مؤمن سلاّم
دائما ما نتحدث عن سيطرة الطغاة والنظم المستبدة على عقل وفكر الانسان، واستخدامهم للاعلاميين ورجال الدين من أجل غسيل عقل المجتمع وتحويلة إلى قطيع يقودة الطاغية إلى الفقر والجهل والمرض. ولكننا جميعا نغفل أو نتغافل عن سعي الطاغية للسيطرة على جسد الانسان، أى السيطرة على أخص خصوصيات الفرد، جسدة، فيحولة من ملكية خاصة يمتلكها الانسان إلى ملكية عامة، يصبح للمجتمع والدولة الحق في التدخل في كل ما يتعلق بهذا الجسد الإنساني، عن طريق نشر ثقافة الخجل من الجسد، وأن على هذا الجسد الذي تحول من الملكية الفردية إلى ملكية عامة أن يخضع لرؤية ورأى وقواعد المجتمع والسلطة، حيث تحول السلطة قواعد المجتمع إلى قوانين مسلطة على رقبة الانسان.

تبدأ سيطرة الدولة المستبدة على الانسان بتحديد ما يلبسة وما لا يلبسه. وهو تحديد يتراوح بين مجرد تحديد ما يمكن كشفة وما لا يمكن، إلى حد وضع زى موحد لكل المواطنين. فقد رأينا ماوتسي تونج في الصين يلزم المواطنين الصينيين بيونيفورم خلال ثورته الثقافية، واتبع رئيس كوريا الشمالية خطواته بل تمادى ليفرض علي المواطنين حتى تسريحة الشعر، وفي الدول الاسلامية يفرضون على المرأة الحجاب والنقاب، وفي الدول الاسلامية الأكثر تشددا يفرضون على الرجال الجلباب القصير وإطلاق اللحية وحلق الشارب.

كذلك تسعى النظم المستبدة إلى تحديد نوع الطعام أو الشراب الذي يستطيع الفرد تناولة، تحت مسميات ودعايات مختلفة حسب الأيديولوجية السلطوية التي تتبناها الدولة. فيتم على سبيل المثال منع مطاعم ماكدونالدز أو ستاربكس باعتبارها ممثلة للامبريالية والرأسمالية المتعفنة، أو يتم منع الخمور وبعض أنواع الطعام لأنها حرام ولا يجوز أكلها أو بيعها.

ثم يصل الأمر إلى ذروته عندما تبدأ هذه النظم في التدخل في غرف نوم المواطنين، فتحدد للمواطن أو المواطنة مع من، وأين، وكيف، ولماذا يمارس الفرد الجنس. فيجب أن تمر عبر مراحل كثيرة ومعقدة ومكلفة حتى تستطيع الوصول إلى السرير مع شريكك لتمارسوا حقكم الطبيعي والإنساني، ويكون هذا في المجتمعات المحافظة والدينية، التي تجعل العلاقات الجنسية شديدة المراقبة من الدولة ورجال الدين والمجتمع. على الجانب الأخر، في المجتمعات الأقل انغلاقا، لا تقيد الدولة المستبدة العملية الجنسية، ولكن تبدأ في إخراج العلاقة الجسدية من إطارها المرتبط باللذة والحصول على المتعة لتحولها لأداة سياسية ووظيفة يقوم بها الفرد لتحقيق هدف السلطة الأسمى والنصر على الأعداء من خلال الترفيه عن الجنود ورجال الدولة، أو انجاب ابناء مخلصين للسلطة الحاكمة، مثل بيوت الدعارة النازية التي افتتحها هتلر في الدول التى احتلها من أجل الترفيه عن الجنود المسافرين أو العائدين من الجبهة، حيث أُجبرت 34,140 امرأة أوروبية على العمل في هذه البيوت.

وهكذا، إذا كان المجتمع منغلق سعت السلطة في التحكم في الجسد بتقنين هذا الانغلاق والتأكد من استمرارة، وإذا كان المجتمع منفتح تسعى إلى السيطرة على هذا الانفتاح واخضاعة لتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة.
ولا يتوقف الطاغية عند حد السيطرة على جسد الفرد، بل يسعى دائما لإنتهاكة للتأكيد على معني أن الدولة تمتلك هذا الجسد ويحق لها التصرف فيه كما تشاء. فترى أدوات القمع السلطوية تتجه دائما للعقاب الجسدي لكل من يخطأ أو يعارض أو يخرج عن القالب المحدد له. ويتراوح الانتهاك الجسدي من جانب أدوات السلطة ما بين انتهاك الحياة الشخصية للانسان بنشر صور أو فيديوهات له أثناء ممارسة الجنس، أو صفعة على وجه مواطن أو مواطنة في الشارع، وحتى التعذيب الممنهج داخل أماكن الاحتجاز والتي تترواح بين الجلد والصعق بالكهرباء والاغتصاب الجنسي وتنتهي بالقتل. ويأتي في نفس الاطار، تطبيق عقوبات بدنية على جرائم معينة.

ويتصاعد الأمر ليتحول الانتهاك الجسدي من عمل حكومي حصري ليصبح سلوك متبادل بين المواطنين تسمح به السلطة من خلال التراخي الأمني وعدم انفاذ القانون، وهو انتهاك يبدأ بالتشابك بالأيدي لأتفه سبب وينتهي بالتحرش الجنسي في الشوارع والمواصلات تحت سمع وبصر أجهزة الأمن التى كثيرا ما تقف موقف المتفرج من عراك بين مواطنين أو تحرش السفلة بالبنات والنساء في الشوارع، بل في بعض الأحيان يشارك رجال السلطة في عمليات التحرش.

وهكذا تسحق النظم المستبدة بكل أشكالها الدينية والعسكرية والأيديولوجيه أجساد المواطنين بالسيطرة تارة وبالانتهاك تارة أخرى، فإذا شعر الإنسان أنه لا يمتلك حتى جسدة تأكد لدية الشعور أنه لا يمتلك أى شيئ أخر على وجة الأرض، وأهمها أنه لا يمتلك الوطن الذي يعيش فيه، وتصبح أقصى طموحاته أن يحقق نصر في سرير، أو يرتدي في الخفاء ما هو ممنوع، أو يأكل ويشرب ما هو محرم، أو يرقص في سرداب بعيد عن الأعين.

لهذا فمقاومة الاستبداد والطغيان ليست فقط بمظاهرة أو إضراب، ولكن أيضا بتحرير الجسد من كل سلطة سياسية أو دينية أو مجتمعية، ومقاومة كل انتهاك له سواء من ممثلي السلطة أو المواطنين الأخرين. فالحرية ليست الحريات العامة أو السياسية فقط، ولكن الحريات الشخصية هى قلب الحريات، حرية الاقتصاد والاعتقاد والرأى والتعبير والجسد. فهذه الحريات هى التي تصنع الحريات العامة، والحريات السياسية هى التي تعزز الحريات الشخصية.

ارقصوا يهتز عرش الطاغية