محمود العلايلي
يحاول الإخوان المسلمون'> الإخوان المسلمون منذ تكوين التنظيم الخاص عام 1940 إيهام المواطنين المصريين بأن حمل السلاح واستخدامه من أعمال الممارسة السياسية، وقد دأبوا على ذلك بداية من اغتيال الخازندار والنقراشى، ثم عمليات أذنابهم باغتيال الشيخ الذهبى والسادات، مرورا بكل العمليات الإرهابية ضد الدولة والسياح خلال سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، وصولا لاعتصامات رابعة والنهضة، ثم حرق وهدم الكنائس والعمليات الهجومية فى سيناء'> سيناء، ثم استهداف المسيحيين واغتيالات رموز الدولة الأمنية، وصولا إلى حركة «حسم» لتنفيذ العمليات النوعية داخل المدن، والحقيقة أن الإخوان لم يعدموا أبدا نفس طريقة الدعاية على مر الأزمنة، بعدم الإعلان عن تبنى أى عملية، بينما لا يدينون الفعل الإجرامى أبدا، وإنما ظلوا على عهدهم بتبرير العمليات وإيجاد الأعذار لمرتكبيها.

وقد اتبع الإخوان أسلوبا دفاعيا ممنهجا عند عرض مسلسل «الاختيار»، حيث اعتمدوا نشر دعايات المظلومية، والتى كان من شأنها قلق البعض- للأسف- من تعامل السلطة تجاه الخارجين على القانون والذين يسمون بـ«المجاهدين» فى أدبيات الجماعة، وهو ما هز ثقة نوعية من المواطنين فى قناعاتهم، والأهم من ذلك هز بعض المسلمات فى أذهانهم، وخاصة مفهوم الدولة ومهامها، والمقلق أن المسألة أخذت شكلا ناعما فى التعاطى، حيث عرجت بعض المناقشات ناحية الحقوق السياسية، واتخذت مناقشات أخرى منحى حقوقيا، بينما سادت الغالبية مناظرات دينية بدعوى أن الدين سبب النزاع ومرجعيته، بينما راح عن ذهن الكثيرين ركن مهم من أركان الدولة وصفة أكيدة من صفاتها، وهى أن الدولة تحتكر دون غيرها استخدام القوة والسلاح لحماية الدولة من أعدائها، ولحماية المواطنين من بعضهم بعضا، وعليه فإن الدولة لا تنازع شخصا ولا جماعة، ولكن تتعامل مع كل من يحمل السلاح بالقوة على سبيل الردع والعقاب باعتباره مجرما، وليس من قبيل النزاع والعراك بصفته ندا.

إن محاولات جماعة الإخوان المسلمين بالإيهام بأن لها من الحقوق ما للدولة من مكتسبات تنظيمية، عن طريق خلط المسائل السياسية بالعمل الدعوى، ومزج الاثنين بالنشاط الاجتماعى، نهاية بإظهار الحق فى حمل السلاح واستخدامه ضد أعداء الجماعة أو ضد الدولة عندما يستلزم الأمر، هو ما قد ينطلى على السذج بعض الوقت، كما قد يستدر التعاطف بعض الأحيان، ولكن المخيف أنه إذا طال زمن السذاجة فإنها تنقلب تواطؤا، وإذا استمر التعاطف فإنه يتحول إلى خيانة، وهما الموقفان المطلوبان فى النهاية بوضع الجماعة فى مقارنة بالدولة على غير كل الأعراف والقوانين، لتبدأ المساومات والمواءمات، ولتتحول الأعمال الإجرامية إلى ممارسات سياسية، وساعتها يجلس المجرمون على طاولات التفاهم والتفاوض بدلا من المثول أمام سلطات التحقيق وهيئات المحاكم.

أما الوجه الآخر للمشكلة فهو غياب التنافس على حيازة المساحات السياسية، حيث ظلت الأنظمة المصرية على مدى العقود الماضية تتعامل بتوجس وتربص شديدين من أى تيار سياسى غير منتمى لها عضويا، فتم وأد العديد من التيارات الوطنية، وتم تدجين عدد أكبر من الأحزاب الشرعية، وهو ما خلق فراغا فى الفضاء السياسى، احتلته جماعات الإسلام السياسى فى أغلب الأحيان، بينما لم تتمكن الدولة أبدا من حيازته بحكم آليات عملها، كما لم تتمكن التيارات المدنية الوطنية من التنافس فى ذلك بحكم التضييق عليها، وبحكم الفارق بين عملها السياسى المعلن، وبين اعتياد الجماعات على العمل السرى التآمرى، بينما تتفهم أغلب هذه التيارات والأحزاب الوطنية الفارق بين معارضة الحكومة وبين هدم النظام- وهو هدف الجماعة- وتعى مفهوم الدولة وأهمية الحفاظ عليه بصفته الضامن لسلامة المواطنين وأمنهم، والإطار الذى يحوى الجميع حاكمين ومحكومين، سواء كانوا من ضمن المنظومة العضوية للحكم أو خارجها، ولكنهم فى النهاية جزء لا ينفصل من الدولة ومكون أساسى من مكوناتها.
نقلا عن المصرى اليوم