كتب – محرر الاقباط متحدون ر.ص 

وجه الراهب أنطونيوس حنانيا العكاوي الجليلي الفلسطيني، رسالة إلى الشعب، بعنوان الكنيسة الأم والانحرافات"، نصها :  
 
الأم هي أم مهما تبدلت الظروف والأحوال. والكنيسة هي أم مهما تبدَل الزمن والأشخاص. الجماعة في الصلاة هي رمز الإتحاد لهذه القوة لأن الصلاة هي صلة مع الخالق ومع القريب الذي قرَبه الله ليكون الأنس في الوحدة. والأُم تلمُ وتجمع أولادها مهما قست الظروف. الأم تلُم الشمل, والشمولية تعني الجميع بتعدديتهم وتنوعهم واختلاف مستوياتهم مع الأخذ بعين الاعتبار هؤلاء الذين لديهم احتياجات خاصة وقد ينحرفون.
 
كنيسة أورشليم الأرثوذكسية المقدسة هي أم الكنائس, وهي مرتبطة بكل أبنائها بحبل سري لأنها ولدتهم. والكنيسة الأرثوذكسية القدسية هي كنيسة العنصرة التي ضمَت إلى أبنائها عناصر من جميع الشعوب والملل دون تفريق أو تمييز كما علَمنا الروح القدس. هي الكنيسة الفلسطينية التي لا تفرِق بين عبراني وعربي كما يشهد التاريخ على التعاون الذي كان قائما بين أسقفية أورشليم وأسقفية البصرى. إلى هذه الديارالعربية هرب الرسول بولس واحتمى من اليهود الفرِيسيين. كلنا يعرف أن الرسول حنانيا كان لاوياً من بني إسرائيل وينتمي إلى مجموعة تُدعى تائبي إسرائيل وكان الأسقف الأول لبلاد الشام, وهو الذي أرسل الرسول بولس إلى بلاد العرب، بحسب كنيسة الروم الأرثوذكس بالقدس.
 
كان القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس في قبرص عبراني الأصل من فلسطين, وقد انتقد الهرطقات اليهودية المشبوهة رافضا التحزب العرقي لكي لا يقع في هرطقة إعادة بناء حجاب الهيكل الفاصل بين العبرانيين والأمم. لا أحد ينكر الصراع العبراني الهلِيني الفلسطيني المذكور في أعمال الرسل, ولا أحد يبرر إستغلال الكنائس ’الشقيقة’ للكنيسة الفلسطينية التي وُضعت في موقف لا تُحسد عليه. أسقفية بترا العربية وقفت إلى جانب القديس أثناسيوس الإسكندري مدافعة عن الإيمان القويم ضد أسقف قيصرية أكاكيوس الذي كان آريوسيا.
 
لم تسلَم الكنيسة الفلسطينية من غضب الفريسيين الذين اتهموا أبناءها بالهراطقة وحاولوا طردهم من المجامع (يوحنا12:42). وللأسف, ساوم بعض المؤمنين مفضِلين مجد الناس فوق مجد الله. بين الأمميين والفريسيين, وقع المؤمن الفلسطيني المُتعنصر بالروح القدس والمتوحِد مع كل إخوته في المسيح أمام معضلة كبيرة. هل يتمسك بعرقيته العبرانية على حساب خلاص نفسه بالمسيح ويجعل من نفسه أعلى من باقي إخوته, أو يحسب كل شيء خسارة ليربح المسيح (فيلبي3:8)؟ لقد قال لنا بطرس الرسول أن لا نضع نيراً ثقيلاً على أعناق التلاميذ لأن الأباء القدماء لم يستطيعوا حمله (أعمال الرسل15:10), وأضاف رئيس أساقفة أورشليم الأول, الرسول يعقوب أخو الرب, قائلاً بأن الله افتقد الأمم وأنه ليس حسن أن يُثقَل على الراجعين إلى الله من الأمم (أعمال الرسل15:14,19). عرقية الكنيسة الفلسطينية منصهرة بالعنصرة الإلهية وموطنها المملكة الثالوثية. الشعب الفلسطيني هو شعب الله المختار ليبشِر الأمم بالخلاص والمحبة. جميع العائلات العبرانية القديمة انصهرت في الكنائس المحلية مندمجة مع العائلات التي عادت إلى الله من الأمم.
 
بعد المسيح وبعد العنصرة, لا يحق لأحد أن يُقسِم مملكة الله أو أن يُعيد بناء حجاب الهيكل. العداوة بين الله والإنسان انتهت بفداء المسيح وحلول الروح القدس. بعد المسيح, وُلدت إسرائيل الجديدة, والتي هي الكنيسة من جميع الأمم, وبقيت إسرائيل القديمة منعزلة ومتقوقعة وعاصية ومتمردة وعمياء بسبب عنادها واستعلائها واستكبارها.
 
كما مرَت إسرائيل القديمة بحقبات تاريخية متكلمة الآرامية القديمة على وقت إبراهيم وإسحق ويعقوب, والعبرانية القديمة التي ما زالت تُستعمل في أوساط إخواننا السامريين الفلسطينيين, والآرامية وقت السبي البابلي, والعبرية أوقات المسيح مندمجة بالآرامية, والعربية بعد الفتح الإسلامي, والعبرية الحديثة, واليديش في ألمانيا وبلاد أوروبا الشرقية, كذلك مرَت الكنيسة الفلسطينية بحقبات تاريخية أورثتها اللغة العربية واللغة اليونانية ولغات أخرى تُسمع أوقات الفصح في أناجيل الباعوث. ليس شرط على الكنيسة الفلسطينية أن تستعمل اللغة العبرية. إن استعملت كنيسة القدس اللغة العربية أو اليونانية, فهذا لا يُفقدها هويتها المتجذرة بالأنبياء والرسل. كتب حاخام في أميركا كتاباً يطلب فيه من التلميذ اليهودي أن يتكلم الإنكليزية ويفكر يهودياً. ونحن بدورنا كفلسطينيين, سنتكلم العربية ونفكر مسيحياً.
 
عانت الكنيسة الفلسطينية الأرثوذكسية المقدسة كثيراً من التجاذبات العرقية التي حاولت أن تحتكرها كغنيمة, وجاء لصوص كثيرون ولكنهم دخلوا من النوافذ بدل أن يدخلوا من الباب. فاضطر الراعي الذي أقامه الله شرعاً, أن يحمي غنم مرعى إلهنا من المتيهودين. كثيرون جاؤوا وأصيبوا بمرض أورشليم العاطفي محاولين أن يُظهروا غيرتهم العمياء على حساب الشعب الفلسطيني. وصلت هذه الغيرة إلى درجة الجنون والعنف في أكثر الأحيان مجرِدين الشعب الأصلي من حقوقه الشرعية بسبب الجهل وقلة المعرفة.
 
الفريسية التلمودية المعادية للمسيح, ربَت أجيالاً عبدت ذاتها مؤمنة بتفوقها على الآخرين, ولكن بالواقع, لم تكن العبادة الذاتية سوى دونية متعطشة للإنتباه والإهتمام الذاتي وهي أشبه بمرض نفسي. لليهودي الصهيوني أسلوب أصبح معلوما لدى الجميع. اليهود المتمردون ينوحون ويندبون إلى أن تأتي الأمم ويعطفون عليهم. يكبرون ويصبحون أقوياء وفجأة, يبدأون بتجنب الغير اليهودي الذي ساعدهم معتبرين إياه أدنى منهم. أكثرشيء يُزعج اليهودي المتمرد على المسيح هو الإزدراء به وبفوقيته المزوَرة. لهذا السبب, أدَى تجنب اليهود في القرون الماضية, إلى ردَات فعل عدائية نرى آثارها اليوم في عالمنا. إنهم يحاولون بشتَى الطرق إلى التحكم بالعالم حتى ولو كانت أساليبهم قائمة على النفاق والإحتيال. إنهم مستشرسون لا لأنهم أقوياء, بل لأنهم يشعرون بأن العالم اكتشف مكرهم واحتيالهم وخبثهم. ما زاد على شرهم كانت ولادة الماسونية الصهيونية المرتبطة بالشيطان بسبب الحقد والكبرياء وحب الإنتقام. أنا لا أنكر بأنهم عانوا في المنفى, ولكني مؤمن بأن الشيطان استغلَهم محوِلاً حزنهم إلى انتقام. تعاونوا مع الماسونية الأوروبية التي أسسوها لتكون أداة في أيديهم, وبسبب الجهل في أوروبا والكراهية تجاه المسلمين, عادوا العرب وكل من نطق بلغة الضاد. فبدلاً من أن يؤمنوا بالمسيح ويتوبوا, حاكوا المؤامرات في كل مكان لينالوا من الكنيسة والعرب والمسلمين. أنا شخصيا أقول لهم: آمن بالمسيح أو إن أحببت إعتنق الإسلام وإلا إلزم ديانتك الموسوية إلى أن يأتي المسيح ونرى من هو على حق. حتى في القرآن الكريم, مكتوب بأن الله سبحانه وتعالى, سوف يحكم بالنهاية على ما هو صحيح ومبين. إن الخطرهنا يكمن في احتيال هذا اليهودي لآعتناقه الإسلام وبثِه سموم الفتن بين المسلمين والمسيحيين. هذا ما فعلوه مراراً وما زالوا يفعلونه إلى يومنا هذا. حتى في الكنائس المسيحية, لعبوا ’على الحبلين’ لخلق الفتن. لا شك أنهم وراء كل انقسام في الكنيسة وكل ضلال عقلي. وأنهم وراء كل فتنة بين المسلمين والمسيحيين منذ بداية الإسلام. حتى ولو تقرَب يهود شرفاء, يرفضون الصهيونية, إلى الفلسطينيين, لاضطهد هؤلاء الصهاينة إخوتهم اليهود اضطهاداً أشنع من إضطهادهم للفلسطينيين. سبق وتكلمت في مقالات سابقة عن تدخل الماسونيين والصهاينة في تاريخ أوروبا وتركيا وعن النتائج الدموية التي تسببوا بها بين الشعوب البسيطة والبريئة. إنهم وراء كل فتنة وإنحلال في الأنظمة. إنهم وراء كل عميل خائن باع وطنه وعرضه بسبب منصب ومال.
 
منذ قرون, يعتنق عدد من اليهود الديانة المسيحية في مختلف طوائفها. هذا حسن إن كان الإنتساب صادق ونواياه سليمة. ولكن منذ نشأة الماسونية والصهيونية, بعض من هؤلاء الأشخاص, بدأوا يتحدثون عن كنيسة الختن التي اختبرت العنصرة, وشعروا بهذه العاطفة الجيَاشة لاسترجاع هذه الكنيسة وكأنها اضمحلت من الوجود. لا شك أن وراء هؤلاء مغرضين يكرهون الإسلام وكل شيء عربي. هؤلاء ولدوا في بلاد الإستعمار البريطاني وبلدان أوروبا الشرقية والغربية. إنه كافٍ أن نطَلع على الكتب الدراسية القديمة لتلك الدول لنرى مدى جهلهم لتاريخنا العريق الذي جال في أحقاب مختلفة انسجمت مع أوقاتها لتحفظ المؤمنين من المجازر. إن من يُضرب بالعصا ليس كمن يعدُ الضربات. ألم يكن هذا وضع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في روسيا بعد ثورة اليهود الإشتراكية البولشفية؟ صمدت الكنيسة الروسية وصبرت إلى أن استجاب الله إلى صلوات أمنا العذراء التي يعشقها الروس وتفطَرت الثورة تحت أقدام القديسين والمؤمنين. هذا ما يحصل اليوم مع العديد من اليهود التلموديين الذين ولدوا في بلدان غريبة بين مسيحيين لا يعرفون تاريخ فلسطين الحقيقي, ولا يعرفون النسيج الإسلامي المسيحي. اليهود, وخصوصا إن كان فكرهم صهيونيا, يكرهون الإسلام والمسيحية. والمسيحيين الغربيين, خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية, تعاطفوا مع الصهاينة بدعم ماسوني بريطاني, ورأينا مؤامرة الإحتيال التي حصلت في وعد بلفور كرها بالعرب والفلسطينيين. استغلوا طيبة قلوبنا في فلسطين وانفتاحنا للجميع. وهكذا, بدأت الجماعات اليهودية تشجع الإنحراف بين اليهود الذين يريدون اعتناق الديانة المسيحية خالقة الفتن والتمييز العرقي والعنصري لتجزئة الكنيسة والقضاء على الكنيسة الأم المنهكة والضعيفة بسبب الأضطهادات, وتزايدت عمليات الإقتناص من الكنائس التاريخية بحجة أنها منحطَة. نعم, فتكت الإرساليات الأجنبية بأولادنا في الشرق وخصوصا في فلسطين, تاركة وراءها تشرذماً في نسيج المجتمع الذي يحتاج إلى إعادة لم الشمل. بدأت هجرة العشرات من هؤلاء الذين يدَعون بأنهم يهود وليسوا بيهود, وحتى جاء إلى فلسطين أجانب لعبوا بأسمائهم ليظهروا بأنهم يهود وغيَروا الأسماء. مثلاً, عائلة شامبرلان الفرنسية, أصبحت حاييم برلان وعائلة بيجان, تحولت إلى بيغن. اليهود المزيفون يلفظون الخاء بدل الحاء والأين بدل العين. تصوروا الضيوف المغتربين والمنفيين يريدون أن يحكموا أهل الأرض والوطن لأنهم يعتبرون أنفسهم أرقى كونهم آتين من أوروبا. لهذا السبب, من اعتنق المسيحية وهو من تلك الجماعات, لن يعرف كنيسة العنصرة القديمة إن لم يُصبح فلسطينياً.
 
في الخاتمة, أود أن أقول أن لهذه المقالة توابع عديدة سأكتبها في المستقبل. وأود أن أضيف بأن الأم الحقيقية تصبر على أولادها الحقيقيين وعلى اليتامى الذين لا أهل لهم. إنها تصبر على الذي انحرف لربما يتوب ويعود إليها يوما من الأيام. أليس قلب الأم على جميع أولادها ليخلصوأ؟ هذه هي الكنيسة الفلسطينية الأرثوذكسية المقدسة, كنيسة العنصرة التي لا تميز بين أبنائها إنما تميز بين الشحمة والفحمة لاكتشاف الانحرافات وتصحيحها ووضعها في إطارها الصحيح.
 
إن الكنيسة الفلسطينية الأرثوذكسية المقدسة لن تنجرَ إلى الفتن والأحقاد, وستحافظ على نسيجها المتنوع والمتعدد لتبقى كنيسة واحدة, عربية وعبرية وسامرية ويونانية وآرامية وأممية تحت لواء الروح القدس, الملك السماوي وروح الحق الحاضر في كل مكان والمالىء الكل. فلسطين هي لكل الأمم وهي ملجأ الذين لا مكان لهم. إنها للمسيحيين والمسلمين والسامريين والعبرانيين الشرفاء ... كرامة كل إنسان هي حلم فلسطين.