محمد حسين يونس
للهزائم فضل علي البشر يفوق الإنتصارات .. لو أدت إلي أن يتعلم منها المهزوم كيف يتجاوز أسباب السقوط و ينهض .. اليابان و المانيا .. نموذجان حديثان لهؤلاء البشر الذين تخطوا الأزمة .. ثم إنطلقوا ..خلال عقدين أو ثلاثة .

علي العكس مصر .. و سوريا ..و العراق .. و قد نضم لنا فلسطين و ليبيا .. لم تقومها السقطات .. بقدر ما أبرزت الهزائم .. العوار .. و راكمت أسباب الإنهيار .. و أتت بالأسوأ .. ..فلم تتخط الأجيال التالية .. برزخ الحداثة .. و قبعت في القاع تنتظر الفرج .. حتي اليوم .

ما السبب .. ما الذى يجعل شعوب مهزومة .. تكرس النظام المنهار .. و تعيد إنتاجة بنفس نقائصة .. علي مدى نصف قرن .. لا تفيق .. و لا تتغير و لا تخرج من النفق.

السبب الأول .. أن الطغمة الحاكمة لم تعترف بالهزيمة .. سمتها نكسة .. أو صمود و تصدى .. أو جولة خاسرة ضمن جولات .. أو إعتبرتها ( إنتصارا ) بعدم تحقيق إرادة العدو بسقوطها ..و بذلك وجدت لنفسها المبرر أن تستمر و تتمسك بكراسي الحكم .. ويدوم نظامها بكل سلبياته .. و نقاط ضعفه .

الغريب أن الشعوب .. صدقت هذا الزيف .. و لم تتعلم من الدرس الذى دفعت فيه الكثير من الدماء و الثروة ... وإستسلمت لمخدرات الإعلام و التوجيه .. و لم تتطور لديها قوى الرفض ..ولم تحول الام الأحزان .. ومهانة السقوط .. لتصبح حوافز مشجعة علي البعث ...

السبب الثاني .. يكمن في الطريقة التي أصبح يفكر بها أغلب سكان هذا المكان بعد أن سالت الأموال أنهارا في دول الخليج .. و سيطرت الوهابية بواسطتها علي العقول و الأفئدة ..

إنهم يرجعون أسباب النصر و الهزيمة لعوامل لا علاقة لها بجهدهم و قدراتهم بقدر ما هي مرتبطة بإرادة خارجية ميتافيزيقية .. تمنح و تمنع لأسباب مجهولة .. وأن البشر ما عليهم إلا الدعاء و الإبتهال .. و الرجاء .. أن تمنحهم السماء نصرا دون عناء .. أو يصبروا و يصابروا علي الإبتلاء .

سيطرة الكهان ( ذوى العمائم البيضاء ثم السوداء ) علي الفكر و صبغة بألوان تواكلية سلبية إستسلامية .... و قدرتهم علي التمييع .. و تزييف الحقائق .. كانت أقوى من أى تحول بدى في الأفق .. فكنست أمامها كل المبادرات لصنع مجتمع حديث متخطي عوامل السقوط .

.. لقد تحكم فينا تجار الدين .. (الملوثه ذمتهم بالبترو دولار) .. الذين قاموا بدور الطابور الخامس التخريبي لصالح أبناء سعود..و كان لهم التأثير الأكبر علي فكر و عقل البسطاءو منعوا أى محاوله .. لعلمنه مجتمعهم المهزوم .. و جعل أهلهم يواجهون مشاكل حياتهم بقوانين عصرهم ... لا قوانين التراث ...

المنظومة الدينية .. التي تحكمت في عقول و سلوك البشر أرجعتهم لقرون ما قبل التنوير .. وفي اللحظه التي أصبح فيها تجار الأديان من الأثرياء .. كان مريديهم يعانون من الفاقة و الحرمان و فقد الرؤية لمسار التحرير .. و التنمية .

السبب الثالث .. أن الضباط الذين رجعوا من خط النار خالي الوفاض .. كان بقدرتهم الإنتصار داخليا .. و فرض وجودهم علي منطقة إتخاذ القرار لنصف قرن متصل .. دون تغيير إلا في الوجوه ... بل إقناع ذويهم أن داخل الهزيمة كان لهم جولات و صولات .. وأن هناك إنتصارات خاضوها لم يلق عليها الضوء .. و أنهم صمام الأمن و حل المشاكل.. و أن الأمل مرتبط دائما بتواجد ضابط علي كراسي الحكم .. الأمر الذى سانده معسكر المنتصرين ( السعودية ،إسرائيل ، أمريكا ) .. و ساعدوا علي بقاء الحال علي ماهو علية .. لتستمر توازنات القوى تميل لصالح العدو .

ضباط ما بعد يناير 2011 .. بطبيعة تكوينهم النفسي و التعليمي .. يرون أن القوة .. ليست في تنمية المجتمع .. بقدر ما تكمن في مراكمة وإمتلاك السلاح ..و أن السلاح الحديث بيدهم سيرهب الأعداء الجدد ( تركيا و إيران و قطر ) ..فسعوا لشراء المتاح في السوق .. بغض النظر عن القدرة المالية لبلدهم .. أو مدى التقدم العلمي لمستخدمية .. أو إسلوب تعويض الخسائر و التقادم .. أو حتي تصنيع الذخيرة و قطع الغيار .

.. في بلدنا المديونه بالمليارات .. تستطيع أن تقرأ في الجرائد عن صفقات أسلحة علي النوته .. مع أمريكا و روسيا و فرنسا و المانيا و إيطاليا .. و كل من يضمن .. سداد مستحقاته المليارية باقساط مدينة تمتد لعقود عديدة

و لان قانون العصر هو أن ..إمتلاك القوة يأتي من الداخل .. أى من قدرة الشعب علي التعلم و الإبتكار .. و التصنيع .. و خلق فلسفة حيوية قادرة علي المساهمة في التقدم البشرى .. لذلك لم نتقدم خطوة واحدة علي الدرب منذ نصف قرن ... ولانزال مقيدين بسلاسل القروض .. و تكاليف الإنجازات .

في يونيو 67 كانت حدود قدراتنا مسورة بتعليمات القيادة التي لم يكن يشغلها الا مجد مرتقب يدور حول الدعوة لفعل ثورى يسقط ملوك الجاز و اباطرته كما حدث في اليمن و ليبيا .... الأمر الذى احبطته الهزيمة و تبخرمع احضان مؤتمر الخرطوم .. ليصبح الهدف إزالة أثار العدوان .

نتائج الحرب جاءت ثقيلة .. فقد لاسلحة الجيش .. وعدو يربض علي حدود القناة يمنع الاستفادة منها و ثروات سيناء مستنزفة و مرافق المدن مستهلكة ولا امل في اصلاحها و مصانع متوقفه بسبب ندرة العملة الحرة لشراء قطع غيار و مستلزمات الانتاج .. و شعب محبط مساق زهرة شبابه الي التجنيد ليحرم سوق العمل منهم .

و كان العالم في نهاية الستينيات يتقدم حولنا بوتائر لا يمكن اللحاق بها لتصبح تدريجيا مصر امة راكدة تضم شعبا يعاني من التخلف وسيطرة الرجعية الدينية .. لا امل له في اللحاق بالركب الانساني في زمن منظور لذلك الجيل .

نصف قرن من الضعف و الخوف و الإستلاب .. و التوهه .. و الضحك علي المغيبين .. و الإستسلام في النهاية لإرادة العدو و زيارة القدس و كامب دافيد مع تغيير معسكر الحلفاء و الأعداء .. هذا هو ما حصدناه و إعتبرة البعض إنجازات .. تجعلنا أفضل من سوريا .. و الأردن و العراق .

ننهي الحديث بنفس إقتباس البداية ((الحرب هي فرض ارادة بالقوة )) بعد نصف قرن من الأحداث و المناوشات .. و الصراع .. و حرب الإستنزاف ..و بطولات تتداول همسا ... و عبور القناة .. ثم السلام .. نسأل بصدق من الذى فرض إرادته .. علي الأخر .. إسرائيل علي مصر و سوريا و الاردن .... أم مصر و حلفاءها علي إسرائيل .