في مثل هذا اليوم 4 ابريل 971م..
يعود إنشاء الجامع الأزهر إلى العهد الفاطمي، حيث وضع جوهر الصقلي حجر الأساس، بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، في 14 من رمضان سنة 359 هـ (4 ابريل 971م )، وافتتح للصلاة لأول مرة في 7 من رمضان سنة 361 هـ. و سمي بالجامع الأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها و التي ينتسب إليها الفاطميون. وقد كان الغرض من إنشائه في بداية الأمر الدعوة إلى المذهب الشيعي، ثم لم يلبث أن أصبح جامعة، يتلقي فيها طلاب العلم مختلف العلوم الدينية والعقلية, ويرجع الفضل في إسباغ الصفة التعليمية علي الأزهر إلي الوزير يعقوب بن كلس ، حيث أشار علي الخليفة العزيز سنة 378 هـ بتحويله إلي معهد للدراسة، بعد أن كان مقصورا علي العبادات الدينية، و نشر الدعوة الشيعية.

وقد أقيمت الدراسة فعليا بالجامع الأزهر في أواخر عهد المعز لدين الله الفاطمي، عندما جلس قاضي القضاة أبو الحسن بن النعمان المغربي سنة 365 هـ (أكتوبر 975م), في أول حلقة علمية تعليمية، ثم توالت حلقات العلم بعد ذلك.

ورغم تعطل إقامة الخطبة في الجامع الأزهر حوالي مائة عام منذ عهد صلاح الدين وبداية الدولة الأيوبية, إلا أن هناك دلائل تشير إلي استمرار الدروس به علي فترات متقطعة. و يعود الفضل للسلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري في إعادة الخطبة إليه، حيث قام بتجديده وإعماره وفرشه مرة أخري، كما استجد به مقصورة حسنة.

سرعان ما استرد الأزهر مكانته بوصفه معهدا علميا ذو سمعة عالية في مصر و العالم الإسلامي. هذا ويعد العصر المملوكي من العصور الزاهية للأزهر، حيث ذاع صيته، وأخذ مكانته كمركز تعليمي، وزوّد بالمكتبات والكتب النفيسة، إلي أن أصبحت مكتبته واحدة من أكبر وأعظم مكتبات الشرق والعالم، لما حوته من كنوز ونفائس.

بناء جامع الأزهر
كان الأزهر هو أول مسجد جامع أنشئ في مدينة القاهرة, لهذا كان يطلق عليه جامع القاهرة. وكان تصميم الأزهر وقت إنشائه يتألف من صحن تحفُّه ثلاثة أروقة، أكبرها رواق القبلة، وعلى الجانبين الرواقان الآخران، وكانت مساحته وقت إنشائه تقترب من نصف مسطحه الحالي، ثم ما لبث أن أضيفت مجموعة من الأبنية شملت أروقة جديدة، ومدارس ومحاريب ومآذن، غيَّرت من معالمه الأولى، وأصبح معرضًا لفن العمارة الإسلامية منذ بداية العصر الفاطمي.

ولعل أول عمارة أدخلت على الأزهر هي التي قام بها الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله، حيث زاد في مساحة الأروقة؛ وأقام قبة حافلة بالنقوش الجصّية البارزة لا تزال قائمة حتى اليوم. وفي العصر المملوكي اعتنى السلاطين بالأزهر بعد الإهمال الذي لحقه في العصر الأيوبي، وكان الأمير "عز الدين أيدمر" أول من اهتم بالأزهر، فقام بتجديد الأجزاء التي تصدعت منه، ورد ما اغتصبه الأهالي من ساحته، وجمع التبرعات التي تعينه على تجديده، فعاد للأزهر رونقه وبهاؤه ودبت فيه الحياة بعد انقطاع، واحتفل الناس بإقامة صلاة الجمعة فيه في يوم (18 من ربيع الأول سنة 665هـ/ 19 من نوفمبر 1266م).

ثم قام الأمير "علاء الدين طيبرس" نقيب الجيوش في عهد الناصر محمد قلاوون بإنشاء المدرسة الطيبرسية سنة (709هـ/ 1309م)، وألحقها بالجامع الأزهر، وقرر بها دروسًا للعلم، وقد عني هذا الأمير بمدرسته، فجاءت غاية في الروعة والإبداع المعماري.

ولم تكد تمضي ثلاثون سنة على هذه العمارة حتى أنشأ الأمير علاء الدين آقبغا سنة (740هـ/ 1340م) -وهو من أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون- المدرسة الأقبغاوية، وهي على يسار الداخل من باب المزينين، وأنفق عليها أموالاً طائلة حتى جاءت آية في الجمال والإبداع، وبخاصة محرابها البديع، وجعل لها منارة رشيقة.

ثم أنشأ الأمير جوهر القنقبائي خازندار السلطان الأشرف برسباي مدرسة ثالثة عُرفت باسم المدرسة الجوهرية، وتقع في الطرف الشرقي من المسجد، وتشتمل على أربعة إيوانات على الرغم من صغر مساحتها، أكبرها الإيوان الشرقي، وبه محراب دقيق الصنع، وتعلو المدرسة قبة جميلة.

ولم تتوقف العمارة في الجامع الأزهر في عهد المماليك الجراكسة، حيث قام السلطان قايتباي المحمودي سنة (873هـ/ 1468م) بهدم الباب الواقع في الجهة الشمالية الغربية للجامع، وشيده من جديد على ما هو عليه الآن، وأقام على يمينه مئذنة رشيقة من أجمل مآذن القاهرة، ثم قام السلطان قانصوه الغوري ببناء المئذنة ذات الرأسين، وهي أعلى مآذن الأزهر، وهي طراز فريد من المآذن يندر وجوده في العالم الإسلامي.

غير أن أكبر عمارة أجريت للجامع الأزهر هي ما قام بها "عبد الرحمن بن كتخدا" سنة (1167هـ/ 1753م) وكان مولعًا بالبناء والتشييد، فأضاف إلى رواق القبلة مقصورة جديدة للصلاة يفصل بينها وبين المقصورة الأصلية دعائم من الحجر، وترتفع عنها ثلاث درجات، وبها ثلاثة محاريب، وأنشأ من الناحية الشمالية الغربية المطلة حاليًا على ميدان الأزهر بابًا كبيرًا، يتكون من بابين متجاورين، عُرف باسم باب المزينين، كما استحدث بابًا جديدًا يسمى باب الصعايدة، وأنشأ بجواره مئذنة لا تزال قائمة حتى الآن، ويؤدي هذا الباب إلى رواق الصعايدة أشهر أروقة الأزهر.

وفي عهد أسرة محمد علي عني الخديوي عباس حلمي الثاني بالأزهر، فجدد المدرسة الطيبرسية، وأنشأ لها بابًا من الخارج، وأضاف إلى أروقة الأزهر رواقًا جديدًا هو الرواق العباسي نسبة إليه، وهو أحدث الأروقة وأكبرها، وافتتح في (شوال 1315هـ/ يناير 1897م).

وقد أدخلت الآن تجديدات على الأزهر وتحسينات على عمارته بعد حادث الزلزال الذي أصاب الجامع بأضرار بالغة في سنة (1413هـ/ 1992م)...!!