يحل شهر "برمهات" القبطي يوم الثلاثاء المقبل والمعروف بدفء الأرض وإنباتها ، ويتزامن مع طقس مائل للحرارة يشعر به المصريون حاليا، حيث ارتفعت درجة الحرارة لتشير إلى قرب رحيل فصل الشتاء، ويتجه الليل والنهار إلى التساوي في عدد الساعات إلى أن تحين لحظة الاعتدال الربيعي حول يوم ٢١ مارس، معلنة انقضاء الفترة الفاصلة بين الشتاء والربيع.

و"شهر برمهات"، وهو الشهر السابع من التقويم المصري القديم، وفي التقويم الجريجوري يبدأ يوم 10 مارس ويستمر إلى يوم 8 أبريل، واسم الشهر مشتق من مونت رمز الحرب لدى قدماء المصريين، وينسب اسمه إلى فرعون مصر "أمنحات"، وهو ثالث شهر من فصل النماء عند قدماء المصريين، وفيه ينحسر فيضان النيل وتبدأ المحاصيل في النمو في أرض مصر. 
 
وفى الموروث الشعبى القديم، كان يقال فى وصفه فى الأمثال "برمهات روح الغيط وهات" فى إشارة للحصاد ونماء الزرع، وفي هذا الشهر تأتي رياح الحسوم التي يطلق عليها أيضا برد العجوز، وعددها 8 أيام تبدأ من يوم ١١ مارس إلى يوم ١٨ مارس من كل عام. 
 
وأيام الحسوم هى أيام فاصلة بين فصلى الشتاء والربيع، وهى فترة ذات مكانة خاصة لدى الفلاحين والمزارعين فعليها يضبطون مواعيد البذر والزرع والحصاد، فهي دليلهم ومعتقدهم وتجربتهم في الحياة مع الزراعة، حيث تتميز تلك الفترة بهبوب الرياح التي تساعد على تلقيح الأشجار والنباتات بصفة عامة. 
 
وتتميز أيام الحسوم الثمانية بدفء المناخ نهارا، وبرد ونشاط هواء ليلا، وتبدو البرودة أشد في المدن الساحلية وفى المناطق الريفية عنها فى القاهرة ومحافظات الجنوب، ولا تقتصر فائدة فترة الحسوم على الزرع والزراعة، بل أنها ذات فائدة كبيرة على جسم الإنسان إذا ما سبح في البحر في تلك الفترة، إذ يقال إن السباحة في البحر في وقت الحسوم تقي من الزكام الشديد الذي يتعرض له العديد من البشر في أيام الشتاء، وقديما وفى أقوال مأثورة في بعض الدول العربية قالوا "إذا دخل الحسوم انزع كساك وعوم"، وما هو ما يدل أيضا على بداية حلول فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة.
 
وفي أصل اللغة العربية "الحسوم" يعنى التتابع، فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوله عن آخره قيل له الحسوم، وفيها تباينت الأقوال في سبب تسميتها بهذا الاسم، ولكن الغالب ما يوحي إليه معنى اللفظ، وهو البت والحسم، وهناك أقوال تفيد أنها أيام قاسية متتابعة، ويؤكد هؤلاء أن أيام الحسوم هي المذكورة في القرآن الكريم في سورة الحاقة (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما)، والمقصود العذاب الذي نزل بقوم عاد بسبب كفرهم وتكذيب الرسل.‏‏ 
 
والسمات المناخية لأيام الحسوم تأثرت بما تأثر به مناخ كوكب الأرض ، إذ عادة ما كانت أيام الحسوم قديما تتميز عن غيرها بهواء شديد البرودة، وهطول الأمطار الغزيرة، والرياح الشديدة، حيث يستعد الشتاء للرحيل ليحل محله الربيع، ولكن نتيجة لتقلبات الطبيعة والتبدلات والتغيرات المناخية التي سادت العالم خلال العقدين الماضيين، فقد تغيرت السمة المناخية ، وبقيت فعاليتها ضعيفة، إذا ما قورنت بما كانت عليه منذ ربع قرن، حيث كان بردها سلاما على
 
الأبدان، واليوم يشعر الإفراد بضيق شديد لهذا الطقس المتقلب بما يحمله من أمراض وأتربة علقت به ومناخ ملبد بالغيوم يؤدى إلى إصابة بعضهم بالاكتئاب.
واللافت في الموروث الشعبي ، التباين الكبير في مناخ أيام الشتاء الأخيرة التي تستحوذ عليها الحسوم، حيث أطلق العرب قديما أسماء مختلفة على كل يوم من أيامها، فاليوم الأول يسمونه " الصر" بمعنى شدة البرد،والثاني "الصنبر" وهو الذي يترك الأشياء كالصنبرة ما غلظ وخثر، والثالث "الوبروفيه" يقال وبر آثار الأشياء محاها وأخفاها، والرابع "الآمر" الذي يأمر الناس بالحذر منه، والخامس "المؤتمر" وهو يأتمر بأذى الناس ويرى لهم الشر ببردة.
 
أما اليوم السادس فهو "المعلل " لأنه يعلل الناس ( يعدهم ) بتخفيف البرد، واليوم السابع "مطفئ الجمر" وهو أشد تلك الأيام رياحا لدرجة أن شدة ريحه الباردة تطفئ الجمر.