أب الشركة
( 290-348م تقريبا)

بقلم/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 14 بشنس من الشهر القبطي الموافق 22 مايو من الشهر الميلادي بتذكار نياحة "وفاة" القديس العظيم الأنبا باخومويس والملقب بأب الشركة ؛ وكلمة با خوم كلمة قبطية معناها"نسر" ؛ أما باخومويس فهو النطق اليوناني لنفس الأسم. ولد من أبوين وثنيين في أقليم تيبياس (طيبة أو الأقصر حاليا )نحو عام 290 م ؛وتذكر بعض الروايات عنه أن كان يحتقر الديانة الوثنية منذ طفولته ؛حتي أنه دخل مرة مع والديه إلي أحد المعابد الوثنية فأحتقر الآلهة ؛ فغضب منه الكاهن الوثني جدا وقال عنه إنه سوف يصير عدوا لديانته وطرده من المعبد . ثم انخرط بعد ذلك في سلك الجندية ؛وفي أحد الحملات العسكرية جاع الجنود وعطشوا ؛فخرج أهل القرية "(وهي قرية لاتوبوليس و تقع حاليا في مدينة إسنا قنا'> محافظة قنا ) لإطعامهم وأكرموهم إكراما شديد جدا ؛ فدهش باخوم من تصرف أهل القرية وسألهم عن سر هذا الصنيع معهم ؟ فأجابوه هذا هو تعليم ديانتنا ؛فسألهم وما هي ديانتكم ؟ فأجابوه ديانتنا هي المسيحية . فشعر بسمو هذه الديانة. ؛وعندما عاد من الحرب أصر علي دراستها بنفسه ؛وبعدها آمن بالمسيحية ؛وسار في طريق الفضيلة حتي أنه أشتهي حياة العزلة والتعبد ؛فقرر أن يترهب علي يد القديس الأنبا بلامون ( وللأنبا بلامون دير أثري كبير يقع في بلدة القصر إحدي قري مركز نجع حمادي قنا'> محافظة قنا ؛وسوف يكون لنا عودة إليه في نهاية المقال. ) ؛وأخذ يتدرب طويلا علي حياة الرهبنة ؛ وذات ليلة وبينما هو يجمع الحطب ؛ظهر له ملاك الرب وأرشده إلي سلوك طريق جديد في الرهبنة ؛ثم أعطاه لوح نحاسي به قوانين خاصة بالحياة الرهبانية الجديدة . فأخذها وعاد إلي مغارته وعرض الأمر علي الأنبا بلامون ؛ففرح جدا بهذه القوانين وطلب منه البدء فورا في إنشاء دير جديد يقوم علي هذه القواعد ؛وبالفعل بدأ باخوم في إنشاء الدير الجديد وكان ذلك نحو عام 315م ؛وبدأت طلاب الرهبنة يزدادون جدا يوما بعد يوم مما دفعه إلي تأسيس مجموعات رهبانية أخري في أماكن أخري . وجعل لكل دير رئيسا ؛أما هو فصار الرئيس الأعلي لمجموعة الأديرة الباخومية ؛وكان ينتقل بين الأديرة لتفقد أحوال الرهبان وحل مشاكلهم ؛وأخيرا مرض القديس باخوم مرضا شديدا ؛وعندما شعر بدنو أجله جمع أولاده الرهبان وأخذ يعظهم ويقويهم ؛ثم توفي بسلام وكان ذلك يوم 14 بشنس نحو سنة 348 م تقريبا وكان ذلك ليلة عيد الصعود المجيد (وهو أحد الأعياد الكبري في الكنيسة القبطية والخاصة بالسيد المسيح ؛وفيه يحتفل بليلة صعوده إلي السماء ويقع بعد 40 يوما من عيد القيامة ) وكان يبلغ من العمر حوالي 58 عاما تقريبا .

أما عن الملامح العامة لنظام الشركة الذي وضعه القديس باخوم فهو كالتالي :-
1- قام الانبا باخوم بتقسيم الرهبان إلي 24 قسما بعدد الحروف الأبجدية اليونانية

2- بالنسبة لطالب الرهبنة بعد التأكد أنه غير هارب من العدالة كان يقضي 3 سنوات تحت الاختبار يتعلم خلالها القراءة والكتابة إن كان يجهلها .

3- بالنسبة للطعام كان يقدم مرتين يوميا ؛ مرة في الظهيرة و مرة في المساء ؛وغير مسموح للراهب الحديث أثناء تناول الطعام

4- بالنسبة للعمل كان إجباريا ؛وذلك لتحقيق هدفين ؛الهدف الأول هو تجنب البطالة والكسل ؛والهدف الثاني هو المساهمة في احتياجات الدير ؛ وكان الشعار المرفوع لجميع الرهبان "الراهب الذي لا يريد أن يعمل ؛لا يأكل ايضا " ؛ولقد ربط الانبا باخوم العمل بالصوم ؛فالراهب الذي يمارس الصوم الانقطاعي كثيرا يكلف بالأعمال الخفيفة ؛بينما الراهب الذي لا يصوم كثيرا يكلف بالأعمال الصعبة ؛ومن هنا كان العمل علي قدر الصوم والعكس صحيح .

5- بالنسبة للصلاة كانوا يصلون معا ثلاث مرات يوميا :مرة في الصباح والثانية عند الظهيرة ؛أما الثالثة فتكون في المساء ؛كما يلتزم جميع الرهبان بحضور صلوات العشية والقداس الآلهي في أيام السبوت والأحاد ؛هذا بالطبع بخلاف الصلوات الخاصة لكل راهب داخل قلايته "صومعته" الخاصة .

6- بالنسبة للنوم كانت القاعدة في النظام الباخومي هي سكني كل ثلاثة رهبان معا في قلاية واحدة ؛ وماتزال أثار هذه القلالي باقية حتي الآن في معظم الأديرة الباخومية المنشرة في طول البلاد وعرضها .

7- أنفتح الدير علي طالبي الرهبنة من غير المصريين (الأرمن- اليونان – الأحباش ) علي العكس تماما من نظام القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين الذي لم يكن يسمح لغير المصريين بالرهبنة في ديره بسوهاج .

ولقد أثرت قوانين الرهبنة الباخومية علي الرهبنة في الغرب ؛فلقد قام القديس جيروم ( 340- 420 م) بترجمة هذه القوانين عن اللغة اليونانية إلي اللغة اللاتينية وكان ذلك نحو عام 404م تقريبا ؛ ثم جاء القديس بندكت (480-547 ) الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للرهبنة في الغرب ؛وذلك في "ديرمونت كاسينو" في وسط إيطاليا .واقتبس من هذه القوانين واعاد تكييفها طبقا لظروف وأحوال إيطاليا في القرن السادس الميلادي .

تبقي كلمة أخيرة عن الاثار القبطية المتبقية من الأديرة الباخومية ؛ ولعله من أشهر وأهم الأديرة الباخومية هو دير السيدة العذراء الشهير بالدير المحرق ؛وترجع أهمية هذا الدير أنه قائم علي نفس البقعة التي أقامت فيها العائلة المقدسة مدة ستة أشهر وعشرة أيام حسب ما يروي التقليد القبطي ؛ومن هذه البقعة ظهر ملاك الرب ليوسف النجار خطيب السيدة العذراء يطلب منه العودة إلي فلسطين لأنه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي ؛ولكن الحديث عن دير المحرق يحتاج إلي مقال مستقل .

ونذكر أيضا من الاديرة الباخومية دير الأنبا بلامون السائح ؛ وهو يقع علي بعد كيلو متر واحد من قرية القصر بالحاجز ؛علي بعد 300 متر من النيل في اتجاه الشرق ؛ ولقد ذكره الرحالة الفرنسي فانسليب في تقريره حيث يقول عنها "وعلي بعد 10 فرسخ من دندرة زرت مدينة القصر وبها دير قديم للأنبا بلامون . كما ذكره القمص عبد المسيح المسعودي البرموسي (1848- 1935 ) في موسوعته الشهيرة "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " فقال عنه "ديرالانبا بلامون بالجبل الشرقي بحاجر القصر والصياد بمديرية قنا ؛ وفيه كنيسة يصلون فيها الآن "

أيضا من أشهر الأديرة الباخومية نذكر دير القديس سمعان الشهير بالأنبا هيدرا الأسواني ؛وهو يقع في غرب أسوان ؛ويرجع تاريخه إلي القرن الخامس أو السادس الميلادي تقريبا .ولقد ذكره القمص عبد المسيح المسعودي في موسوعته ؛كما ذكره الدكتور رؤوف حبيب المدير السابق للمتحف القبطي (1902- 1979 ) في كتابه "تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الإنسانية علي العالم " كما كتب عنه نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي الراحل (1919- 2001 ) كتيبا صغيرا بعنوان "دير القديس سمعان الشهير بالانبا هيدرا الأسواني ؛وأعيد نشره في موسوعة "الدراسات التاريخية الخاصة بالأديرة والمزارات – الجزء رقم 24 " . كذلك أيضا من الأديرة الباخومية الشهيرة دير الانبا متاؤس الفاخوري بأسنا ؛ ذكره أبو المكارم في موسوعته ؛ كما ذكره الرحالة فانسليب فقال عنه " وعلي بعد 3 فرسخ من أصفون يوجد دير آخر باسم القديس متي (النطق العربي لمتاؤس ) وفيه أربعة أو خمسة مقابر وفيه كنيسة فوق حجارة تسمي كنيسة الملاك ميخائيل ؛ ولوحظ عليها وجود كتابات هيروغليفية " .وأخيرا ذكره القمص عبد المسيح المسعودي في موسوعته .

وهناك دير للقديس باخوم بمنطقة فاو ؛وهي تتبع منطقة دشنا قنا'> محافظة قنا ؛ولقد زار الراهب الفرنسي كلود سيكار هذا الدير للمرة الأولي خلال عام 1712م تقريبا وقال عنه "كان لي عزاء عظيم أن أزور الاطلال الرائعة لدير القديس باخوم ويبعد عن دندرة بيوم واحد " ثم زاره مرة ثانية خلال الفترة من (1720-1721 ) وشاهد بالقرب منه معبد للإلهة فينوس (لعله يقصد الإلهة هاتحور إلهة الجمال عند المصريين القدماء .) كما ذكره القمص عبد المسيح المسعودي في موسوعته فقال عنه من ضمن ما قال " وهو دير كبير جدا ؛ وآثاره فيها حجارة عظيمة جدا .وأعمدة حجر كثيرة مطروحة عظيمة في طولها وضخامتها .وأهالي البلد يدعونه دير باخوم ." ولقد قامت بعثة من جامعة كاليفورنيا بعمل حفائر في هذه

المنطقة حددت فيها مسقط الكنيسة ونشرت تقريرها في كتاب صدر عن الجامعة.