تم اعتقاله "أهو مرمي في السجن زى الكلب " فغضب الشعب من هذه المقولة حتى مؤيدي السادات اعتبروها زلة لم يكن على السادات أن يقع فيها.

كذلك خروج الأمة المصرية يوم 30 يونيو ضد الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، أثبت بالدليل الواضح أن هذه الجماعات لا تسيطر على الشارع كما تدعى. كما أثبت أن الأمة المصرية مثل كل الأمم تسعي إلى العيش الكريم وتريد سلطة توفر لها الوظائف والأجر العادل والرعاية الصحية والتعليم المتوافق مع المعايير الدولية. أما الدين فهو أمر شخصي، وكون الرئيس يصلى أم لا فهذا يخصه واحدة، وما يهمنا نحن المصريون هو الأداء السياسي والاقتصادي وليس أداء الرئيس لفريضة الحج.

الثانية: أنها ضربة للفكر وليس للتنظيم
جاءت هذه الضربة ولأول مرة أيضا موجهة لفكر هذا التيار وليست موجهة للتيار وأفراده فقط. فبعد عام من حكم الإخوان المسلمين ثبت فيه للغالبية العظمى من المصريين أن هذا التيار ليس لديه فكر أو رؤية أو مشروع، ولكن شعارات دينية وفقط. فهم لم ينجزوا شيء على أرض الواقع، خاصة في المجال الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة المصريين. وحتى على مستوى الخطاب الديني فقد ثبت أن كل خطابهم الديني الذي يستدعى نماذج نادرة من التاريخ الإسلامي، ما هي إلا أوهام يدغدغون بها مشاعر المصريين. ولعل أبسط مثال على ذلك هو استدعائهم الدائم لمثال عمر بن الخطاب وعدله وزهده وتواضعه، حتى تخيل الناس أن الرئيس المنتمى لهذا التيار سيسير وسط الناس في الشارع مرتديا لبسا بسيطا ولن أقول مرقعا وربما وجدة يقف بينهم على عربة الفول يتناول غداءه. ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما.

الآن يأتي السؤال حول تأثير ضربة 30 يونيو على مستقبل هذا التيار. إلا أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب الإجابة على سؤال أخر حول أسباب صعود هذا التيار واستيلاءه على الحكم في معظم دول الربيع العربي. بمعنى، هل كان هذا الصعود نتيجة عوامل قوة ذاتية كامنة في الإسلام السياسي، أم نتيجة عوامل خارجة عنه تتمثل في القوى الدولية والمحلية؟
هناك ما يشبه الإجماع بين المؤرخين والمحللين أن السادات قد أطلق قوى الإسلام السياسي في السبعينات من القرن العشرين من أجل القضاء على نفوذ قوى اليسار في الشارع المصري. إلا أن ما فات هؤلاء أن هذا التحالف بين النظام المصري والإسلام السياسي لم يكن تحالفا محليا فقط ولكن تحالفا دولية كان على رأسه الولايات المتحدة والسعودية وانضمت له مصر الساداتية. ففي حرب الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الباردة ومع وصول نيكسون إلى البيت الأبيض، عملت الولايات المتحدة على استخدام الدين كوسيلة لتحصين الشعوب ضد الأفكار الشيوعية. فكان هذا الصعود لليمين المحافظ في الولايات المتحدة والإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، أو ما يطلق علية في أدبيات هذا التيار "الصحوة الإسلامية". ظهر هذا التحالف بشكل واضح وصريح في الحرب الأفغانية السوفيتية، حيث تولت الولايات المتحدة إمدادات السلاح، والسعودية ومن ورائها باقي دول الخليج التمويل المادي، ومصر وباقي دول المنطقة الإمداد بالمقاتلين.

بانتهاء الحرب التى استمرت 10 سنوات وسقوط الاتحاد السوفيتي بعد الانسحاب من أفغانستان بحوالي 4 سنوات، لم ينتهي هذا التحالف الدولي مع جماعات الإسلام السياسي، حيث ظهرت مشكلة أخرى في التسعينات وهى مشكلة الإرهاب.
فقد ظهرت مدرسة في الولايات المتحدة تفرق بين نوعين من الإسلاميين، الأول، هم الإسلاميين المعتدلين الذين يؤمنون بالعمل السياسي وآليات الديمقراطية ونموذجهم الإخوان المسلمين. والنوع الثاني، هم الجهاديين المتطرفين الذين يحملون السلاح من أجل تحقيق أهدافهم السياسية ويكفرون آليات الديمقراطية مثل القاعدة والسلفية الجهادية. تبنت هذه المدرسة فكرة التحالف مع الإسلاميين المعتدلين من أجل القضاء على الإسلاميين الراديكاليين.
ولم تكن مصر بعيدة عن هذه الأفكار الأمريكية. فمع تصاعد وتيرة الإرهاب في مصر في تسعينات القرن الماضي، أطلق نظام مبارك العنان لتنظيم الإخوان المسلمين للعمل في الشارع المصري لمواجهة إرهاب جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية. وعندما تم القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية (مؤقتا) وجد النظام أمامه تنظيم الإخوان وقد تضخم، فقام بالتحالف مع السلفيين لمواجهة النفوذ الإخواني في الشارع المصري. فأصبح كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
إذا، فقد كان صعود هذا التيار إلى سدة الحكم نتيجة عوامل خارجية وليس عوامل قوة ذاتية. وبالتالي فبقاء هذا التيار على الساحة أو انزواءه ليصبح أقلية متطرفة منبوذة في المجتمع، يعتمد على 3 عوامل لا ترتبط أي منها بهذا التنظيمات.
1- القوى الدولية
أثبتت 30 يونيو خطأ المدرسة التى قسمت الإسلاميين إلى معتدلين يؤمنون بالديمقراطية، ومتطرفين يؤمنون بالعمل المسلح. فقد أثبتت الأحداث أن كل الإسلاميين لا يؤمنون بالعمل السياسي ولا بالديمقراطية، وأن الديمقراطية هي مجرد وسيلة يستخدمها الإسلاميين للوصول للسلطة يتخلصون منها بمجرد الجلوس على كرسي الحكم. فدائما الانتخابات التى تأتى بالإسلاميين هي أخر انتخابات ديمقراطية. كما كشفت أحداث 30 يونيو وما بعدها أن كل هذه الجماعات الأصولية ما هي إلا شيء واحد، أسماء كثيرة تعبر عن جوهر متطرف واحد. فقد رأت أمريكا رأى العين أن الإخوان والقاعدة والسلفية كلها وجوه متعددة لحقيقة واحدة.
ولذلك من المتوقع بعد انكشاف هذه الحقيقة، أن تتخلى الولايات المتحدة عن دعم هذه الجماعات بعد أن انكشفت للرأي العام الأمريكي وكذلك فضح أكذوبة سيطرة هذه الجماعات على الشارع المصري. إلا أن من المتوقع أن لا ترفع أمريكا غطاءها السياسي بالكامل عن هذه الجماعات حتى اكتمال انسحابها من أفغانستان في 2014 لتأمين هذا الانسحاب.
2- النظام المصري القادم
هل سيستفيد النظام القادم من تجربة السادات ومبارك؟ فقد تحالف كل منهما مع جماعات الإسلام السياسي من أجل تحقيق أهداف سياسية حفاظا على السلطة وتجنبا لإقامة نظام ديمقراطي يخطوا بمصر خطوات للأمام، فقتل الأول وسجن الثاني. فإذا كان النظام القادم سيسعى لتأسيس نظام ديمقراطي حديث فمن المتوقع أن ينزوى هذا التيار السياسي في خلال بضع سنوات. أما إذا كان النظام السياسي القادم سيسعى إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعودة للأساليب القديمة للحكم رغم أنها أثبتت فشلها وكانت المسبب الأول لمظاهرات 25 يناير وما أدت إليه على مدار 3 سنوات حتى الآن وضعت الدولة المصرية على المحك وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. إذا كانت هذه هي توجهات النظام القادم فبالتأكيد سيتحالف مع أحد فصائل هذا التيار من أجل ضمان استمراره في الحكم دون تقديم إنجازات حقيقية على أرض الواقع. وبالتالي سيستمر حضور تيار الإسلام السياسي في المشهد المصري.
3- العلمانيون
من المحددات لمستقبل الإسلامي السياسي هو فعل العلمانيون على الأرض. فأهم ما أنجزته 25 يناير هو رفع سقف الحريات في مصر وأهم ما في دستور 2014 هو الحفاظ على هذا السقف المرتفع من الحريات. ولهذا فعلى العلمانيين (يساريين وليبراليين) التحرك على الأرض من أجل نشر التنوير والحداثة بين أفراد الأمة المصرية باعتبارها الحصن القوى والأهم ضد أفكار هذا التيار المتطرف. فهذه لحظة مهمة، فقد انكشف زيف أفكار هذه الجماعات للجميع وسقط عنها القناع الديني وأصبح المصريون أكثر تقبلا للفكر العلماني الذي يفصل الدين عن السياسة. يجب على القوى العلمانية الآن النزول بقوة إلى الشارع ومخاطبة الناس بخطاب بسيط يعرفهم بالأفكار العلمانية ويربط هذه الأفكار بحل مشاكل الناس الاقتصادية ويبين دورها في رفع المعاناة عن المصريين والنهوض بمصر.
هذا هو ما سيحدد مستقبل الإسلام السياسي في مصر، ويبدوا أن عام 2014 سيكون عام فاصل في حياة الأمة المصرية.